خادم الحرمين الشريفين في كلمته بمؤتمر مكة المكرمة للدعوة: رسالة الإسلام السامية ليست موجهة إلى قوم دون آخرين

افتتحه نيابة عنه الأمير خالد الفيصل

الأمير خالد الفيصل خلال افتتاحه أمس نيابة عن خادم الحرمين الشريفين مؤتمر مكة للدعوة (واس)
TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن تغيير الصورة السيئة عن المسلمين لدى الآخر «يقتضي تغيير ما يشوب أصل المنهج الرباني، من تشوهات تطبيق البشر، لأن العداوة ضد الإسلام تتخذ من ضعف واقع المسلمين فرصة للهجوم»، مشددا على أن على الأمة العمل ما في وسعها لتقدم «القدوة الإسلامية» للآخرين، «لأنها خير دفاع عن الإسلام، وخير وسيلة لإقناع الآخر بالدخول فيه».

جاء ذلك في كلمة الملك عبد الله أمام مؤتمر مكة المكرمة الثاني عشر، الذي انطلق بمكة المكرمة أمس وتنظمه رابطة العالم الإسلامي بعنوان «الدعوة الإسلامية: الحاضر والمستقبل»، التي ألقاها نيابة عنه الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، الذي أنابه أيضا في افتتاح فعاليات المؤتمر.

وأوضحت الكلمة الملكية أن رسالة الإسلام السامية، ليست موجهة إلى قوم دون آخرين، «وإنما هي رسالة عامة لكل البشر، وحتى قيام الساعة»، ودعا إلى وجوب أن ينطلق خطاب الدعوة، لتسويق هذا الدين بين الأمم على وجهه الصحيح، وإبراز محاسن وسطيته، وموافقته للفطرة السليمة، وذب أشكال التشويه والتزييف، التي يروج لها أعداء الداخل والخارج، ونقض عللهم بالحجة والبرهان، مبينا أن السعودية وفاء لواجبها الديني والتاريخي «ما فتئت تبذل جهدها في خدمة الإسلام: حفاظا عليه صحيحا نقيا بين أبنائها، وتعريفا به ودفاعا عنه في الآفاق العالمية، وتنشئ المساجد والمراكز الإسلامية»، وفي ما يلي نص الكلمة:

«الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية، معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي أمين عام رابطة العالم الإسلامي، ضيوفنا الأفاضل.. الحفل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شرف عظيم أن ينيبني خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله، لأشارك هذا الجمع المبارك افتتاح الدورة الثانية عشرة، لمؤتمر مكة المكرمة، الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي، في مثل هذه الأيام المباركة من كل عام.

ويطيب لي في هذه المناسبة أن أرحب بضيوفنا الأكارم، من العلماء والدعاة والمفكرين، في رحاب هذا البلد الأمين، الذي يستقبل الآن ملايين الحجاج من شتى بقاع المعمورة، وتبذل المملكة فائق عنايتها، وتسخر كل طاقاتها وقدراتها، لأمنهم وراحتهم، وتوفير حاجاتهم، وتيسير أدائهم للفريضة الركن، مستشعرة عظم الأمانة، التي شرفها بها الرحمن، في خدمة ضيوفه جل وعلا.

الحفل الكريم، يأتي موضوع هذه الدورة عن «الدعوة الإسلامية: الحاضر والمستقبل»، في وقت تشتد حاجة الأمة إلى حراك فاعل، لمراجعة حاضر الدعوة، ومواجهة التحديات في مسارها، وطرح الرؤى ومشاريع التجديد والإصلاح والتطوير في آلياتها، بما يحقق تفاعل الأمة، وانفتاحها على غيرها من الأمم، انطلاقا من أن رسالة الإسلام السامية، ليست موجهة إلى قوم دون الآخرين، وإنما هي رسالة عامة لكل البشر، وحتى قيام الساعة، وهذا يؤكد ما هو معلوم بالضرورة، من أن الأمة الإسلامية مكلفة، على سبيل الوجوب الجماعي، بتبليغ الدعوة إلى كافة أهل الأرض.

ولا شك أن الإنسان اليوم، في غير مكان على وجه البسيطة، على الرغم من التقدم المادي والتقني المذهل الذي حققه، يعاني التيه والخواء الروحي إلى حد الإفلاس، والتمرد حتى على الفطرة، في غياب علمه بدين الفطرة، بما يجعله في أمس الحاجة، للتعرف إلى الرحمة والنور والهداية، في رسالة الإسلام الشاملة، التي تبين للفرد والجماعة كل ما يصح به دينهم ودنياهم، حتى في أدق تفاصيل الحياة. نعم.. فالإسلام وحده، بما يكتنز من قيم ربانية شاملة، ونظرة إلى الحياة متوازنة، جدير بإنقاذ الإنسان من مأزقه السلوكي الراهن، مع الحفاظ على مكتسباته المادية وتنميتها في الوقت ذاته.

