جدل أميركي حول استراتيجية أوباما الدفاعية: تبعث برسالة لأعدائنا تقول اهجموا علينا

الجمهوريون يجدون فيها تنازلا عن زعامة أميركا للعالم.. والديمقراطيون ينفون وجود تأثير

تأييد متحفظ وقلق من تخفيض أعداد القوات المسلحة رغم الاضطرابات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط («نيويورك تايمز»)
TT

تباينت ردود الفعل على الاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة التي أعلنها الرئيس باراك أوباما بمقر البنتاغون، أول من أمس، بين تأييد متحفظ وقلق من تخفيض أعداد القوات المسلحة، في وقت فيه يشهد العالم اضطرابات متزايدة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، وبصفة خاصة إيران وكوريا الشمالية، وذهبت بعض الآراء إلى توجيه انتقادات لاذعة للرئيس أوباما والسخرية من خطابه.

وأوضح رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، هاورد ماكيون (جمهوري عن كاليفورنيا)، أن خفض القوات المسلحة يضعنا مرة أخرى في فترة ما قبل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وقال: «إنه موقف غير واقعي؛ فالرئيس يعيد، بوضوح، أخطاء الماضي من خلال خفض القوات بشكل أقل بكثير مما هو كافٍ لمواجهة التحديات التي نواجهها، وانظروا إلى عدم الاستقرار الحالي في كوريا الشمالية والتهديدات المقبلة من إيران». وأضاف ماكيون: «إن هذا الخفض يعيدنا مرة أخرى إلي فترة ما قبل 11 سبتمبر، وهو ما يعني أنه في المرة المقبلة التي ندخل فيها في عملية برية كبرى لن نجد القوات التي نحتاج إليها». وأشار إلى أن اتجاه أوباما إلى التركيز على المحور الآسيوي أمر محير، وقال: «إن أوباما يتحدث عن محور آسيا، بينما لم ننتهِ من إنجاز عملنا في الشرق الأوسط، وهو أمر محير وسط هذه الأزمة المالية الأميركية، وما تقوله استراتيجية الرئيس من أنه لا يمكن خوض حربين في وقت واحد يشير إلى رؤية سياسية ذات بعد واحد في القرن الحادي والعشرين الذي يشهد أكثر التحديدات ديناميكية وخطورة في التاريخ، وفي وقت يعتمد الاقتصاد الأميركي فيه أكثر على قوة جيشنا وأمننا». ووصف رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الاستراتيجية الجديدة بأنها تنازل عن دور الولايات المتحدة كزعيم عالمي.

ودافع السيناتور الديمقراطي بيل نيلسون عن الاستراتيجية والتوجه أكثر نحو آسيا، وقال: «ليست هناك حاجة كبيرة لحشد الجيوش الأميركية في أوروبا، والرئيس يريد التركيز على قوة الضرب السريعة، وعلى الرغم من أنه قال إننا لن نستطيع خوض حربين فإننا نستطيع بناء القوات إذا لزم الأمر». ونفى نيلسون وجود تأثير لتخفيض الإنفاق على قدرة سلاح الجو الأميركي أو القوات البحرية.

وأوضح غاري شميت، مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية بمعهد أميركان إنتربرايز، أن أبرز ما جاء في الاستراتيجية هو اتجاه الإدارة الأميركية للتخلي عن خوض حربين في وقت واحد، وقال: «عندما ننظر إلى كيفية تعامل الولايات المتحدة في حربها في أفغانستان والعراق نجد أن أحد أسباب الصراع في أفغانستان أننا لم نكن نملك قوات كافية هناك لشن حملة لمكافحة التمرد».

وأضاف شميت: «هذا الخفض في ميزانية وزارة الدفاع يأتي نتيجة فشل لجنة الكونغرس في التوصل لاتفاق لخفض العجز في الميزانية ما بين 500 و600 دولار خلال العقد المقبل، وبالتالي تم الاتجاه إلى خفض القوة العسكرية، وفي الوقت نفسه تريد إدارة الرئيس أوباما تركيز جهودها على محور الأمن في آسيا والمحيط الهادئ». وتابع: «السؤال الحقيقي هو: هل توجد لدى الإدارة موارد كافية لدعم القدرات الجوية والبحرية والجوية التي يتطلبها محور آسيا مع الحفاظ في الوقت نفسه على الهيمنة الجوية والبحرية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي؟».

