لبنان: مخاوف من عقوبات دولية على سوريا.. والقطاع المالي والمصرفي الأكثر حساسية وخضوعا للمراقبة

الودائع السورية في لبنان 6 مليارات تناقصت بعد الأزمة

مظاهرة في حي القدم بدمشق تهزأ بأهالي حلب وتلكئهم بالانضمام للثورة
TT

يرصد الاقتصاديون اللبنانيون باهتمام بالغ تطورات المواقف الإقليمية والدولية بشأن الأزمة السورية، خصوصا لجهة حجم العقوبات المفروضة ومصادرها، حيث تتصاعد المخاوف من وصول الملف إلى مجلس الأمن الدولي، مما يكسب هذه العقوبات صفة إلزامية لا يمكن التهرب من تطبيقها، لا سيما لجهة العمليات المالية والمصرفية التي يسهل إخضاعها لرقابة صارمة من قبل المؤسسات المالية الدولية، أو من قبل وزارات المال والخزانة في أميركا ودول الاتحاد الأوروبي.

وتشير التقديرات إلى أن تأثيرات الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني لا تزال محدودة ومن الممكن استيعابها حتى الآن، حيث تتركز في تدني حركة القطاع السياحي بنسبة 20 في المائة نتيجة التقلص الصريح لأعداد السياح الوافدين برا، وتراجع أعمال المصارف اللبنانية العاملة في السوق السورية بنسبة مساوية تقريبا، إضافة إلى تأثيرات جانبية ومؤقتة على حركة التصدير والاستيراد، باعتبار سوريا المنفذ البري الوحيد للبنان.

لكن ما يثير القلق، وفق خبراء واقتصاديين، هو التصعيد المتواصل في ردود الفعل العربية والدولية، التي تتجه إلى زيادة جرعات وإجراءات التضييق العقابية ضد مفاصل الاقتصاد السوري، مقرونة بتحذيرات مباشرة وغير مباشرة تتلقاها الحكومة اللبنانية والسلطات النقدية والمالية من مراجع دولية فاعلة تؤكد عدم التهاون مع أي جهة عامة أو خاصة تحاول تجاوز هذه العقوبات أو التحايل في تطبيقها.

ويعتبر المسؤولون عموما أن لبنان يلتزم بالمواثيق الدولية وأي قرارات تصدر من مجلس الأمن الدولي، إنما ينبغي الأخذ في الاعتبار أيضا أن سوريا شريك اقتصادي مهم للبنان، وهي أيضا منفذه الوحيد لانسياب صادراته الصناعية والزراعية إليها وإلى الأسواق الخليجية، وعلى المجتمع الدولي مراعاة هذه الجوانب الاستراتيجية، وعدم تحميل لبنان واقتصاده تبعات إجراءات أحادية يتم اتخاذها من قبل دول أو مجموعات بعينها.

ويندرج في دائرة الاهتمام المصرفي الشديد في الأيام القليلة المقبلة ما ستسفر عنه زيارة المسؤول في وزارة الخزانة الأميركية، دانيال غليزر، إلى بيروت، حيث سيلتقي مسؤولين ومصرفيين في مقدمهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير المال محمد الصفدي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف الدكتور جوزيف طربيه.

وبحسب بيان صدر في واشنطن، فإن مساعد وزير الخزانة الذي يحقق في تمويل الإرهاب، سيطلع المسؤولين في بيروت، ولاحقا في عمان، على محاولات محتملة من سوريا لتجنب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من خلال القطاعين الماليين اللبناني والأردني. كما سيستطلع الإجراءات العملية والرقابية التي اتخذتها المصارف اللبنانية، ومدى التزامها في مجال منع حصول أي عمليات تهريب أموال عبر الحدود من سوريا ولبنان.

وتثير هذه المهمة هواجس مصرفية واسعة النطاق في ضوء إخراج البنك اللبناني الكندي، وهو من المصارف اللبنانية الكبيرة، من السوق المصرفية خلال الفصل الأول من العام الحالي، على خلفية اتهامه من قبل وزارة الخزانة ذاتها بعمليات غسل أموال لصالح «منظمات إرهابية»، وفق التوصيف الأميركي.

وفي إشارة تهدف إلى تهدئة هذه الهواجس، أبلغ حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وفد جمعية مصارف لبنان خلال اجتماع دوري أمس، أن زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية إلى لبنان كانت مقررة سابقا، وتأتي ضمن جولة للمسؤول الأميركي في عدة دول عربية وخليجية. ويرفض سلامة المعلومات عن تهريب أموال سورية إلى المصارف اللبنانية، كما يؤكد أنه لا يوجد تجميد لحسابات سورية؛ لأن ذلك من صلاحيات الهيئة الخاصة التابعة لمصرف لبنان، ولم يتخذ أي قرار بذلك. وبشكل عام فإن ذلك بحاجة إلى قرارات ملزمة لمجلس الأمن، ولا توجد عقوبات حتى الآن.

وتؤكد مصادر متابعة وواسعة الاطلاع أن حاكم البنك المركزي ورئيس جمعية المصارف، سيتوليان توضيح الجوانب الرقابية الذاتية وإجراءات التحوط والحذر التي اتخذتها المصارف؛ لمنع مرور أي عمليات مالية مشبوهة عبرها. كما سيؤكدان التزام المصارف الصارم بلوائح قانون مكافحة غسل الأموال، بينما تتولى هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها الحاكم شخصيا، عمليات التدقيق والملاحقة لأي عمليات مشكوك في سلامتها.

ويتسلح المسؤولان المصرفيان بأرقام النمو المتواضعة التي يحققها القطاع المصرفي هذا العام، والتي تقل عن مثيلاتها في الأعوام الماضية، فإجمالي الودائع المصرفية للمقيمين وغير المقيمين زاد بحدود 5.7 مليار دولار من أول العام حتى نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، في حين زاد في الفترة المماثلة من العام الماضي بنحو 7 مليارات دولار، ما ينفي تماما تدفق أموال سورية إلى القطاع المصرفي، ويكذب ما تردد عن انتقال 20 مليار دولار من سوريا إلى لبنان، سيما أن هذه المبالغ لا تتوفر أصلا كعملات أجنبية في الجهاز المصرفي السوري.

ويقدر أمين عام جمعية المصارف، الدكتور مكرم صادر، مجموع ودائع السوريين لدى المصارف اللبنانية العاملة في سوريا بنحو 6 مليارات دولار، لكنها تناقصت نتيجة الأحداث المستمرة وانعكاسها سلبا على أداء الاقتصاد السوري، وعلى كل المصارف العاملة في السوق السورية، اللبنانية وغير اللبنانية، كما أن المصارف اللبنانية العاملة في سوريا، شأنها شأن كل المصارف الأخرى، تأخذ في الاعتبار انعكاس الأحداث المتدهورة أسبوعا إثر أسبوع، على نوعية محافظ إقراضها داخل الاقتصاد السوري، ومن الطبيعي، تطبيقا للمعايير المصرفية الدولية السليمة، أن تكوِّن مؤونات لقروضها، ما يؤثر على ربحيتها في هذه السوق.