أول رجل دين ينشق عن النظام السوري: عشرات من العلماء هربوا إلى الدول المجاورة

الشيخ عبد الجليل السعيد لـ «الشرق الأوسط»: مفتي سوريا حسون يشارك في أعلى الاجتماعات الأمنية لقمع المتظاهرين

الشيخ عبد الجليل السعيد
TT

كشف الشيخ عبد الجليل السعيد، المدير الإعلامي لمكتب مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، وأول رجل دين ينشق عن النظام السوري، أن هناك عددا آخر من العلماء الذين فروا إلى الدول المجاورة، مشيرا إلى أنه تلقى في اسطنبول حيث يقيم حاليا اتصالات من مدن سوريا من علماء أيدوا انشقاقه، وهم أيضا على الطريق في الخروج عن النظام، لكن كان عليهم تأمين مستقبل عوائلهم. وقال الشيخ السعيد، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، إن والده وشقيقه الأكبر اختطفا من حلب بمجرد إعلان انشقاقه عن النظام.

وكشف السعيد عن تورط البعض في المؤسسة الدينية السورية في قمع المتظاهرين، وقال إن مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون يشارك في أعلى الاجتماعات الأمنية لقمع المتظاهرين، وإن حسون دائما ما يزعم في لقاءاته مع المشايخ ورجال الدين أن النظام باق، وأنه لا تغيير بسبب الثورة التي تجتاح المدن السورية، مشيرا إلى أن المؤسسة الدينية منقسمة على نفسها بسبب سيطرة النظام بالكامل عليها. وأوضح «من خلال عملي في المكتب الإعلامي للإفتاء في سوريا، اكتشفت أن هناك العشرات من المشايخ والعلماء لا يثقون في بشار الأسد ولا نظامه، بل إنهم يدرسون لطلابهم كره هذا النظام، وهناك كثير من المشايخ والعلماء أيضا مرتبطون بأعمال ومصالح دنيوية، أي أن لهم مصالح في الانحياز إلى النظام، وعندما تأتي ساعة الحق فإنهم ينكصون على أعقابهم».

وقال السعيد إن «المؤسسة الدينية في سوريا لا تخضع لها الطائفة العلوية، حتى مفتي العلويين الشيخ غزال غزال لا يحضر أبدا اجتماعات دار الإفتاء، وهو رجل منفصل عن الإفتاء، ولا سلطة لمفتي البلاد عليه، حتى الحوزات والحسينيات لا تخضع لرأي الهرم الديني ممثلا في المفتي ووزير الأوقاف، أما الدوائر المقربة من هيئة الإفتاء فتشمل حسون والشيخ البوطي وحسام الدين فرفور وبشير عبد الباري ونحو ثمانية مشايخ آخرين مقربين جدا من النظام، ولا يستطيعون أن يتخلوا عنه». وعن أسباب نفوذ المفتي حسون، قال الشيخ عبد الجليل، إن من يقترب من حسون «يجد أن شخصيته تقترب إلى حد كبير من شخصية العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، فهو أيضا مجنون بالسلطة، ومنذ أن كان شيخا طمح لأن يكون عضوا في مجلس الشعب، وترك المشيخة، ليجلس تحت قبة البرلمان، وفي مجلس الشعب عرف أن الذي سيزكيه هو اللعب على وتر حوار الأديان، فذهب إلى التيار المسيحي وميع كثيرا من القضايا الإسلامية، وبدأت أحلامه تتحقق مع وفاة المفتي العام السابق أحمد كفتارو عام 2004، وكان هناك توجه لإلغاء منصب المفتي، وتأخر تعيين المفتي الجديد (حسون) من يونيو (حزيران) 2004 إلى يوليو (تموز) 2005، والذي اختاره لهذا المنصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون السياسية هيثم صفايحي عضو القيادية القطرية ومستشار بشار الأسد، فالمفتي حسون مدين بالولاء للنظام، وهو رجل غير متوازن مع نفسه، فتارة يطرح نفسه على أنه محاور للأديان، وتارة أخرى يريد أن يرسل إرهابيين إلى العواصم الغربية، ومرة أخرى يصف العلماء بأنهم حفنة من المرتزقة الذين يسبحون بحمد السلطان، ومنصب حسون برتبة معاون وزير، لكنه فعليا أقوى من شخصية الوزير، وهو يرأس مجلس الإفتاء الأعلى، وهو مجلس معطل ملغى، وفي الأساس العالم يعين من قبل القيادة القطرة بناء على التقارير الحزبية»، مشيرا إلى أن حسون يشرف على جمعيات خيرية مثل «جمعية رفع المستوى الصحي والاجتماعي»، وهي مرخصة من قبل النظام، ومصدر مهم من مصادر الدخل لما يأتيها من تبرعات مالية هائلة من إيران ومن الداخل والخارج، وكذلك يشرف على «الجمعية الخيرية للأيتام»، ونائب حسون في جمعية الأيتام هو رجل أعمال من حلب، مسجون على ذمة قضايا فساد، إضافة إلى أن الفكر المشيخي في سوريا ينبع من العائلة، أي أن عوائل المشايخ المقربة من النظام تشرف على أغلب المساجد، في الوقت الذي أستطيع القول فيه إن المنابر مراقبة من قبل الشبيحة وكوادر (البعث) السوري، ومن يخرج على النص من المشايخ في خطب الجمعة، يهمش ويذهب إلى بيته بغير رجعة». ودعا السعيد رجال الدين إلى عدم تبني مواقف السياسيين المتبدلة دوما، وقال إن الأزمة السورية أزمة ثقة واحتقان مستمر في الشارع. وأكد أن حسون يشرف بنفسه على التحقيقات مع المنشقين من المؤسسة الدينية، مشيرا إلى أنه تم اعتقال 18 إماما وخطيبا من حلب.