وقال المحلل السياسي ستان كوليندر إن هناك 5 أسباب وراء اتجاه البيت الأبيض إلى تخفيض الميزانية الدفاعية «الأول هو تراجع شعبية البنتاغون بعد الإنفاق العسكري الكبير خلال السنوات الماضية، وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن أكثر من نصف الأميركيين يرون ضرورة تخفيض الإنفاق الدفاعي. والسبب الثاني هو عجز الموازنة؛ حيث يجد الرئيس أوباما صعوبات سياسية كبيرة في تنفيذ تخفيضات على الرعاية الصحية والاجتماعية وفرض مزيد من الضرائب؛ لذا لم يكن هناك مجال آخر لعقد التخفيض سوى برامج الدفاع. السبب الثالث أن الحزب الجمهوري وافق بالفعل على خفض الإنفاق العسكري بغض النظر عن المرات التي حاول الجمهوريون في الكونغرس التوصل إلى بدائل فيها، وقد فشلت لجنة الكونغرس (السوبر) في التوصل إلى اتفاق على خطة لتخفيض العجز». ويقول: «إن السبب الرابع أن عددا من الخبراء أشاروا إلى أنه يمكن خفض ميزانية البنتاغون من دون الإضرار بالأمن الوطني، ومنهم المحلل هيذر هولبرت، الذي أشار إلى أن كلا من كولن باول وروبرت غيتس ودونالد رامسفيلد قدموا، سابقا، خططا محددة لخفض بعض البرامج من الميزانية العسكرية. السبب الخامس أن الحرب على أفغانستان لا تحظى بشعبية وتشير استطلاعات الرأي إلى تفضيل الأميركيين الإنفاق على برامج محلية أميركية أكثر من الإنفاق على الأنشطة العسكرية في أفغانستان».

ودافعت صحيفة «نيويورك تايمز» (التي تميل لتأييد سياسات الحزب الديمقراطي والإدارة الأميركية) عن الاستراتيجية الجديدة وقالت إنها تنم عن رؤية واقعية للمنهج الذي ستتبعه الولايات المتحدة في نشر قواتها خلال القرن الحادي والعشرين في وقت تسعى فيه لحل مشاكلها المالية المتفاقمة. ووصفت الاستراتيجية أنها تتسم بالذكاء والهدوء في استخدام القوة. وقالت صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «إن ضرورات معالجة العجز في الموازنة العامة هي التي أملت على إدارة أوباما إعادة صياغة الاستراتيجية الجديدة، وهذا التغيير لا يعني أنه كان إجراءً متهورا أو غير حكيم».

في المقابل، هاجمت صحيفة «واشنطن بوست» الاستراتيجية الجديدة ووصفتها بأنها تمت صياغتها لتتلاءم مع حقائق الميزانية الأميركية «المفلسة» نتيجة سياسات إدارة أوباما التي أدت إلى ارتفاع العجز المالي في الميزانية. ووصفت أوباما بأنه يرتكب الخطأ نفسه الذي ارتكبته الإدارات الأميركية السابقة بتخفيض القوة العسكرية عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وعقب حرب فيتنام، وأوردت بعضا من عبارات خطاب أوباما الذي قال فيه: «يتعين علينا أن نتذكر دروس التاريخ، ويجب ألا نكرر أخطاء الماضي؛ حيث تركت قواتنا العسكرية غير مستعدة للمستقبل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وبعد حرب فيتنام، وأنا لن أدع ذلك يحدث مرة أخرى». وقالت الصحيفة في لهجة تهكمية: «أيها الرئيس أنت تفعل ذلك وتنسى دروس التاريخ». وقالت إن الرئيس الأميركي الأسبق، هاري ترومان، لجأ إلى تقليص أعداد الجيش من 8 ملايين جندي إلى نصف مليون جندي بعد الحرب العالمية الثانية لتقليص التكلفة الباهظة بعد الحرب، وكانت النتيجة تقلص القوات البرية في الحرب الكورية التي لم يرغب ترومان في خوضها. وأضافت الجريدة أن الرئيس الأميركي الأسبق دوايت إيزنهاور قام أيضا بتخفيض قوات الجيش واضطر إلى خوض حرب فيتنام. وقالت الجريدة إن الجيش الأميركي تفكك بحلول عام 1970 ليحل مكانه مجموعة من الهواة، وكانت النتيجة الهزيمة في حرب فيتنام وسقوط 58 ألف قتيل.

وقالت الصحيفة: «إن الدروس المستفادة من السنوات السبعين الماضية أننا لا نختار أعداءنا بل يختاروننا هم وظلوا يراقبوننا عن كثب في العراق وأفغانستان، وتعلموا من الرئيس الصيني الأسبق، ماو تسي يونغ، والرئيس الفيتنامي، هو شي منه، والرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، أن كبرى نقاط ضعف الولايات المتحدة هي سقوط قتلى أميركيين؛ لذا فإن عدونا المقبل سيسعى لقتالنا على الأرض التي نفتقر فيها للتجهيز الجيد وستكون لهم السيادة على الجو والبحر لأنهم يملكون القدرة على قتالنا هناك. وقالت صحيفة «واشنطن تايمز»: إن الاستراتيجية الجديدة تبعث رسالة للأعداء وتقول لهم: «اهجموا علينا»، وتمثل تراجعا لدور أميركا الاستراتيجي.