السياحة المصرية.. معركة الإسلاميين والليبراليين في جولة الانتخابات الجديدة

أهميتها أجبرت أحزابا دينية بمدن الآثار والشواطئ على تغيير خطابها للناخبين

سياح أجانب في معبد كوم أمبو بجنوب مصر («الشرق الأوسط»)
TT

يتجول سائق التاكسي حسين الأمير في شوارع مدينة أسوان، جنوب مصر، ويقول لكل راكب إنه من الخطر التصويت للمتشددين الإسلاميين. ومن السهل أن تلتقي مثل هؤلاء السائقين الذين يعانون من ندرة الركاب من الزوار الأجانب، في المدن السياحية، بعد تصريحات منفرة من السياحة بثها مرشحون للبرلمان من أحزاب شكلتها تيارات لإسلاميين كان يصفهم النظام السابق بأنهم إرهابيون.

وحققت أحزاب الحركات الإسلامية تقدما في الجولة الأولى لانتخابات البرلمان، لكنها بدأت تشعر بالقلق من تحقيق فوز مماثل في الجولتين الثانية والثالثة، بسبب تضارب تصريحاتهم فيما يتعلق بالسياحة، النشاط الذي يعمل فيه ملايين المصريين.

ومنذ مطلع هذا الأسبوع تدور معركة بين الإسلاميين والليبراليين حول قضية السياحة والسياح في مدن الآثار والشواطئ المصرية حيث تحولت الكثير من هذه المدن التي تعتمد في اقتصاداتها على السياحة إلى حلبة مصارعة في المرحلتين الانتخابيتين الثانية (التي تبدأ اليوم الأربعاء)، والثالثة مطلع الشهر المقبل، خاصة بعد أن حقق الإسلاميون، الذين أثارت تصريحاتهم المقلقة لبعض المصريين، تقدما في المرحلة الأولى قبل أسبوعين.

وتعد السياحة أكبر مصدر للعملة الأجنبية لخزينة الدولة وتسهم بنحو 13.5 في المائة من الدخل القومي لمصر. واعتاد سكان البلاد المتسامحون بطبيعتهم وجود سياح بينهم من مختلف الجنسيات والثقافات والملل. وتوجد أسواق كاملة تعتمد على بيع مجسمات لتماثيل ومعابد وغيرها من الآثار المصرية الشهيرة، ومعها سياحة الشواطئ والسباحة والغوص والسياحة الصحراوية ورحلات السفاري. ويقول أحمد مسعد، وهو صاحب متجر للآثار المقلدة بمنطقة المريوطية قرب أهرامات الجيزة، إنه مصدوم مما قرأه عن متشددين إسلاميين يصفون ما يبيعه بأنه «تماثيل محرم بيعها ويجب تحطيمها». ومنذ بداية العام وحتى الآن يعاني مسعد من ندرة الزبائن الأوروبيين.

وقال مسؤول في وزارة السياحة لـ«الشرق الأوسط» إن عدد السياح انخفض هذا العام، عن العام الماضي، بنحو 4.7 مليون سائح لعدة أسباب، منها الاحتجاجات ضد حكم مبارك في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بالإضافة إلى مخاوف السياح من صعود التيار الديني المتشدد.

ووسط زخم الاستعداد لانتخابات المرحلتين الثانية والثالثة ودخول مرحلة الحسم لتشكيل الأغلبية البرلمانية، أصبح مصير مستقبل السياحة على رأس أولويات المصريين واختياراتهم التصويتية. ويبدو أن الإسلاميين - خاصة حزبي الحرية والعدالة (الإخواني) والنور (السلفي) - أدركوا هذا سريعا، وبدأوا في تغيير الأسلوب المتشنج مع قضية السياحة، حرصا على أصوات العاملين في هذا القطاع ممن نظموا وقفات احتجاجية قبل أيام يطالبون فيها بحماية القطاع السياحي من تصريحات المتشددين الإسلاميين.

وتجري المرحلة الثالثة في محافظات تعتمد في اقتصاداتها بشكل أساسي على السياحة الشاطئية على البحر الأحمر والبحر المتوسط، على رأسها محافظتا سيناء (شمال وجنوب) التي تقع بها شواطئ شرم الشيخ الشهيرة، ومحافظة مطروح التي يوجد بها سلسلة القرى السياحية المعروفة باسم «قرى الساحل الشمالي»، إضافة إلى محافظة الوادي الجديد التي تقع بها الكثير من المنتجعات السياحية الصحراوية وتعتمد على نشاط رحلات السفاري التي يقبل عليها الأجانب من مختلف بلدان العالم، خاصة الأوروبية.

