المتحدث الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية لـ «الشرق الأوسط»: لسنا بصدد عقد صفقة.. والمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته

ليبيا: سيف الإسلام القذافي يسعى إلى تفادي مصير والده وأشقائه.. وغموض حول مكان وجوده

TT

بدا، أمس، أن سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد الراحل معمر القذافي، يسعى إلى تفادي مصير والده وأشقائه سيف العرب والمعتصم وخميس، الذين قتلوا على أيدي الثوار الليبيين وجراء غارات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث كشفت مصادر في المجلس الوطني الانتقالي لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن أن سيف الإسلام يحاول إقناع إحدى الدول الأفريقية بمنحه حق اللجوء السياسي، بينما يجري مفاوضات غير مباشرة مع مورينو أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لتسليم نفسه.

وتزايد الغموض حول مكان وجود نجل القذافي الناجي الوحيد الباقي من أسرته بعد قتل 3 من أشقائه وهروب 3 آخرين إلى الخارج موزعين ما بين النيجر والجزائر.

وبعد إسقاط الثوار نظام حكم القذافي وقتله مع ابنه المعتصم الذي كان يتولى منصب مستشار الأمن القومي الليبي، لم يعد لدى القذافي من شخص مؤهل لقيادة فلوله وباقي نظامه السياسي وقواته العسكرية سوى سيف الإسلام، علما بأن شقيقيه، خميس وسيف العرب، قتلا جراء غارات لحلف الناتو مؤخرا، بينما أشقائه محمد وهانيبال وعائشة في الجزائر برفقة والدتهم، صفية فركاش، زوجة القذافي.

ويتفادى الساعدي، شقيق سيف الإسلام الموجود منذ الشهر الماضي في النيجر، أي ظهور إعلامي منذ هروبه إليها في ظروف غامضة.

وقال مسؤول في المجلس الوطني الانتقالي لـ«الشرق الأوسط» إن هناك شكوكا قوية في أن سيف الإسلام نجل القذافي لم يعد داخل ليبيا، مشيرا إلى أنه ربما قد نجح في الهرب إلى مالي عبر النيجر برفقة مسلحين من الطوارق ومرتزقة أفارقة يقودهم عبد الله السنوسي صهر القذافي ورئيس جهاز المخابرات الليبية السابق.

ونفى نفس المسؤول، الذي تحدث عبر الهاتف من العاصمة الليبية، طرابلس، مشترطا عدم تعريفه، أن يكون المجلس الانتقالي على اطلاع بالاتصالات التي قال أوكامبو، أمس، إن مكتبه يجريها مع نجل القذافي لبحث الترتيبات الخاصة بتسليم نفسه.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لسنا طرفا في هذه الاتصالات.. بالنسبة لنا فإن نجل القذافي مطلوب للمحاكمة من قبل الشعب الليبي، وإذا عرض تسليم نفسه لأي جهة أخرى فإن هذا لن يعفيه من العقاب».

وتابع: «ربما يعتقد نجل القذافي أنه سيحصل على عقوبة مخففة، كالسجن 10 سنوات فقط يخرج بعدها ليتمتع بأموال الشعب الليبي التي نهبها مع أبيه وأشقائه وعائلته، لن نسمح له بالإفلات من العدالة».

وقالت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط»: «إن محمد إسماعيل، مدير مكتب نجل القذافي وسكرتيره الشخصي، يسعى، على ما يبدو، عبر شبكة من المحامين الدوليين إلى الحصول لسيف الإسلام على حق اللجوء السياسي لأي من الدول التي احتفظ نظام والده القذافي سابقا بعلاقات طيبة معها»، مشيرة إلى أن الأمر ينطبق على مالي وجنوب أفريقيا.

وأضافت المصادر: «ربما هو (سيف الإسلام) يسعى إلى تأمين حياته الشخصية، لديه عروض من حلفاء سابقين لوالده حتى من خارج القارة الأفريقية لتفادي قتله أو اعتقاله، الأمر لم يحسم بعد حتى الآن».

وكان أوكامبو، قد أكد، أمس، مجددا وجود اتصالات غير مباشرة من خلال وسطاء للطلب إلى سيف الإسلام القذافي تسليم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، بينما قال فادي العبدالله، المتحدث الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية، لـ«الشرق الأوسط» إن المحكمة ستؤمن لنجل القذافي محاكمة عادلة تضمن جميع حقوق الدفاع وتحترمها، بما فيها قرينة البراءة، حتى ثبات التهمة ثباتا لا يقبل أي شك معقول.

وأضاف في رده على أسئلة وجهتها له «الشرق الأوسط»، عبر البريد الإلكتروني: «إذا سلم المشتبه به نفسه إلى المحكمة يصار إلى اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لنقله إلى مركز احتجاز المحكمة، الواقع في لاهاي (هولندا)، حيث تراعى أعلى معايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليا في معاملة المشتبه بهم، والمفترض أنهم أبرياء حتى تثبت إدانتهم».

