مهدي حواص: قمنا بما في وسعنا ولم ننظف البلد من الرشوة والفساد

وزير السياحة والتجارة التونسي لـ«الشرق الأوسط»: ليس هناك خطر إرهابي.. والأزمة المالية في أوروبا لم تؤثر عليها

مهدي حواص
TT

قال وزير السياحة والتجارة التونسي، مهدي حواص، إنه مهما اختلفت توجهات الحكومة الجديدة ليس أمامها إلا دعم السياحة والعمل على تطويرها، مشيرا إلى أنه عندما يتغير الجو السياسي وتصبح البلاد حرة، وتحترم الحكومة الشفافية والديمقراطية والتعددية، ستتشجع المؤسسات العالمية على الاستثمار وإقامة مشاريع كبرى في تونس.

وأضاف حواص في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ستكون لها ثقة بضمانات الحكومة إذا كانت جدية». وقال «أنا على يقين من أن الثورة ستخلق ثورة في قطاع السياحة على عكس ما يقال من أن الثورة ستجعل هذا القطاع يتراجع». وتدارك قائلا «رغم أن القطاع السياحي كان من أكثر القطاعات التي تضررت بسبب الثورة».

وأكد حواص أن السياحة قطاع مهم جدا وأساسي من ناحية اعتماد الاقتصاد عليها، مشيرا إلى أنه «من الممكن أن تصبح تونس سويسرا البحر المتوسط أو سنغافورة آسيا وأحلم بهذا».

إلى ذلك، قال الوزير التونسي إن الليبيين الفارين من القذافي أنقذوا السياحة في جزيرة جربة». وذكر أن الصعوبات في أوروبا بعد الأزمة المالية لم تؤثر على تونس كثيرا بل على العكس. وأضاف «الأزمة العالمية لا تخيفنا».

من جهة أخرى، قال الوزير حواص إنه رغم كل الصفات المختلفة للحكومة الحالية، أي انتقالية وقتية، وأنها غير شرعية» فقد قمنا بما استطعنا، وساعدنا على إيصال البلاد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية، ونسير على طريق النجاح، وقمنا بمجهود كبير من أجل ذلك. وأضاف «تسلمنا البلد بنمو تحت مستوى الصفر، وتمكنا من تجاوز هذه النسبة، وحسناها لما فوق. لم نقم بكل الإصلاحات بالتأكيد لقصر المدة لكننا قمنا بما في وسعنا، ولم ننظف البلد من الرشوة والفساد، ونأمل أن تنجح الحكومة القادمة في ذلك».

وحول ما إذا كان يتوقع تحديات أمنية وهجومات إرهابية، قال حواص: «المشكلة الأمنية المزعومة لا أعرف معناها. في كل العالم تدخل الأسلحة. في تونس كل شيء واضح. فقد مرت 9 أشهر منذ قيام الثورة. وكان عدم الاستقرار والانفلات الأمني، الذي عرفته البلاد في بعض الفترات أرضية مناسبة لأي أعمال إرهابية لكننا لم نشهد شيئا. وليس هناك خطر إرهابي في تونس، رأينا الإرهاب في النرويج وفي أميركا. وما كنا نسمعه من مزاعم في الماضي كانت ادعاءات كاذبة من بن علي من أجل الحفاظ على بقائه والترويج لنفسه وبأنه يقوم بأداء جيد ونجح في القضاء على خطر الإرهاب الذي هو مجرد وهم لا وجود له في تونس». وفي ما يلي نص الحوار.

* هل تضرر القطاع السياحي من الثورة التونسية؟

- القطاع السياحي كان من أكثر القطاعات التي تضررت بسبب الثورة، ونحن نتفهم جيدا تخوفات السياح، ونعلم جيدا أنهم، وخاصة العائلات، يرتبون حجوزاتهم للصيف عادة بين شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، وهذا العام شهد الثورة التونسية التي تلتها اضطرابات في البلاد في تلك الفترة. كما أن صورة تونس بقيت متأثرة حتى نهاية الثورة في تونس. فالعلم التونسي رافق الربيع العربي أينما حل، من مصر إلى ليبيا ثم سوريا واليمن، وهذا ما يجعل السائح الغربي كلما فكر في تونس كوجهة سياحية يخشى أن يجد بلدا يسوده الاضطرابات والمظاهرات.

* الثورة الليبية كيف أثرت على السياحة التونسية؟

- تقع ليبيا على بعد أقل من 150 كلم من جربة، وفيها ربع الفنادق الموجودة في تونس. وخلال الثورة الليبية دخل مليون و200 ألف لاجئ لتونس التي كانت تمر بفترة صعبة أيضا، كما أن الوضع في دولة مجاورة مثل ليبيا لا يشجع أبدا السياح على التوجه نحو تونس، وهذا ما يجعل السياحة التونسية تتأثر سلبيا بالتأكيد. لكن وقوفنا إلى جانب الشعب الليبي، وفتح أيادينا وبيوتنا وقلوبنا لهم لعب أيضا دورا إيجابيا. وقد أنقذ الليبيون الفارون من قوات العقيد معمر القذافي السياحة في جزيرة جربة، سواء من خلال إقبالهم على الفنادق فيها وملء الغرف أو من خلال إنفاقهم في اقتناء المواد الغذائية، ومختلف السلع الأخرى.

