باريس: مجزرة غير مسبوقة في سوريا وتوقيع المبادرة العربية «مناورة»

حثت روسيا على تسريع التفاوض بشأن مشروع قرارها في مجلس الأمن

تشييع في الزبداني يتحول لمظاهرة مناهضة للنظام (رويترز)
TT

يبدو أن تطور الأحداث في سوريا في الساعات الـ48 الأخيرة جاء ليبرر الحذر الفرنسي بعد توقيع دمشق الاثنين الماضي على بروتوكول إرسال مراقبين عرب إلى سوريا والمفترض أن يصلوا اليوم. وتميل المصادر الفرنسية إلى اعتبار أن المخاوف التي عبرت عنها حين رجحت أن يكون التوقيع «مناورة» سورية جديدة وطريقة لـ«كسب الوقت» ومحاولة تحقيق مكاسب ميدانية، «كانت في محلها» الأمر الذي يؤكده اتساع نطاق العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات السورية في أكثر من محافظة وخصوصا في منطقتي حمص وإدلب.

ووصفت الخارجية الفرنسية ما حصل الثلاثاء حيث قتل نحو 120 شخصا بأنه «مجزرة لا سابق لها» داعية الأسرة الدولية إلى «القيام بكل ما هو ممكن لوقف دوامة القتل التي يدفع (الرئيس) بشار الأسد شعبه إليها يوميا».

وتقول مصادر دبلوماسية في باريس إن «همجية القمع» كما تبدو في الساعات الأخيرة «لا تدل على أن النظام السوري راغب في وضع عناصر المبادرة العربية موضع التنفيذ لا بل إن ممارساته تدل على العكس تماما».

وتربط باريس بين قبول دمشق المتأخر التوقيع على بروتوكول إرسال المراقبين و«خوفها من إحالة ملفها إلى مجلس الأمن»، وفق ما كانت هددت به لجنة المتابعة العربية عقب اجتماعها الأخير في الدوحة وخصوصا «بدايات التحول» في الموقف الروسي. ونبهت فرنسا إلى أن تعمد دمشق إلى «تجزيء المبادرة العربية» والعمل على «إفراغها من المحتوى». والرد على ذلك، بحسب المصادر الفرنسية، يمكن أن يكون بمطالبة عربية رسمية بجدول زمني «صارم» حول الخطوات التي يتوجب على دمشق القيام بها لتنفيذ كامل المبادرة العربية وليس فقط قبول وصول مراقبين «ليست فعاليتهم الميدانية مؤكدة بعد كل العوائق التي وضعتها السلطات السورية.

وتعول باريس كثيرا على موقف الجامعة العربية الذي ترى فيه العامل الرئيسي القادر على التأثير على الملف السوري. وجدير بالذكر أن قرار الجامعة العربية الذي طلبت فيه من مجلس الأمن توفير «الحماية للمدنيين في ليبيا» من كتائب القذافي كان العنصر الحاسم الذي دفع مجلس الأمن إلى التصويت على القرارين 1970 و1973 اللذين امتنعت موسكو وبكين عن استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع صدورهما.

وتعتبر باريس التي تدفع منذ شهور مجلس الأمن للتحرك وعدم الوقوف موقف المتفرج إزاء ما يجري في سوريا أن صدور توصية عربية إلى مجلس الأمن «سيحرج موسكو إلى درجة لن تعود قادرة على استخدام الفيتو» ضد قرار لن ينص بالضرورة على السماح بالعمل العسكري ضد سوريا. وفي هذا السياق، تذكر باريس أن اللجوء إلى القوة غير مطروح «بتاتا» في الحالة السورية وما هو مطلوب هو وقف العنف وإيجاد الوسائل لحمل السلطات السورية على الالتزام بذلك.

وفي هذا السياق، أعلن الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، في المؤتمر الصحافي الإلكتروني أمس أن فرنسا «تدعو الأسرة الدولية إلى تعبئة أكبر» وأنه «من الملح أن يصدر مجلس الأمن قرارا صارما يفرض فيه وضع حد للقمع وأن تقبل دمشق انتشارا فوريا لمراقبي الجامعة العربية واتخاذ التدابير (الضرورية) للتحقق من التطبيق الكامل للخطة العربية بأبعادها الأربعة» وهي: وقف القمع وإطلاق جميع السجناء السياسيين وعودة الجيش إلى ثكناته وتسهيل وصول الوسائل الإعلامية الدولية إلى سوريا. ونبهت باريس إلى أنه يتعين على سوريا أن «تستجيب من غير مماطلة» لكل ما تفرضه الخطة العربية.

بموازاة ذلك، ناشدت باريس روسيا «تسريع المفاوضات في مجلس الأمن» حول المشروع الذي تقدم به مندوبها الروسي إلى مجلس الأمن الأسبوع الماضي. وبعد أيام من المناقشات في المجلس، ترى باريس أن المشروع المذكور «لم يحقق أي تقدم يذكر» داعيا الروس إلى التزام مواقف «تتيح تحقيق تقدم».

غير أن لباريس، في الأساس، تحفظات كبيرة على مضمون المشروع الروسي التي سبق وفندها المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة جيرار آرو الذي انتقد بشدة مساواة المشروع بين عنف السلطة وحاجة المدنيين للدفاع عن أنفسهم. وسبق لآرو أن أعلن أن المفاوضات مع الجانب الروسي «ربما تأخذ عدة ساعات أو عدة أشهر» إذ ليس من المؤكد أن الروس غيروا موقفهم في العمق بل ربما عمدوا إلى «تطوير تكتيكهم السياسي» كما يقول دبلوماسي عربي في باريس. وبأي حال، لا تزال المواقف الغربية والروسية متباعدة في ما يخص مستقبل النظام السوري. ففيما تعتبر فرنسا أن الحل السياسي الذي يتعين البحث عنه يفترض رحيل الأسد تلتزم موسكو موقفا متراجعا؛ إذ تشدد على تسهيل التفاوض بين السلطة والمعارضة. ومن هذه الزاوية، يبدو الموقف الروسي أقرب إلى موقف الجامعة العربية بينما تتبنى باريس موقف المجلس الوطني السوري وتتوقع المصادر الفرنسية أن تضع سوريا المزيد من العوائق والعراقيل بوجه البدء بتنفيذ المبادرة العربية إن لجهة إرسال المراقبين وتعيين الأماكن التي سيتمكنون من التوجه إليها أو الشكل المرتقب لتوفير الحماية للمدنيين. أما تنفيذ بنود الاتفاق الأخرى ومنها البدء بالحوار السياسي فإن المتوقع أن يتطلب الكثير من المناقشات إن بخصوص الجهات المعارضة التي ستحاور النظام أو النقاط المطروحة على النقاش وكيفية اتخاذ القرار. وكل نقطة منها ستحتاج لمساومات ونقاشات قد تدوم أسابيع طويلة.