ولفت العبدالله إلى أن أوكامبو شدد على أنه ليس بصدد السعي إلى عقد صفقة، بل إلى تأمين حسن سير العدالة وفقا لقواعد القانون وتحت رقابة قضاة يتمتعون بكامل صفات وضمانات الاستقلالية والنزاهة والحياد.

وحول ترتيبات المحاكمة في حال تسليم نجل القذافي نفسه بالفعل، قال الناطق الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية لـ«الشرق الأوسط» إذا ما سلم المشتبه نفسه إلى المحكمة، فسيتم عقد جلسة مثول للمرة الأولى لإبلاغه بحقوقه أمام المحكمة وبالتهم الموجهة إليه، تليها، بعد بضعة أشهر، جلسة للبحث في اعتماد التهم وإحالة القضية إلى المحاكمة أو رفض اعتماد التهم وإنهاء الإجراءات ضد المشتبه به.

وتابع: «إذا ما تم اعتماد التهم بحق المشتبه، فستحال القضية إلى المحاكمة، تجري كل هذه الإجراءات بمقر المحكمة في لاهاي ما لم يقرر القضاة غير ذلك».

وقال إن المدعي العام أوضح أنه في حالة تسلم المشتبه به نفسه، فله الحق في الدفاع عن نفسه، في إطار محاكمة عادلة تضمن كل الحقوق المكفولة للدفاع، والقرار آخر الأمر يكون للقضاة. لكن الناطق الرسمي باسم المحكمة اعتبر أن الحديث عن الترتيبات الفعلية لنقل سيف الإسلام إلى لاهاي، لا يزال مبكرا، مشيرا إلى أنه ينبغي في بادئ الأمر تأكيد موافقة المشتبه به على تسليم نفسه، ومن ثم البحث في الترتيبات اللوجيستية الضرورية وفقا لمكان وجوده.

ومضى إلى القول: «المحكمة تعتمد على تعاون الدول الأعضاء فيها وهي 119 دولة، فضلا عن أن لديها اتفاقية تعاون مع الأمم المتحدة لتسهيل عملها ومقتضياتها اللوجيستية. وبحسب ما يكون ضروريا، سيتم عقد الترتيبات واللجوء إلى التعاون مع الأطراف الملائمة لذلك».

ومع أنه أضاف «بشكل عام، ما إن يسلم المشتبه به نفسه إلى المحكمة حتى يصبح خاضعا لسلطتها، إنفاذا لقرار القضاة بإصدار أمر القبض بحقه»، إلا أنه شدد في المقابل على أن المهم هو التركيز على ضرورة أن تأخذ العدالة مجراها، بما يسمح بمحاكمة عادلة تتيح للدفاع احترام حقوقه وللمجني عليهم إسماع أصواتهم ومطالبهم. وأضاف: «ولا تنس أنه بريء حتى تثبت إدانته». لكن عبد الحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي، قال في المقابل إن الليبيين ما زالوا يأملون في محاكمة المشتبه بهم بأنفسهم.

وقال إنه لا توجد أي ترتيبات خاصة من جانب المجلس الانتقالي وإنه لو اعتقل سيف الإسلام والسنوسي داخل ليبيا فسيحاكمان بموجب القانون الليبي.

من جهة أخرى، قال فادي العبدالله لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليست لدي أي معلومات بشأن المشتبه به عبد الله السنوسي صهر القذافي ورئيس جهاز المخابرات الليبية الهارب».

وكان مسئوول ليبي كبير قد تحدث، أول من أمس، عن أن سيف الإسلام الذي يعتقد أنه عبر بالفعل الحدود الليبية إلى النيجر يحاول الترتيب لتوفير طائرة تنقله خارج منطقة الصحراء حتى يتسنى له تسليم نفسه لمحكمة جرائم الحرب في لاهاي.

وقال المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه: «يوجد اتصال مع مالي ومع جنوب أفريقيا ومع دولة مجاورة أخرى لتنظيم خروجه.. لم يحصل على تأكيد بعد.. ما زال ينتظر».

وحتى إذا تمكن سيف الإسلام من الحصول على جزء من الثروة الطائلة التي جمعتها أسرة القذافي من وراء آبار النفط الرئيسية في ليبيا خلال 42 عاما من حكم البلاد، فسوف تحد مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية من الفرص المتاحة له.

وقال مصدر في المجلس الوطني الانتقالي الذي أسقط القذافي وسيطر على العاصمة، طرابلس، في شهر أغسطس (آب) الماضي، إن سيف الإسلام والسنوسي موجودان معا في حماية قبائل الطوارق في الصحراء الواسعة بالقرب من الحدود بين الجزائر والنيجر.

