لبنان: صاروخ جديد على إسرائيل يسقط خطأ في بلدة جنوبية وجنبلاط: رسالة خطيرة قد تكون من «الجيران»

سوريا وحزب الله ينفيان ضلوعهما في تفجير استهدف القوات الفرنسية في الـ«يونيفيل»

جندي لبناني يتفقد مكان سقوط الصاروخ في بلدة حولا بجنوب لبنان أمس (رويترز)
TT

شهدت المنطقة الحدودية اللبنانية أمس اهتزازا أمنيا جديدا، بعد إطلاق مجهولين صاروخا نحو المستعمرات الإسرائيلية للمرة الثانية في أقل من أسبوعين. وقد أتى هذا الحادث الجديد مضافا إلى تفجير عبوة ناسفة بدورية للقوة الفرنسية العاملة في إطار قوة الـ«يونيفيل» الدولية في جنوب لبنان، ليفتح ملف «الرسائل الأمنية» التي ربطتها فرنسا والمعارضة اللبنانية - بالإضافة إلى النائب وليد جنبلاط – بتطورات الوضع السوري.

وسارعت وحدات الجيش اللبناني إلى فرض طوق أمني في المكان، كما نفذ الجيش بعد تبين مكان انطلاق الصاروخ، حملة تمشيط في منطقة وادي القيسية بحثا عن مطلقيه، بينما عملت وحدة الأدلة الجنائية على جمع كل ما عثر عليه من بقايا ذات صلة بعملية إطلاق الصاروخ لإخضاعها للمعاينة والتحليل ربطا بالتحقيقات الجارية بالحادثة.

وبينما نفت وزارة الخارجية السورية وجود أي علاقة لسوريا بتفجير العبوة الناسفة التي تعرضت لها قوات الـ«يونيفيل»، وكذلك حزب الله، أطلق صاروخ منتصف ليل أول من أمس، من «وادي القيسية» في خراج بلدة مجدل سلم، باتجاه المستوطنات الإسرائيلية لكنه سقط خطأ في بلدة حولا اللبنانية، وأصاب منزل المواطن عبد الله محمود، مما أدى إلى إصابة زوجته نصيرة عباس بجروح بليغة استدعت نقلها إلى المستشفى للمعالجة، وقد أدى هذا الحادث إلى حالة من البلبلة والهلع لدى أهالي المنطقة، في حين ساد استنفار عسكري إسرائيلي على طول الخط الحدودي من مستوطنة المطلة إلى مستوطنة مسكاف عام المقابلة لبلدة حولا الجنوبية حيث سقط الصاروخ.

ويأتي هذا الحادث بعد ثلاثة أيام على استهداف دورية من الكتيبة الفرنسية العاملة من ضمن قوات الـ«يونيفيل» في الجنوب، وبعد ساعات قليلة على تصريح وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه، الذي اتهم فيه النظام السوري بـ«الوقوف وراء العبوة الناسفة التي استهدفت الوحدة الفرنسية في جنوب لبنان»، وقوله «إن هذا التفجير رسالة من دمشق التي تستخدم حزب الله في هذا النوع من الهجمات، بوصف الحزب الذراع المسلحة لسوريا في لبنان». وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السورية، جهاد مقدسي، تعقيبا على تصريح وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه، أول من أمس الأحد، بخصوص اتهام سوريا بالوقوف وراء التفجير - إن «وزارة الخارجية تنفي نفيا قاطعا وجودي أي علاقة لسوريا بهذا العمل المدان، ورأي مقدسي «أن مثل هذه التصريحات الصادرة عن وزير خارجية فرنسا وآخرين تفتقد إلى أي أدلة وتندرج في إطار الاتهامات الفرنسية المسبقة التي تفبرك وتزيف الحقائق حول سوريا، ويبدو أن وزير خارجية فرنسا بات يمارس نظرية المؤامرة التي يتهم بها الآخرين». وقد استغرب حزب الله تصريحات جوبيه حول استهداف الـ«يونيفيل»، ودعاه لتصحيح موقفه. وقال الحزب، في بيان أصدره أمس، إن «هذا التصرف المستهجن، لا يليق بوزير خارجية دولة مهمة مثل فرنسا»، ودعاه إلى «تصحيح موقفه والانتباه إلى خطورة هذا النوع من الاتهامات التي تشكّل ظلما كبيرا».

