أميركا تبحث تعزيز وجودها العسكري في الخليج بعد الانسحاب من العراق

مناقشات حول إبقاء قوة مقاتلة في الكويت وإرسال المزيد من السفن الحربية لمواجهة أي تهديدات من إيران

TT

تخطط إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لتعزيز الوجود العسكري الأميركي بمنطقة الخليج العربي بعد قيامها بسحب باقي قواتها من العراق العام الحالي، بحسب ما ذكره مسؤولون ودبلوماسيون. وقد تتضمن إعادة التمركز قوات مقاتلة جديدة في الكويت قادرة على الرد حال انهار الأمن داخل العراق أو الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران.

وقد أصبحت الخطط، التي يجري نقاش حولها منذ أشهر، ملحّة بعد إعلان إدارة أوباما الشهر الحالي عن أن آخر الجنود الأميركيين سيعودون إلى أرض الوطن من العراق بنهاية ديسمبر (كانون الأول). وقد كان إنهاء الحرب التي استمرت ثمانية أعوام تعهدا محوريا قطعه أوباما على نفسه خلال حملته الرئاسية، ولكن يخشى دبلوماسيون وضباط في الجيش الأميركي، بالإضافة إلى مسؤولين في الكثير من الدول في المنطقة، من أن عملية الانسحاب قد تخلِّف وراءها حالة من عدم الاستقرار أو ما هو أسوأ.

وبعد فشل البنتاغون في الضغط على إدارة أوباما والحكومة العراقية للسماح بما يصل إلى 20.000 جندي أميركي بالبقاء في العراق بعد 2011، بدأ حاليا يبحث عن خيار بديل.

وعلاوة على المفاوضات حول استمرار وجود قوات مقاتلة في الكويت، تقوم الولايات المتحدة بدراسة إرسال المزيد من السفن الحربية التابعة للبحرية عبر المياه الدولية إلى المنطقة.

وتسعى الإدارة الأميركية إلى توسيع علاقاتها العسكرية مع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وعينها منتبهة إلى التهديد القادم من إيران. وبينما تحتفظ الولايات المتحدة بعلاقات عسكرية ثنائية مع كل من هذه الدول، تسعى الإدارة الأميركية والجيش إلى تعزيز «بنية أمنية» لمنطقة الخليج العربي تتضمن دوريات بحرية وجوية ودفاع صاروخي.

وما زالت ثمة مفاوضات حول حجم القوة الأميركية المقاتلة الاحتياطية التي سيكون مقرها الكويت، ومن المتوقع البت في هذا الأمر خلال الأيام المقبلة. وقد رفض ضباط في القيادة المركزية هنا مناقشة تفاصيل المقترحات، ولكن كان واضحا أنه يمكن ضم خطط تعبئة ناجعة تعود إلى عقود ماضية في خطط المنطقة خلال مرحلة ما بعد العراق.

وعلى سبيل المثال فإنه في الفترة بين حرب الخليج عام 1991 وغزو العراق عام 2003 أبقت القوات البرية الأميركية على كتيبة مقاتلة على الأقل - وفي بعض الأحيان على لواء قتالي بالكامل - داخل الكويت لنحو عام، إلى جانب ترسانة هائلة جاهزة للانتشار إذا ما تم استدعاء المزيد من القوات إلى المنطقة.

«عودة إلى المستقبل»، هذا هو الوصف الذي استخدمه الميجور جنرال كارل هورست، رئيس هيئة أركان القيادة المركزية، في وصفه للتخطيط لوضع جديد بمنطقة الخليج. وقال إن القيادة كانت تركز على عمليات تعبئة أصغر ولكن ذات قدرات كبيرة وشراكات تدريبية مع جيوش موجودة في المنطقة. وقال الجنرال هورست: «نفكر نوعا ما في العودة إلى الطريقة التي كان عليها الوضع قبل أن يكون لدينا قوات ميدانية كبيرة، وأعتقد أن هذا وضع صحي، وأعتقد أنه سيتسم بالكفاءة، وأرى أنه عملي».

وقد سعى أوباما ومستشارو أمن قومي بارزون إلى طمأنة بعض الحلفاء والرد على مخاوف منتقدين، بمن فيهم الكثير من الجمهوريين، بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن التزاماتها في منطقة الخليج حتى مع إنهائها الحرب داخل العراق وتطلعها للقيام بالمثل في أفغانستان بنهاية 2014.

وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في طاجيكستان بعد إعلان الرئيس: «سيكون لدينا وجود مستمر قوي في المنطقة، وهذا دليل على التزامنا المستمر تجاه العراق ومستقبل تلك المنطقة، التي تبشر بالنجاح ويجب أن تظل بمنأى عن التدخل الخارجي للاستمرار في طريقها صوب الديمقراطية».

وخلال اجتماعات مع عسكريين في آسيا الأسبوع الماضي أشار وزير الدفاع ليون بانيتا إلى أن الولايات المتحدة لديها 40.000 جندي في المنطقة، من بينهم 23.000 في الكويت، على الرغم من أن الجزء الأكبر من هؤلاء يقدمون دعما لوجيستيا للقوات في العراق.