* وكيف هو وضع السياحة في تونس حاليا؟

- القطاع السياحي في تونس كان مريضا منذ 10 سنوات، وشهد على امتدادها تراجعا مستمرا، ولم يكن يسير بالنسق المفترض إذا ما قورن بدول مشابهة لوضعنا مثل المغرب الذي تمكن من تحقيق النتائج المفترضة في السنوات الماضية. ومقارنة مع مصر وتركيا، تعتبر تونس أكثر ثراء وتنوعا من الناحية التاريخية. فلدينا أربع حضارات ويجب الاستفادة منها. ووضع السياحة حاليا لا يعتبر كارثيا إذا ما وضع في إطار الأحداث العامة التي شهدتها البلاد بل على العكس حققنا نموا غير متوقع.

* هل واصلت وزارتكم العمل بنفس الأسلوب المعتمد قبل الثورة أم هناك تغيير؟

- حاولنا القيام بحملة كبيرة، وبدأنا ببرنامج طموح في محاولة لإنقاذ الموسم الصيفي، لكن برنامجنا فشل وتعرضنا لانتكاسة بعد خروج الناس للشوارع ثانية على أثر تصريحات فرحات الراجحي، الذي شغل منصب وزير الداخلية لأسابيع، وما أحدثته من بلبلة. لكن ورغم كل العوائق عملنا بجد ووصلنا لتحقيق ما بين 65 و70 في المائة مقارنة بالعام الماضي بعد أن كان طموحنا في هذه الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد يروم تحقيق نسبة 50 في المائة. وتمكنا من المحافظة على مناصب الشغل حيث تعيش 400 ألف عائلة من السياحة، وهذا يعني أن 10 في المائة من مناصب الشغل توفرها السياحة.

* ما هو طموحكم، وكيف يمكن للقطاع الأكثر أهمية في الاقتصاد التونسي أن يحقق أهدافه؟

- تطور السوق العالمية السياحية بنسبة نمو بلغت 50 في المائة في العشر سنوات الماضية، ويجب أن نسير نحن بنفس النسق، يجب أن نواصل العمل على تصحيح أخطاء الماضي، ونطمح لتحقيق 10 ملايين سائح.

إن آفاق السياحة التونسية مفتوحة ولا حدود لها، ومن أهم ما نطمح إليه وسنحاول البدء في تنفيذه قريبا هو تغيير طبيعة المنتوج والعقلية، وأنا على يقين من أن الثورة ستخلق ثورة في قطاع السياحة على عكس ما يقال من أن الثورة ستجعل هذا القطاع يتراجع. كما سنعمل على تطوير السياحة الداخلية التي تزن نسبة 7 في المائة فعليا. وفي البلدان المتقدمة تساهم السياحة الداخلية بنسبة تتراوح بين 35 و45 في المائة، ولديها منتوجها وبرامجها الخاصة، وخطؤنا في تونس أننا كنا نعرض منتوج السياحة الخارجية على المستهلك في الداخل، وبالطبع هو منتوج لا يتناسب مع مقدرة التونسي العادي. في الاستراتيجية الجديدة، يجب الأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للتونسي، كما لدينا برنامج لتنمية السياحة الأثرية والتاريخية والثقافية.

* الأزمة المالية في العالم وفي أوروبا بالتحديد هل كان لها تأثير وتداعيات على تونس؟

- الصعوبات في أوروبا جراء الأزمة المالية لم تؤثر على تونس كثيرا بل على العكس نحن نعتقد أنها لعبت دورا إيجابيا، فتونس وجهة معقولة جدا من ناحية التكلفة، وقريبة من أوروبا، لذا فالأزمة العالمية لا تخيفنا.

* كيف تؤثر السياسة على السياحة في تونس؟

- خلال السنوات العشر الماضية لم تكن سياسة تونس واضحة في كل المجالات ومنها الاقتصاد والسياحة، وهذا لم يشجع المؤسسات العالمية على الاستثمار فيها. وأعتقد أنه عندما يتغير الجو السياسي، وتصبح البلاد حرة وتحترم الحكومة الشفافية والديمقراطية والتعددية، ستتشجع المؤسسات العالمية على الاستثمار، وإقامة مشاريع كبرى في تونس لأنها ستكون لها ثقة بضمانات الحكومة إذا كانت جدية.

