«سلطان».. شهامة «الأمير» وحنكة «المسؤول» حولتا الجبال إلى طرق سهلة

جبال «الهدا» غرب السعودية و«صبر» في الجمهورية اليمنية شواهد شامخة

TT

حتى الجبال تشهد على مآثر الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز ولي العهد.. حقيقة يدركها سكان محافظة الطائف في السعودية، وتعز في الجمهورية اليمنية، في جبال الهدا وصبر، حيث كان يصعب وصول سكان المحافظات والهجر إليها بسبب وعورة الطريق.

فلا ينسى اليمنيون عامة، وسكان صبر خاصة، زيارة الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز إلى اليمن في عام 1969، وذلك عندما قام بجولة استطلاعية لهذا الجبل، فشاهد مشقة الطريق ووعورته، وبشهامة الأمير أبى إلا أن يهدي للشعب اليمني هدية منه.

وأعلن الأمير سلطان بن عبد العزيز في ذلك الوقت تبرعه بإنشاء طريق من مدينة تعز إلى قمة جبل صبر، بكلفة إجمالية اثني عشر مليونا ومائتين واثنين وعشرين ألفا وثلاثمائة وثمانية وتسعين دولارا، لمشروع يبلغ طوله اثنين وعشرين كيلومترا، يشتمل على الطريق الرئيسي الممتد من مدينة تعز إلى قمة جبل صبر، مرورا بالعديد من القرى اليمنية، بالإضافة إلى أربعة طرق فرعية إلى القرى المجاورة، بطول إجمالي ستة كيلومترات.

وفي الطائف غرب السعودية، يتذكر الزائرون للمدينة طريق الهدا الذي أنشئ عام 1959، عندما كان الأمير سلطان وزيرا للمواصلات، فقد وقعت الوزارة في عهده عقد إنشاء الطريق بطول 67 كيلومترا، بحيث يبدأ من محافظة عرفات، مرورا بالكرا والهدا، إضافة إلى الطائف.

وعُيّن الأمير سلطان وزيرا للمواصلات يوم السبت 5 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1955، حيث أسهم في إدخال شبكات المواصلات الحديثة البرية والاتصالات السلكية واللاسلكية في المناطق الجبلية، وبدأ العمل في يوليو (تموز) 1958 بكلفة إجمالية نحو 49 مليون ريال، كما أسهم الأمير سلطان عندما كان وزيرا للمواصلات في إدخال شبكات المواصلات البرية الحديثة والاتصالات السلكية واللاسلكية وطريق السكة الحديد بين الرياض والدمام.

وفي جانب آخر، يقول المهندس عادل فقيه، وزير العمل السعودي «ليس من السهل عند الحديث عن شخصية الأمير سلطان رحمه الله الفصل بين الجانبين العام والخاص منها؛ فقد كانت صفاته الشخصية الفريدة من نوعها التي يتحلى بها تنعكس انعكاسا واضحا على أسلوب عمله ونهج تعامله وإدارته للشأن العام. ولعلي لا أضيف جديدا عندما أقول إن الكثير من هذه الصفات التي اكتسبها كانت من صفات مدرسة المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، الذي أجاد أساليب الحكم والسياسة، وكان حريصا على ترسيخ قيم الدين الحنيف بمعناها الرحب العميق في نفوس أبنائه وأبناء شعبه، رحمه الله».

وأضاف «لقد حظيت قضايا القوى العاملة الوطنية باهتمام وعناية ورعاية منه رحمه الله في جميع المسؤوليات والمهام التي أنيطت بسموه طوال فترة حياته الزاخرة بالإنجازات. فقد كان بالإضافة إلى مسؤولياته في المجال العسكري وتطوير القدرات العسكرية للوطن الغالي راعيا لتنمية وتطوير القوى العاملة، وفتح مختلف المجالات أمام المواطنين للعمل والمساهمة في خطط التنمية. لذلك فقد أولى رحمه الله عناية خاصة لموضوع توطين الوظائف، وإكساب أبناء وبنات الوطن المهارات والمعارف المطلوبة للمشاركة في عملية التنمية الشاملة التي تعيشها مملكتنا الحبيبة في هذا العهد الزاهر، كما اهتم سموه بالتعليم والتدريب، ونقل التقنية المتطورة لأبناء الوطن»، مشيرا إلى أنه «إذا كان للالتزام أشكال فإن أبرزها لدى الأمير سلطان، رحمه الله، أن المسؤولية أمانة ثقيلة تتطلب عزيمة صلبة ومثابرة جادة وحرصا على أداء الواجب. فعلى الرغم من دقة سموه وصرامة التزامه بها، فإنها لم تؤثر في طابع السماحة التي تعامل بها رحمه الله مع الجميع؛ بغض النظر عن مواقفهم ومراكزهم ومسؤولياتهم».

كما أن ولي العهد امتلك ميزة مثيرة للإعجاب، وهي قدرته على الاستماع والإنصات لمحدثيه، وذلك لما يبعثه ذلك في نفوسهم من اطمئنان عند عرض مطالبهم واحتياجاتهم. لقد حافظ الأمير الراحل - مع تعدد مسؤولياته وكثرة واجباته الرسمية - على صلته التي لم تنقطع مع المواطنين، لتلمس همومهم ومطالبهم المستمرة، سواء من خلال لقاءاته المباشرة معهم في مجلسه الخاص، أو من خلال القنوات الرسمية المتمثلة في الوزارات التي تتعاطى يوميا مع مطالب المواطنين واحتياجاتهم.

كل ذلك إضافة إلى ما عرف عن ولي العهد من اهتمام بالأعمال الخيرية وعناية بالقرآن الكريم وحَفَظَتِهِ، والمبرات الخيرية المتعددة، وكراسي البحث العلمي، وبرامج التمويل.. إلى آخر قائمة طويلة من أعمال البر والإحسان التي نسأل الله عز وجل أن ينفعه بها وقد أصبح اليوم في ذمته.

لذلك فإن الكلمات والأسطر والصفحات محدودة ولا تستطيع أن تختزل إنجازات وصفات هذا الراحل العظيم. ولكن ما يعزينا ويعزي جميع محبي الأمير سلطان، أنه كان وسيظل دائما ماثلا أمامنا بإنجازاته العظيمة، وقيمه ومثله النبيلة، التي نستمد منها روح الإصرار والمثابرة والتحدي.