وبينما يقومون بهذه الجهود بدأ البنتاغون والقيادة المركزية، التي تشرف على العلميات داخل المنطقة، بالقيام بإعادة ترتيبات هامة للقوات الأميركية، مع مراعاة القيود السياسية وتلك المرتبطة بالميزانية التي تواجه الولايات المتحدة، بما في ذلك خصومات في النفقات العسكرية تقدر بـ450 مليار دولار على الأقل على مدار العقد المقبل كجزء من الاتفاق لتقليل العجز في الموازنة.

وقال ضبّاط في القيادة المركزية إن حقبة ما بعد العراق تفرض عليهم البحث عن وسائل أكثر فاعلية لتعبئة قوات وتعظيم التعاون مع شركاء في المنطقة. وقال مسؤولون إن من النتائج الهامة للخصومات المقبلة أنها قد تكون تراجعا حادا في عدد المحللين الاستخباراتيين المكلفين بالمنطقة. وفي نفس الوقت يأمل ضباط توسيع علاقات أمنية في المنطقة. وقال الجنرال هورست إن المناورات التدريبية تعد «إشارة على التزام بالوجود، وإشارة على التزام بتوفير الموارد، وإشارة على التزام ببناء مقتدرات وقدرات مشتركة».

وأشار الكولونيل جون وورمان، مسؤول المناورات في القيادة المركزية، إلى أن هذا يعد نقطة تحول هامة في منطقة الخليج، حيث قال إنه للمرة الأولى دُعي العراق إلى المشاركة في مناورة إقليمية في الأردن العام المقبل تتعلق بالتهديدات الإرهابية وحرب العصابات.

ويتضمن جزء آخر من تخطيط الإدارة مرحلة ما بعد العراق مجلس التعاون الخليجي، ويسعى المجلس بصورة متزايدة إلى ممارسة نفوذ دبلوماسي وعسكري داخل المنطقة وما وراءها.

واقترحت الإدارة بناء تحالف أمني متعدد الأطراف أقوى مع دول مجلس التعاون، ووضع بانيتا وكلينتون إطار ذلك في اجتماع مشترك غير عادي مع المجلس على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي.

وقال مسؤول بارز في الإدارة، شريطة عدم ذكر اسمه لمناقشته مفاوضات دبلوماسية ما زالت جارية: «لن يكون هناك كيان أشبه بالناتو غدا، ولكن تعتمد الفكرة على التحرك في إطار جهد تكاملي».

وما زالت إيران، مثلما كانت لأكثر من ثلاثة عقود، التهديد الأكثر إثارة للقلق أمام الكثير من الدول، بالإضافة إلى العراق نفسه، حيث قامت بإعادة بناء علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية، على الرغم من أنها قدمت دعما سريا لمتمردين من الشيعة قاتلوا القوات الأميركية.

وقال وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة خلال مقابلة أجريت معه، مشيرا إلى مسؤولين في منطقة الخليج العربي: «يخشون من أن الانسحاب الأميركي سيترك فراغا، وان قربهم من بعضهم سيجعل أي أحد يفكر مرتين قبل أن يقوم بإجراء».

وكان الشيخ خالد في واشنطن الأسبوع الماضي لحضور اجتماعات مع الإدارة والكونغرس. وأضاف: «لا شك أن ذلك سيخلق فراغا، وقد يدعو قوى إقليمية إلى القيام بالمزيد من التصرفات العلنية داخل العراق».

وأشار إلى أن مقترح الإدارة لتوسيع علاقتها الأمنية مع دول الخليج العربي لن «يحل محل ما يحدث في العراق»، ولكن كان ذلك مطلوبا في أعقاب الانسحاب للبرهنة على وجود دفاع موحد في منطقة خطرة. وقال: «الآن اللعبة مختلفة، وسيتعين علينا أن نكون شركاء في عمليات وقضايا وفي أي صورة يمكننا من خلالها العمل معا».

وفي الداخل، لطالما كان العراق محل خلاف محتدم. ويقول بعض الديمقراطيين والمحليين المتخصصين في السياسات الخارجية - وقليل من الجمهوريين - إن الولايات المتحدة ظلت في العراق لفترة طويلة. وانتقد آخرون، من بينهم الكثير من الجمهوريين والمحللين العسكريين، إعلان أوباما عن القيام بانسحاب نهائي، معربين عن خوفهم من أن العراق ما زال ضعيفا للغاية وغير مستقل.

وكتب آدم موسنر وأنطوني كوردسمان، من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بعد الإعلان عن الانسحاب: «سيكون على الولايات المتحدة التعامل مع عراق غير قادر على الدفاع عن نفسه لمدة لا تقل عن عقد من الزمان».

وقد طلب اثنا عشر عضوا بمجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري عقد جلسات استماع حول إنهاء إدارة أوباما للمفاوضات مع العراقيين - للوقت الحالي على الأقل - حول استمرار التدريب الأميركي وجهود مكافحة الإرهاب في العراق.

وكتب أعضاء مجلس الشيوخ يوم الأربعاء في خطاب إلى رئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ: «كما تعلم، فإن الانسحاب الكامل لقواتنا من العراق يحتمل أن يعتبر انتصارا استراتيجيا لأعدائنا في الشرق الأوسط، ولا سيما النظام الإيراني».

* كتب توم شانكر من قاعدة ماكديل الجوية، وستيفن لي مايرز من واشنطن.