* هل ستؤثر التركيبة السياسية الجديدة في البلاد التي يتصدرها حزب النهضة على السياحة؟

- السياحة قطاع مهم جدا وأساسي من ناحية اعتماد الاقتصاد عليها، ومهما اختلفت توجهات الحكومة الجديدة ليس أمامها إلا دعمه والعمل على تطويره، وأنا شخصيا مع فكرة أن تصبح السياحة القطاع الثاني وليس الأول، وأطمح لتحسين البنية التحتية. فتونس لا تحتاج لأن تكون سياحية بالأساس، وأنا أرى أنه من الممكن أن تصبح تونس سويسرا البحر المتوسط أو سنغافورة آسيا وأحلم بهذا، وبأن يكون القطاع الأول هو الخدمات والتبادل التجاري.

* وماذا عن القطاع التجاري؟ هل تأثر في الأشهر الماضية بالأحداث التي شهدتها البلاد؟

- التجارة في تونس لم تتأثر لأن تزويد وتوزيع المنتوجات الأساسية على كل الجمهورية لم يشهد أي نقص، ولم تفتقد أي مواد، ونجحنا في هذه المهمة، وتمكنا من حماية القطاع، وتأمين حماية القدرة الشرائية. وبشكل عام لم يتغير الوضع، ولم تتأثر الظروف المعيشية للمواطن التونسي. بل على العكس لعب صندوق الدعم الذي أنشأه زين العابدين بن علي في أيامه الأخيرة دورا، وكان في إطار الإصلاحات التي أتت ضمن محاولاته لاحتواء الثورة، وتم اعتماده من طرف الحكومة الجديدة، وتمتع التونسيون بالمواد الأساسية بأسعار أقل من نفس الفترة في السنة الماضية. كما أن التجارة الخارجية التي كنا نتوقع أن تصل إلى مستوى الصفر انتعشت، فقد ارتفع الدخل بنسبة 9 في المائة مقارنة بالسنة الماضية وهذا كان نتيجة الثورة الليبية والصادرات من المنتوجات التونسية لليبيا، وتجب ملاحظة أن هذا التطور في النسبة تحقق رغم توقف تصدير الفوسفات، الذي يعتبر من أهم وأول الصادرات التونسية نظرا لتوقف إنتاجه في الوقت الحالي بسبب الاحتجاجات وما نجم عن الثورة.

* يرى المراقبون في تونس أن القطاع التجاري بشكل خاص يشهد فسادا غير مسبوق، وأن الكثير من رجال بن علي وعائلة الطرابلسي ما زالوا يحتكرون القطاع، ويسيطرون عليه. كيف تردون على هذا؟

- نعم هناك الكثير من المتورطين في الفساد، وإذا أردت تنظيف القطاع يجب الاستغناء عن 70 في المائة من العاملين فيه، لكن لا يمكن أن نحاسبهم جميعا أو نضعهم جميعا في السجن. ويجب إذا أردنا الاستمرارية بشكل معقول أن نفرق بين من سرق ومن تعاون سواء بالفعل أو بالسكوت عنه.

* هل تغير التونسي بعد الثورة؟

- اليوم أصبح بإمكان الناس أن يشتكوا من كل ما يزعجهم، ويجب أن نتعود على تونس الجديدة التي أصبح بإمكان المواطن فيها أن يلتقي ويصرخ في وجه وزير ليعبر عن غضبه أو عدم رضاه عن أدائه.

* ماذا قدمتم لتونس كحكومة مؤقتة؟

- رغم كل الصفات المختلفة لحكومتنا من أنها انتقالية وقتية، وسميت أيضا بأنها غير شرعية، فقد قمنا بما استطعنا، وساعدنا على إيصال البلاد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية، ونسير على طريق النجاح، وقمنا بمجهود كبير من أجل ذلك. تسلمنا البلد بنمو تحت مستوى الصفر، وتمكنا من تجاوز هذه النسبة وحسناها لما فوق. لم نقم بكل الإصلاحات بالتأكيد لقصر المدة لكننا قمنا بما في وسعنا، ولم ننظف البلد من الرشوة والفساد، ونأمل أن تنجح الحكومة القادمة في ذلك.

* هل تتوقعون تحديات أمنية وهجومات إرهابية. وهل يوجد في تونس إرهابيون؟

- المشكلة الأمنية المزعومة لا أعرف معناها. في كل العالم تدخل الأسلحة. في تونس كل شيء واضح. فقد مرت تسعة أشهر منذ قيام الثورة وكان عدم الاستقرار والانفلات الأمني، الذي عرفته البلاد في بعض الفترات أرضية مناسبة لأي أعمال إرهابية لكننا لم نشهد شيئا. وليس هناك خطر إرهابي في تونس، رأينا الإرهاب في النرويج وفي أميركا. وما كنا نسمعه من مزاعم في الماضي كانت ادعاءات كاذبة من بن علي من أجل الحفاظ على بقائه والترويج لنفسه وبأنه يقوم بأداء جيد ونجح في القضاء على خطر الإرهاب الذي هو، حسب رأيي، مجرد وهم لا وجود له في تونس.