وحول انشقاقه عن المؤسسة الدينية قال السعيد «أعلنت الانشقاق بقصد أن نظهر أن الجو الديني والعمل الدعوي الشبابي داخل المؤسسة رافض لكل ما يفعله حسون ومن معه من علماء السلطان»، وأضاف «بمجرد انشقاقي تشجع عدد آخر من العلماء خصوصا من الشباب، فقد اتصل بي من الرقة أكثر من 15 من المشايخ، وهي مدينة غير ثائرة إلى حد كبير، يطلبون النصيحة عن أقصر الطرق الآمنة للخروج من سوريا». وأوضح السعيد أن «الدعاة الشباب وأئمة المساجد والعلماء يقفون مع الحق ومع الثورة، رغم أن منهم من يخشون على أنفسهم وأهليهم ووظائفهم، وتقارير المفتي حسون عن العلماء تذهب إلى فرع مكافحة الإرهاب في جهاز الأمن العام، بل إن النظام دفع بمحامين ومهندسين للعمل في المجال الدعوي لتهميش العلماء، وفي الوقت ذاته لمراقبة منابر الخطابة». وكشف السعيد عن وجود فصيل إسلامي معارض في الخارج ينسق مع العلماء والمشايخ الراغبين في الانشقاق عن النظام، وتوفير ملاذ آمن لهم.

وقال إن حسون تأخر كثيرا في الرد على انشقاقه، وهو يحاول أن يبيض وجهه بالزعم أنه لا يعرفني، وقد عرض علي نجله عبد الرحمن كثيرا من المغريات وأموالا طائلة لأعلن تراجعي مرة أخرى، بزعم أنني تعرضت لضغوط لأعلن انشقاقي، ودخلت وساطات أخرى مقربة من حسون من الأردن لأتراجع، لكن حاشا لله، وبعد ذلك لجأوا إلى تهديد أشقائي في حلب، حتى إنهم اعتقلوا والدي وشقيقي الأكبر عبد الفتاح بمجرد خروجي على النظام». وحول انشقاقه عن المؤسسة الدينية قال السعيد «أعلنت الانشقاق بقصد وبحرص على أن نظهر أن الجو الديني والعمل الدعوي الشبابي داخل المؤسسة رافض لكل ما يفعله حسون ومن معه من مشايخ النظام»، مؤكدا أن الدعاة الشباب وأئمة المساجد والعلماء يقفون مع الحق ومع الثورة، رغم أن منهم من يخشون على أنفسهم وأهليهم ووظائفهم. وأضاف بقوله «نحن نسجل موقفا لله وللتاريخ وللأمة التي لن ترحم بعد ذلك من يقف مع المجرمين».

وشدد السعيد على أنه المدير الإعلامي لمكتب مفتي سوريا، وليس مدير مكتب أحمد حسون، كما يردد البعض، شارحا أنه تم تعيينه بالمنصب الإعلامي ثم اعتقاله في 2008 مع 4 من زملائه، وذهب بعدها إلى الخدمة العسكرية، ثم سرح في الشهر الثاني من 2011، ثم عاد ليعمل مديرا إعلاميا لمكتب حسون من جديد.

وبالنسبة لخطبة الجمعة قال السعيد «قبل أحداث الثورة كان العلماء حتى سقف معين يستطيعون التواصل مع المصلين والحديث في عموميات الحياة اليومية وتفسير القرآن وعن الحلال والحرام، لكن الاقتراب من الحديث عن الرئيس أو الحزب أو الإشارة إلى الفساد يمثل خطا أحمر، ولا يمكن الاقتراب من هذه الخصوصيات، وغير مسموح به على الإطلاق، ومن يتخطى ذلك يتعرض للمحاكمة وتشويه السمعة، ويهمش ويذهب إلى بيته بلا رجعة، وبعد الثورة السورية المباركة هناك قوائم عزل يومية لعلماء ورجال دعوة من قبل مديري الأوقاف، وفي مدينة حلب منذ بداية الانتفاضة تم تغيير أكثر من 400 خطيب وإمام».

وكان المفتي حسون قال في تصريح أوردته وكالة «سانا» السورية للأنباء «ليست لدي أي علاقة بالمدعو عبد الجليل، وهو ليس قريبي ولم يسافر معي يوما كما ادعى.