«التدخل الأجنبي» و«الجيش الحر» و«هيئة التنسيق» أبرز نقاط خلاف المعارضة السورية

مناع لـ«الشرق الأوسط»: محكوم علينا وعليهم بالنجاح عاجلا أم آجلا.. ولا يحق لنا الفشل

TT

مع رفض المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري ورقة التفاهم التي أعلن عن توقيعها السبت الماضي بين رئيس «المجلس الوطني» برهان غليون ورئيس «هيئة التنسيق الوطنية السورية لقوى التغيير الديمقراطي» هيثم مناع، عادت المفاوضات بين الطرفين إلى نقطة الصفر، على الرغم من جهود كبيرة بذلت طيلة شهرين من أجل الخروج بوثيقة مشتركة حددت الجامعة العربية نهاية العام الماضي سقفا زمنيا لها تمهيدا لانعقاد «المؤتمر السوري العام الأول» برعاية الجامعة العربية.

وبدا واضحا أمس أن الاتصالات والاجتماعات الثنائية التي عقدت في الفترة الأخيرة بين «المجلس الوطني» و«هيئة التنسيق» لم تثمر في تذليل النقاط الخلافية الجوهرية القائمة بين الطرفين، على الرغم من الاتفاق العام على مجموعة من الثوابت أولها وليس آخرها إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى الرغم من رفض المكتب التنفيذي في المجلس الوطني لورقة التفاهم، فإن ذلك «لا يعني وصول المفاوضات إلى حائط مسدود».

وقال رئيس هيئة التنسيق الدكتور هيثم مناع لـ«الشرق الأوسط» أمس: «موقف المكتب التنفيذي حق طبيعي له، وإن كنا نتمنى أن يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر من شاركوا من المجلس الوطني وعددهم 17 عضوا وليس غليون فحسب»، مشددا على أنه «محكوم علينا وعليهم بالنجاح، عاجلا أم آجلا، ولا حق لدينا بالفشل إطلاقا».

وأكد عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني جبر الشوفي لـ«الشرق الأوسط» أمس أن «موقفنا لا يعني أننا أغلقنا باب التفاوض، لكننا نقول إن الورقة التي تم توقيعها ليست وثيقة وهي لم تقر من الأمانة العامة». وأوضح أنه «ليتم إقرار وثيقة ينبغي أن تكون قائمة على مفاهيم مصاغة ومقرّة من قبل الهيئات والتشكيلات السياسية المنضوية في إطار الأمانة العامة للمجلس الوطني ومكتبه التنفيذي». وشدد على أنه «كما يحق للجامعة العربية أن تطلب ما تشاء، فللمعارضة الحق بأن تجد طريقها كما تستطيع ويفرضه الظرف، ورفضنا للورقة هو من موقع قوة وليس ضعف ولا يعبر إطلاقا عن دونية».

ووفق أعضاء من المجلس الوطني وهيئة التنسيق، يمكن تحديد أبرز النقاط الخلافية بين الطرفين بالموقف من «التدخل الأجنبي» أولا، و«الجيش السوري الحر» ثانيا، إضافة إلى دور «هيئة التنسيق النقابية» داخل المعارضة الموحدة. وفي ما يتعلق بالموقف من التدخل الخارجي، أوضح الشوفي «بعد أن أخذت جامعة الدول العربية الملف السوري وحاولت أن تعالج الأزمة وتوقف سفك الدماء من دون أن توفق بذلك، طالبنا بتحويل الملف إلى الهيئات القانونية والإنسانية في الأمم المتحدة، أو إلى مجلس الأمن الدولي حماية للمدنيين السوريين، في حين أن لـ(هيئة التنسيق) أكثر من رأي، لكنهم جميعا يتحدثون عن رفض التدخل الأجنبي العسكري». وأضاف: «نحن أيضا قلنا بأننا نرفض التدخل العسكري الذي يمس بسوريا وسيادتها، ولكن في المقابل ثمة مدنيون ينبغي حمايتهم».

وقال مناع في هذا السياق: «نص الاتفاق الموقع على الطرفين بطلب الحماية الدولية في إطار حماية حقوق الإنسان، وليس كما يريد البعض في إطار مبادرات حلف (الناتو)، الذي نعتبره طرف هيمنة وليس جمعية خيرية أو (بابا نويل)، ومن هنا رفضنا لتدخله العسكري بأي تعبير من تعبيراته».

وبالنسبة للموقف من «الجيش السوري الحر»، ذكر مناع بأن «المسؤولين عنه أنفسهم يعترفون بأن عددهم، أي المنشقون والمدنيون المتطوعون، أقل من 3 في المائة من الجيش السوري»، مشددا على أن «الـ97 في المائة الباقين ليسوا مجموعة قذرة وخائنة، لأن فيهم من المواطنين والشرفاء ما يكفي لترجيح (كفة القبان) لصالح الثورة السورية».

وتعليقا على وصف قائد الجيش السوري الحر العقيد المنشق رياض الأسعد الاتفاق الموقع بأنه «اتفاق خيانة»، رد مناع بالقول: «لا يهمنا كثيرا تصريح الناطق باسم الجيش الحر»، موضحا ردا على اعتبار أعضاء في المجلس الوطني أن لهيئة التنسيق صلات بالإيرانيين، أن «الأساس بالنسبة لسياستنا الخارجية قلناه باستمرار وهو أننا نتواصل مع الأطراف كلها باستثناء الإسرائيليين». وكشف عن سلسلة لقاءات يجريها ووفد من أعضاء الهيئة بدأت أمس في بروكسل على أن تستكمل مع الرئيس التونسي منصف المرزوقي غدا وقياديين في الاتحاد الأوروبي في الأيام المقبلة، وصولا إلى لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 13 الحالي. وشدد مناع على أن «علاقاتنا الخارجية ليست مختزلة بالشكل الذي يعتقده بعض موظفي المخابرات التركية».