وقال مصدر في المجلس الوطني الانتقالي: «سيف (الإسلام) قلق على سلامته.. يعتقد أن تسليم نفسه هو أفضل خيار أمامه»، مضيفا: «إنه يريد إرسال طائرة له.. يريد تطمينات».

وقال ريسا آج بولا، وهو زعيم سابق لمتمردي الطوارق يعمل الآن مستشارا رئاسيا في النيجر، لوكالة «رويترز»، أمس: «أستطيع أن أؤكد الآن أن عبد الله السنوسي موجود الآن في شمال مالي. لقد عبر ارليت في شمال النيجر برفقة طوارق من مالي إلى جانب البعض من النيجر. إنهم يتمتعون بحماية جيدة، أي أنهم مسلحون».

وأضاف: «أما بالنسبة لسيف فهو متردد لكنه بالقطع في النيجر. هو يحاول أن يقرر ما إذا كان سيواصل إلى مالي أم يبقى في النيجر».

ويرجح البعض أن يكون الاستسلام إلى المحكمة الجنائية الدولية مجرد خيار واحد من خيارات سيف الإسلام الذي ربما يتمنى أن ترحب به دولة أفريقية من الدول التي أغدق والده عليها العطايا. لكن مقربين من نجل القذافي ومسؤولين عملوا في السابق معه عن كثب قالوا في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إنه يصعب عليهم تصديق فكرة كونه يعتزم تسليم نفسه.

وقال مصدر على صلة عائلية بنجل القذافي لـ«الشرق الأوسط» في تصريح مقتضب: «أنا لا أصدق ما يتم تناوله إعلاميا في هذا الشأن، من واقع ما أعرفه عن سيف شخصيا، فهذا لن يحدث ولن يسلم نفسه، هذه قناعتي الأكيدة».

وكانت بعض المواقع المحسوبة على نجل القذافي وصفحات موالية له على موقع «فيس بوك» قد نشرت مؤخرا رسالة قالت إن سيف الإسلام كتبها بعد مصرع والده أعلن فيها أنه «لن يقبل التعازي حتى تبتسم الحاجة صفية (والدته) وتزغرد عائشة (شقيقته)».

وقال نجل القذافي وفقا لنص الرسالة المزعومة: «إنني أطمئن عائلتي، والدتي وإخوتي، إنني على ما يرام، وإنني، كما عرفوني دائما، لا يمكن أن أخون وصية والدي حيا، فكيف أخون وصيته ودمه ميتا».

وأضاف: «إنني وفي هذا الوقت التاريخي أريد أن أحدد مصير القضية بوضوح، لأن البعض يرون أن كل شيء قد انتهى، لكن الحقيقة أن كل شيء قد بدأ الآن.. لقد كنت مؤمنا دائما بالدفاع عن ليبيا، وبالانتقام من الخونة والمجرمين الذين أظهروا حقيقتهم للعالم كله، وحتى لو لم أكن مؤمنا بذلك، فإن ما حدث يدفعني بكل قوة إلى أن أحول نهارهم إلى ليل وحياتهم إلى جحيم، وأن أزرع حولهم الموت زرعا أينما كانوا».

وأضاف: «لن أقبل عزاء في والدي ولا في إخوتي حتى أنهي مهمتي وأنجز واجبي ولو بعد خمسين سنة».

واختتم رسالته قائلا: «أنا ابن أبي.. وأنا شقيق المعتصم.. وأنا ابن ليبيا.. أنا واحد من آلاف من الناس الذين ورثوا الجرح والثأر، ولن نحترم دماء ضحايا ليبيا إذا لم نلاحق قتلتهم في كل مكان حتى تضيق عليهم الأرض».

ويقول محامون إنه حتى إذا ألقي القبض على سيف الإسلام بتهم تتعلق بقتل المحتجين في فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين، فمن الممكن أن يدافع عن نفسه بدفوع تحد من أي حكم.

وقال أحد المقربين من سيف الإسلام إنه كان يخشى على حياته عندما فر من بني وليد، وإذا كان قد رأى اللقطات المروعة التي التقطت لوالده بعد اعتقاله فمن المرجح أن لا تكون لديه شكوك بشأن الطريقة التي سيعامل بها في حالة بقائه في ليبيا.

وقال السنوسي شريف السنوسي، وهو ملازم في جيش القذافي، وكان عضوا في فريق الأمن الشخصي التابع لسيف الإسلام، إنه كان خائفا من قذائف «المورتر» وبدا عليه التشوش.

من جهة أخرى قال بيان لجبهة تحرير ليبيا التي تضم فلول نظام القذافي إن فتاة قناصة من الجبهة استهدفت سند العريبي الذي ادعى في شريط مصور أنه هو من ألقى القبض على القذافي.

ولم توضح قناة «الرأي» الموالية للقذافي، التي تبث إرسالها من العاصمة السورية، دمشق، والتي أوردت البيان، أي تفاصيل أخرى تؤكد صحة مزاعمها.