غموض وتضارب يشوبان اليوم الأول لوصول فريق المراقبين العرب إلى سوريا

تكهنات بأن تكون وجهتهم الأولى حمص.. والمعارضة تتهمهم بـ«التباطؤ»

صورة بثت أمس لتشييع أحد قتلى الثورة السورية في حلب
TT

شاب غموض وارتباك واضحان انطلاق عملية تقصي الحقائق من قبل المراقبين العرب، الذين وصل العدد الأكبر منهم إلى دمشق أمس لمتابعة الأوضاع على الأرض بموجب المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا ووقف عجلة العنف ضد المحتجين المناهضين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وتضاربت التقارير حول موعد انطلاق مهامهم مساء أمس أم أنه سينطلق اليوم. وبينما أكد مراقبون أن وجهتهم الأولى ستكون مدينة حمص باعتبارها مركز الاضطرابات، رفض آخرون تأكيد تلك المعلومات، مؤكدين أن وجهتهم ستحاط بالسرية كي لا يعطوا فرصة لنظام الرئيس السوري بأخذ الاحتياطات قبل وصولهم. وبينما أكد مراقبون أن لهم حرية التحرك في سوريا، وأن النظام السوري سيوفر لهم حافلات لنقلهم، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إن الأمانة العامة للجامعة استأجرت سيارات لنقل الفريق بعد تأخر وصول السيارات المخصصة لنقله داخل سوريا.

وكان العربي قد التقى وفد البعثة المؤلف من 50 مراقبا قبل توجههم إلى دمشق، وأعلن أن الوفد سيلحق برئيس البعثة الفريق محمد الدابي، الذي وصل أول من أمس إلى العاصمة السورية دمشق. وقد تم البدء في الإعداد لمهام البعثة في سوريا وأماكن تحركهم والخرائط الخاصة بها وتقسيمهم إلى فرق عمل للذهاب إلى مناطق الاحتجاجات، لافتا إلى أن الأمانة العامة استأجرت سيارات لنقل الفريق بعد تأخر وصول السيارات المخصصة لنقله إلى المناطق المختلفة في سوريا.

ومما زاد الغموض ما قاله شخص اتصل عبر الهاتف بإحدى القنوات الفضائية من سوريا، أمس، بأن اسمه مستشار محجوب، وإنه عضو في بعثة المراقبين، ووصف ما يجري بـ«الإبادة الجماعية». وأضاف محجوب: «إن ما يحدث في سوريا يمثل إبادة جماعية». وقال: «إن النظام السوري ينتقم من شعبه». وكان ناشط سوري بارز قد صرح لوكالة الأنباء الألمانية، أمس، بأن محجوب أصيب في هجوم في حي بابا عمرو في حمص الذي يتمركز فيه منشقون عن الجيش ويحاصره آلاف الجنود الموالين للنظام. إلا أن مصادر الجامعة لم تؤكد ذلك، بينما رفض محجوب نفسه الكشف عن كيفية ومكان إصابته. ولم يتضح ما إذا كان في مدينة حمص المضطربة أم في دمشق.

كما لم يتضح متى وصل محجوب إلى سوريا. ونفت الجامعة العربية لاحقا إصابة أي مراقب عربي، كما نفى المتحدث باسم الخارجية السورية تلك التقارير. وما زاد الطين بلة عندما نقلت تقارير عن الدابي نفيه وجود اي مراقب يحمل أسم مستشار محجوب.

من جهته، قال عضو البعثة الخبير الإعلامي المغربي طالع السعود الأطلسي إنه تم خلال الاجتماع مناقشة التفاصيل الفنية الخاصة بعمل البعثة ومدى التنسيق بين الجامعة العربية والسلطات السورية.

وأضاف الأطلسي أن البعثة ستقوم بمراقبة مدى تنفيذ سوريا للبروتوكول الذي وقعته مع الجامعة والوقوف على الوضع الميداني في البلاد، مضيفا أن «هذه أول مرة تمارس خلالها الجامعة العربية هذه المهمة، مما يعطي أبعادا جديدة لعملها».

وأكد مراقبون عرب ضمن بعثة المراقبين العربية أن مهمة البعثة ستبدأ اليوم، بزيارة مدينة حمص، أكثر المناطق اضطرابا، في إطار سعي البعثة لمتابعة ما إذا كانت دمشق تعمل على إنهاء القمع الدموي المستمر منذ عشرة أشهر، تنفيذا لخطة السلام العربية. إلا أن تقارير أخرى تحدثت عن أن مهمة الوفد بدأت بالفعل منذ يوم أمس.