الإخوة الأفاضل: يجب أن ينطلق خطاب الدعوة، لتسويق هذا الدين بين الأمم على وجهه الصحيح، وإبراز محاسن وسطيته، وموافقته للفطرة السليمة، وذب أشكال التشويه والتزييف، التي يروج لها أعداء الداخل والخارج، ونقض عللهم بالحجة والبرهان، كما أن على هذا الخطاب أن يعالج القضايا المستجدة تبعا لمتغيرات العصر، وأن يوظف وسائط الاتصال العصرية لتوسيع دائرة انتشاره.

ويجب الاعتراف بأن تغيير الصورة السيئة عن المسلمين لدى الآخر، يقتضي تغيير ما يشوب أصل المنهج الرباني، من تشوهات تطبيق البشر، لأن العداوة ضد الإسلام تتخذ من ضعف واقع المسلمين فرصة للهجوم، فعلينا أن نعمل ما وسعنا لنقدم (القدوة الإسلامية) للآخرين، لأنها خير دفاع عن الإسلام، وخير وسيلة لإقناع الآخر بالدخول فيه.

أيها الإخوة: المملكة العربية السعودية وفاء لواجبها الديني والتاريخي ما فتئت تبذل جهدها في خدمة الإسلام: حفاظا عليه صحيحا نقيا بين أبنائها، وتعريفا به ودفاعا عنه في الآفاق العالمية، وتنشئ المساجد والمراكز الإسلامية، وشبكة واسعة من المعاهد والمدارس والأكاديميات في مختلف أنحاء العالم، وتقدم المنح الدراسية، والدورات التدريبية لأبناء المسلمين، وتدعم البحوث الإسلامية، والكراسي العلمية، في العديد من الجامعات العالمية، بهدف تشجيع أبحاث الشريعة الإسلامية، والحوار بين الحضارات، ونشر الإسلام والتعريف بمبادئه. كما تعمل المملكة في إطار التعاون الدولي، على التصدي للإرهاب بمختلف أشكاله، مشددة على أن الإسلام لا يمكن أن يشجع على الإرهاب، لأن تعاليمه تمجه وتحذر منه أشد التحذير، وأن الإسلام لا يصنف بين معتدل ومتشدد، أو سياسي وغير سياسي، بل هو نسيج واحد يستقى من مصدرين أساسيين: كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أما من زاغ به الفكر، وزلت به القدم، فلأنه لم يرجع إلى الراسخين في العلم، المرجع الموثوق به في أحكام الفقه الإسلامي.

وفي الختام، أنوه بما تقوم به رابطة العالم الإسلامي، من جهود مميزة في التعريف بالإسلام، وذب الشبهات والأباطيل عنه، وعن أمته وحضارته. وأقدم الشكر لكل القامات الحاضرة، سائلا المولى - جل وعلا - أن يكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق، لما فيه خير الأمة الإسلامية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وكان المؤتمر الإسلامي قد انطلق أمس في القاعة الكبرى بمقر الرابطة بمكة المكرمة، بحضور الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ مفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، وكان في استقبال أمير منطقة مكة المكرمة عند وصوله إلى مقر الحفل الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والأمناء المساعدون للرابطة.

وقد ألقى إمام وخطيب المسجد الأقصى الدكتور يوسف سلامة كلمة المشاركين بالنيابة عنهم، التي رفع فيها تعازي المشاركين لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولحكومة وشعب المملكة والأمة العربية والإسلامية في وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، ودعواتهم له بأن يتغمده الله بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنانه، كما رفع فيها تهنئة المشاركين لخادم الحرمين الشريفين لاختيار الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود وليا للعهد وتعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية، مهنئين إياه بهذه الثقة الملكية، وسائلين الله له العون والتوفيق والسداد.

من جانبه، تحدث الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وأكد أن الدعوة إلى الدين الحق والدلالة على طريق الخير، رسالة جليلة اختط طريقها الأنبياء، وانطلقت مسيرتها منذ ظهر الانحراف عن الصراط السوي، وتطرق إلى التحديات التي تواجهها الجهود الدعوية في تجديد الدين في الأمة وإصلاح أحوالها على منهاج السلف، ومنها العولمة التي فتحت آفاقا واسعة للتواصل بين الناس وتبادل العلوم والمعارف، وأكد أن رابطة العالم الإسلامي تعتبر التعريف بالإسلام والدفاع عنه والعمل على تقيد المسلمين به من أولويات أهدافها، وتمثل في تعيين الدعاة في مختلف القارات، وتأسيس معهد لإعداد الأئمة والدعاة، وبناء المساجد، وتأسيس المراكز الإسلامية، وإنشاء المدارس والمعاهد والهيئات، بالإضافة إلى المطبوعات المتنوعة التي تصدرها أو توزعها.