في موازاة ذلك، ينظر المجلس الوطني - وفق الشوفي - إلى «الجيش السوري الحر» باعتباره «فصيلا من فصائل الثورة السورية ما دام يدافع عن المواطنين، ويوفر ملجأ للمنشقين عن الجيش، وهو بذلك فصيل مشروع ونتفق معه بهذا الاتجاه، فيما ترفض هيئة التنسيق حتى ذكر اسمه».

إلا أن الشوفي يعتبر أن نقطة الخلاف الأبرز بين «المجلس الوطني» و«هيئة التنسيق» تكمن في «رغبة هيئة التنسيق بأن تصعد إلى قمة القرار السياسي وأن تكون متوازية بقوتها مع المجلس الوطني، وهو ما نرفضه كما رفضه الحراك الشبابي الممثل في المجلس، وإذا أرادوا الانضمام إلينا فليتفضلوا إلى المجلس الوطني الذي يضم ممثلين عن مختلف التشكيلات السياسية المعارضة في سوريا».

ويستغرب مناع موقف الشوفي، ويسأل: «أي ديمقراطية هذه التي لا تعترف بكتلة تساويها أو تضاهيها عددا وتطلب منها الانصهار»، معتبرا أن هذه الصيغة «قسرية وتعتمدها الأنظمة الشمولية فحسب».

وكان المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري، دعا في بيان على صفحته عبر موقع «فيس بوك» أمس، «بإجماع أعضائه إلى تبني وثيقة جديدة يتقدم بها المجلس الوطني إلى القوى والشخصيات السياسية تنبثق مما أقره مؤتمر الهيئة العامة في تونس وتعبر عن مطالب شباب الثورة».

من جهته، قال أنس العبدة، عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الوثيقة لا تعنينا، وليس هناك اتفاق بين المجلس الوطني وأي طرف آخر بخصوص هذه الوثيقة، وسيعمل المجلس الوطني على إصدار وثيقة تتلاءم مع ملامح المرحلة الانتقالية وسوريا المستقبل، وتتواءم مع المطالب والخط السياسي للثورة».

وبين العبدة أن جميع مكونات المجلس رفضوا هذه الوثيقة لأنها تتعارض مع الخط السياسي له. واستدرك «هذا لا يعني شرخا في علاقتنا مع هيئة التنسيق، لكن هناك خطين سياسيين، خط المجلس الوطني، وخط هيئة التنسيق، ولن نغلق أي بوابة للحوار أو التفاوض لأي جهة سورية في المعارضة». وأضاف أن «خطنا هو الخط السياسي للثورة ولا يمكن أن نتجاوزه بأي وثيقة، وهو خط أحمر».

وأوضح العبدة أنه «عندما كان برهان غليون في القاهرة وفي اجتماع تم في 28 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبحضور الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، وخلال حوار مع أطياف المعارضة، طرحت صيغة لورقة تفاهم في سعي لتوحيد رؤية المعارضة تم الاتفاق عليها، لكن صيغتها الكاملة لم يكن متفقا عليها من طرف المجلس أو الوفود المعارضة، ووقع عليها غليون كمسودة في انتظار العودة إلى المكتب التنفيذي والأمانة العامة، لكن هيئة التنسيق سارعت بتسريبها على أنها اتفاق نهائي». وقال العبدة إن غليون أصدر بيانا أوضح فيه هذه العوامل. وأضاف «وتحدثنا نحن أيضا عبر وسائل الإعلام منذ 31 ديسمبر، وبينا أن هذه الوثيقة لا تمثل المجلس الوطني».

ولكن مناع قال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مستعدون لأن ندرس هذه الوثيقة بكل جدية، لكننا نصر على أن كل وثيقة صادرة عن أي مكتب تنفيذي في العالم هي وثيقة قابلة للنقاش والدرس، شأنها شأن أي وثيقة أخرى، ونأمل ألا تخضع للإملاءات الشعبوية أو المزايدات».

وختم قائلا «إذا أرادوا المزايدة فليكن، لكننا نصر على العقلانية السياسية باعتبارها شرطا أساسيا من شروط نجاح الثورة السورية».

تجدر الإشارة إلى أن اتفاق «هيئة التنسيق» مع «المجلس الوطني» يحدد «القواعد السياسية للنضال الديمقراطي والمرحلة الانتقالية»، ونص على «رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد»، مؤكدا في الوقت عينه أنه «لا يعتبر التدخل العربي أجنبيا». كما أعلن الاتفاق اعتزازه «بمواقف الضباط والجنود السوريين الذين رفضوا الانصياع لأوامر النظام بقتل المدنيين المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية».

وفي حين يضم المجلس الوطني المؤلف من 230 عضوا، يقيم نحو مائة منهم في سوريا، الجزء الأكبر من المعارضة السورية، بينها أحزاب إسلامية كـ«الإخوان المسلمين»، تضم «هيئة التنسيق» أحزاب «تجمع اليسار السوري»، و«حزب العمل الشيوعي»، و«حزب الاتحاد الاشتراكي»، إضافة إلى 11 حزبا كرديا وشخصيات سورية أخرى.