ومن جهته، قال المراقب محمد سالم الكعبي، من الإمارات العربية المتحدة، إن عنصر المفاجأة سيكون موجودا. وأضاف أن المراقبين سيبلغون الجانب السوري بالمناطق التي سيزورونها في نفس اليوم لكي لا يكون هناك مجال لتوجيههم أو لتغيير أي من الجانبين للحقائق على الأرض.

كما قال عضو البعثة من المنظمة العربية لحقوق الإنسان أنور مالك، إن الوفد ستكون لديه الحرية المطلقة في تحركاته في المدن السورية، وسيتم التنسيق في هذا الصدد مع رئيس البعثة الفريق أول محمد الدابي، مشيرا إلى أن البعثة ستقوم برصد الأوضاع في المدن السورية ومنها حمص وحلب ودرعا وإدلب وحماه، وكل مدينة سيكون بها مكتب لأفراد البعثة.

ومن جهة أخرى، قال الفريق الدابي أمس إن السوريين سيتولون توفير وسائل الانتقال لبعثة المراقبين، وهي الخطوة التي أثارت حفيظة المعارضة وسط اتهامات بوجود رقابة على عمل البعثة.

وأعلن رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون أنه أجرى اتصالا بوفد البعثة العربية في دمشق وطلب منهم الذهاب إلى حمص، لكنهم أكدوا له أن النظام لم يوفر لهم الوسائل اللازمة للانتقال إلى حمص، وهم محاصرون في الفندق.

وفي السياق عينه، أكد وائل ميرزا، أمين سر الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري المعارض، المعلومات التي تفيد بتعرض أعضاء بعثة المراقبين في سوريا للحصار في الفندق ومنعهم من التنقل بحرية. وقال لـ«الشرق الأوسط» «المعلومات التي حصل عليها المجلس من الجامعة تفيد بتوجه المراقبين الثلاثاء (اليوم) إلى حمص وتحديدا باب عمرو، حيث تنفذ قوات الأمن مجازر منذ أربعة أيام، على أمل أن ينفذ هذا الوعد من دون تأخير إضافي». واستنكر ميرزا التباطؤ الحاصل في عمل بعثة المراقبين، لا سيما مع مرور أيام عدة على وجودها في سوريا من دون أن يعلن عن قيامها بزيارة حمص وغيرها من المناطق الساخنة، واقتصار عملها لغاية اليوم على زيارة موقع التفجيرين اللذين وقعا في دمشق الجمعة الماضية.

وبينما صبت المعارضة جام غضبها على البعثة متهمة إياها بالتقصير وبالبطء في تنفيذ أعمالها، أكد نائب غرفة العمليات التي تتابع عمل بعثة الجامعة في سوريا من مقر الجامعة السفير علي جروش في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن التقارير التي وصلت إليهم من سوريا في غرفة العمليات تتسم بالإيجابية، وقد وافقت الجهات السورية المعنية على كافة الطلبات التي تقدم بها الوفد، وقد تأكد ذلك خلال اجتماع الفريق الدابي مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم ظهر أمس.

كما أوضح جروش أن وفد المراقبة الدفعة الأولى يشمل ممثلين من 12 دولة عربية من بينهم السعودية، وجميعهم متخصصون بالقانون وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، إضافة إلى خبراء عسكريين وآخرين يعملون في مجال الطب الشرعي.

ومن المقرر أن يبدأ هؤلاء المراقبون، وعددهم خمسون مراقبا، الانتشار والقيام بزيارات ميدانية في أنحاء مختلفة من محافظات حمص وإدلب وحماه ودمشق ودرعا، على أن تتولى الدفعة الثانية من المراقبين الانتشار في مناطق القامشلى ودير الزور والساحل السوري، التي من المقرر أن تتوجه إلى سوريا في الأيام القليلة المقبلة.

إلى ذلك، طلبت فرنسا من السلطات السورية أمس السماح لمراقبي الجامعة العربية بالتوجه إلى مدينة حمص حيث تشن قوات الأمن هجوما كبيرا على حي باب عمرو. وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو «بينما يشتد القمع في سوريا في الأسابيع الأخيرة على السلطات السورية وبموجب خطة الجامعة العربية، أن تسمح بوصول المراقبين اعتبارا من بعد ظهر اليوم (أمس) إلى مدينة حمص التي تشهد أعمال عنف دموية».