سكان «وسط البلد» تحت القصف

بعضهم ارتدوا الكمامات في بيوتهم

TT

عبر خمسة أيام، تحول شارع محمد محمود بوسط القاهرة إلى بؤرة للأحداث في مصر، حيث شهد مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة المصرية. وفيما سيطرت لقطات الكر والفر وقنابل الغاز المسيلة للدموع على المشهد، تلاشى الحديث عن كون عائلات عدة تسكن الشارع الذي امتلأت أرضيته بالفواصل الحديدية والحجارة التي تراشقها الطرفان، رغم أنه شارع سكني بالأساس. وأدت المواجهات المشتعلة في الشارع، الذي يقع في منتصف المسافة بين وزارة الداخلية المصرية وميدان التحرير، إلى مقتل قرابة الثلاثين شابا وإصابة آلاف آخرين، توارى بينهم خبر مقتل طفلة رضيعة لإحدى عائلات الشارع.

ورغم الوضع الأمني الصعب والقاسي، تمكنت «الشرق الأوسط» من اختراق شارع محمد محمود وشارع منصور المجاور لوزارة الداخلية المصرية، حيث تهشمت واجهات المحلات والمتاجر وحرقت بعض واجهات المباني. وتواصلت مع العائلات المقيمة بالشارع، حيث قالت حنين حسين (40 عاما)، موظفة حكومية، بغضب شديد: «نحن محبوسون في بيوتنا منذ بداية الأسبوع، لا يوجد مفر.. فأنا لا أملك شقة أخرى أفر إليها كما فعل بعض الجيران الآخرون».

وأضافت حنين «عشنا وضعا يستحيل التعايش معه، فغازات القنابل نفذت من الشبابيك رغم إحكام غلقها، كنا نضع الكمامات داخل المنزل من شدة الغاز»، مشيرة إلى استخدامها الماء والخل طوال أيام المعركة لتفادي اختناق ابنيها الصغيرين. وقالت حنين بعصبية: «أطفالي كانوا خائفين ومذعورين من أصوات الطلقات والقنابل».

وفيما كانت رائحة الغاز المسيل للدموع تسيطر على الأجواء، أوضحت حنين أن خزين الطعام بمنزلها كاد أن ينفد، بسبب عدم تمكنها من الخروج لشراء المزيد، حيث قالت: «النزول للشارع مغامرة غير محسوبة، كما أن جميع المحلات والمتاجر مغلقة».

المثير أن أهالي الشارع سعدوا للغاية حين أُعلن عن هدنة مساء الأربعاء، لكن الهدنة لم تستمر سوى دقائق معدودة، وهو ما أحبطهم بشدة.. عن ذلك تقول حنين: «حينها، شعرت أنني لن أخرج من بيتي أبدا مرة ثانية». وفي لحظة هدوء خيمت على الوضع في الشارع، الذي ظل مشتعلا لخمسة أيام، وقفت حنين تتفقد وضع الدمار أمام باب العقار الذي تسكن فيه، والمطل على ساحة المواجهات العنيفة، حيث قالت بصوت محبط: «نتمنى أن تعود الأوضاع لطبيعتها مرة أخرى، لنتمكن من ممارسة حياتنا بصورة طبيعية». وقال محمد إبراهيم، ساكن أحد العقارات المحيطة بمقر وزارة الداخلية وصاحب أحد المطاعم بالمنطقة: «قضيت ثلاثة أيام عصيبة مختبئا في مخزن المطعم مع أبنائي وعمالي»، مشيرا إلى خسائره الفادحة التي تكشفت بعد أن انقشع غبار المعركة.

وداخل المطعم الذي تكسرت واجهته الزجاجية وانتشرت الشظايا المدببة في أرضيته، جلس إبراهيم حزينا وهو يحاول إحصاء حجم الدمار بمطعمه، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت مرارا وتكرارا التفاوض مع الشباب والشرطة للخروج لكي أطمئن أسرتي علي، إلا أن المواجهات لم تتوقف أبدا طوال اليوم». وأوضح إبراهيم أنه لحسن الحظ كان لديه بعض البقوليات في المخزن، وهو ما قال إنه ساعده على العيش هو وأبناؤه والعاملون بالمطعم طوال الأيام الثلاثة. وقال إبراهيم، بعد أن أخذ نفسا عميقا: «هناك دخلاء في الشارع أشعلوا الوضع لأنهم مدفوعون لاستمرار المواجهات بين الشباب والشرطة». وختم إبراهيم كلامه «بالشكوى إلى الله»، وعاد ليغلق مطعمه بعد تجدد الاشتباكات مرة أخرى.