وغداة هذا الحادث، انتقل قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، ظهر أمس، إلى الجنوب، حيث تفقّد المنطقة، كما زار المقر العام للقوة الدولية المعززة في الجنوب في الناقورة، وعقد اجتماعا مع قائد الـ«يونيفيل» الجنرال ألبيرتو أسارتا، جرى خلاله عرض للتطورات في ضوء الأحداث الأخيرة في الجنوب. وأكد قهوجي أن «الانفجار الإرهابي الذي تعرضت له القوات الدولية في منطقة صور وحادثي إطلاق الصواريخ، هي بمنزلة اعتداء على الجيش والدولة اللبنانية، واستهداف واضح للاستقرار في الجنوب»، لافتا إلى أن «هذه الأعمال الإرهابية، لن تثني الجيش عن قراره الحازم في تطبيق القرار 1701، وتوفير الأمن للمواطنين بالتعاون والتنسيق الكاملين مع القوات الدولية»، مشددا على «بذل أقصى الجهود لكشف هوية منفذي الاعتداءات ومن يقف خلفهم».

بدوره، ندد أسارتا بشدة بـ«الهجوم الصاروخي»، معربا عن «قلقه الشديد إزاء التصعيد الأخير في الحوادث التي تنطوي على خروق أمنية خطيرة في جنوب لبنان». وأكد أن «الـ(يونيفيل) تجري تحقيقا في الوقت الراهن على الأرض لتحديد الوقائع وملابسات الحادث وكذلك موقع إطلاق الصاروخ».

وقال «إن هذا الحادث هو الثالث الذي ينطوي على خرق أمني خطير في جنوب نهر الليطاني في غضون أسبوعين، وهذه الحالات تبين أنه على الرغم من كل جهودنا لا تزال هناك أسلحة وعناصر مسلحون عدائيون مستعدون لاستخدام هذه الأسلحة داخل منطقة عملياتنا». ورأى أن «أحد أهم بنود قرار مجلس الأمن الدولي 1701 هو ضمان عدم وجود أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة، باستثناء ما يخص حكومة لبنان والـ(يونيفيل) في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني».

إلى ذلك، اعتبر الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر، أن «ما يشهده الجنوب الآن، سواء بالنسبة لإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، أو بالنسبة إلى استهداف الكتيبة الفرنسية، يعطي مؤشرا أوليا على أن لبنان بات ساحة لأحداث أمنية بهدف توجيه رسائل سياسية إلى الداخل والخارج». وجزم عبد القادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «رسائل الصواريخ والتفجيرات ضد الـ(يونيفيل) مرتبطة مباشرة بما يجري في سوريا، وهي ترجمة لما هدد به الرئيس السوري بشار الأسد والوزير (الخارجية السوري) وليد المعلم، بأن استهداف سوريا سيؤدي إلى زلزال كبير في المنطقة وأحداث خطيرة»، مشيرا إلى أن «إطلاق الصواريخ والهجوم على دوريات الـ(يونيفيل) يشكلان عامل ضغط على الأمم المتحدة التي تتخذ نفس المواقف الأوروبية والأميركية حيال ما يجري في سوريا، وقال «إن ما يسهل هذه العمليات وجود البؤر الأمنية الخارجة عن سيطرة القوى الأمنية الشرعية في لبنان، وهي تطرح علامات استفهام عن الجهات المنفذة لهذه الاعتداءات، التي ليست عبارة عن هواة، إنما يقوم بها مجموعات متمرسة بالعمل الإرهابي أو العمل السري المخابراتي، وذلك من خلال انتقاء المكان والسرعة في الهجوم واختفاء المنفذين». لافتا إلى أن «الوضع الأمني في لبنان بات مكشوفا ومفتوحا على كل الاحتمالات، وقد يكون لبناء ساحة لكل الأعمال الإرهابية، ومنها عودة مخطط الاغتيالات».

وسجل في هذا الإطار موقف لافت لرئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط، الذي اعتبر أن «رسالة الصواريخ التي أطلقت من الجنوب خطيرة، وقد تكون من الجيران (السوريين) إلى فرنسا على الأراضي اللبنانية، على حساب الاستقرار وكل لبنان».

ورأى أن «هناك من يريد محليا وإقليميا ودوليا أن يخرج القوات الدولية من لبنان لنعود إلى المواجهة وربما إلى حرب جديدة». وقال «سبق أن أتت رسائل مماثلة سابقا، وعندما تسأل أجهزة المخابرات يقولون لك (القاعدة)، (القاعدة) عنوان مطاط، الكل يستطيع أن يستخدم كلمة (القاعدة)، ولكن لن نستطيع أن نعرف ماذا وراء (القاعدة)، طبعا سيقولون إنها (القاعدة) ولكنها ليست (القاعدة)»، وداعيا قيادة حزب الله إلى «إدراك خطورة الوضع وأن تؤكد أن المصلحة اللبنانية فوق كل شيء».