ويقول الناشط السياسي اليساري هاني سليم إن العاملين في قطاع السياحة، من أصحاب فنادق ومطاعم ومقاه وعمال مطابخ ومرشدين سياحيين وسائقي سيارات أجرة، تحولوا إلى ورقة رابحة لمن يجيد التعامل مع هذه الكتلة البشرية الضخمة، مشيرا إلى أنه لوحظ تراجع تكتيكي من جانب مرشحي التيارات الإسلامية بشأن تصريحات ووقائع أثارت مخاوف العاملين في السياحة، منها وصف الآثار الفرعونية بالأصنام وتغطية بعض المتشددين للتماثيل باعتبارها «فتنة» والتعامل مع سياح الشواطئ من المصريين والأجانب باعتبارهم يرتدون ملابس البحر المثيرة للغرائز.

ومع شعور التيارات الإسلامية بغضب قطاعات كبيرة من الشارع المصري من تصريحاتهم حول السياحة، نظم مرشحون عن هذه التيارات في المدن السياحية التي ستجري فيها انتخابات المرحلة الأولى والثانية، حملات دعائية مضادة. وقام حزب النور السلفي بتنظيم مسيرات ومؤتمرات انتخابية وجلسات ودية مع الأهالي والعاملين بالقطاع السياحي لبث الطمأنينة في نفوسهم.

كما نظمت قيادات حزب النور مسيرة سلمية في عدد من ميادين وشوارع مدينة أسوان، وهي من المدن السياحية المصرية، وعقدوا مؤتمرا تحت عنوان «رؤية حزب النور للتنمية السياحية في مصر»، تحدثوا فيه عن أن الحزب يعتبر السياحة من أهم مصادر الدخل القومي، وأنه سيسعى لزيادة السياح القادمين لمصر من خلال «اتباع فكر جديد واستحداث أنماط جديدة للسياحة».

وعلى نفس الطريق، نظم حزب الحرية والعدالة مؤتمرات ومسيرات مماثلة في أسوان، قال فيها إنه حريص على النهوض والارتقاء بمجال السياحة خلال الفترة المقبلة وعدم الإضرار بمصالح العاملين بمجال السياحة.

على الجانب الآخر، دخلت التيارات الليبرالية واليسارية على الخط لاستغلال الوضع، وتركزت حملات دعاية الكثير من مرشحيها في المدن السياحية على التحذير بشكل مباشر وغير مباشر من تشدد التيارات الإسلامية تجاه قطاع السياحة، ويرى الكثير منهم أن قضية السياحة من أكثر العوامل التي قد تكسر احتكار وسيطرة التيار الإسلامي على مقاعد البرلمان.

وستجري انتخابات المرحلة الثانية في تسع محافظات، منها الجيزة التي توجد بها الكثير من المواقع الأثرية على رأسها الأهرامات وتمثال أبو الهول التي تعد من أشهر المعالم المصرية في العالم، كما يوجد في الجيزة القرية الفرعونية التي تعد من مقاصد السياح المصريين والعرب والأجانب.

وتزخر مدن أخرى بالصعيد بالكثير من المعابد والتماثيل الفرعونية في أسوان وسوهاج وبني سويف، إلى جانب الإسماعيلية والسويس الواقعتين على البحر الأحمر وقناة السويس، ويوجد فيهما الكثير من القرى السياحية والمزارات.

وفي مدينة الإسماعيلية اشتدت حدة الدعاية المضادة لترشيح أحزاب التيارات الإسلامية. كما ظهرت عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بالإنترنت ضد الإسلاميين خاصة ممن يصدرون فتاوى ضد السياحة، حيث أثارت تصريحات عدد من قيادات التيار الإسلامي عن تحريم الوجود على الشواطئ بملابس البحر جدلا، مع تقليل هذه القيادات من شأن السياحة الشاطئية على الرغم من قول وزير السياحة المصري منير فخري عبد النور إن 83 في المائة من السياحة التي ترد إلى مصر «سياحة شواطئ».