نائب قائد «الجيش الحر» لـ «الشرق الأوسط»: مفاوضات غير مباشرة تجري بيننا وبين النظام

تصاعد وتيرة القتل واعتقال 600 في حماه عشية جمعة الدفاع عن النفس

معارضون سوريون يحملون جنديا منشقا للتو عن الجيش السوري لدى انضمامه لهم أمس في الخالدية بحمص (أ.ب)
TT

في وقت تسري فيه أخبار منذ الأسبوع الماضي حين تمكن «الجيش السوري الحر» من السيطرة على منطقة الزبداني، حول مفاوضات تجري بين هذا الجيش والنظام في محاولة من الأخير للحد من المواجهات والعمليات بين الطرفين، أكد العقيد مالك الكردي نائب قائد «الجيش الحر»، لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما يقوم به النظام وقواته في كل مرة يشعر بخطر سيطرتنا على إحدى المناطق هو سياسة الخديعة التي يعتمدها مراهنا على الوقت لتنفيذ عملياته». وأضاف أنه ليست هناك أي مفاوضات مباشرة تجري بين الجيش الحر والنظام، بل إن الأخير يعمد إلى إرسال وسطاء وشخصيات معتدلة من وجهاء القرى والمناطق للتفاوض معنا، وإرسال رسالة غير مباشرة، للمواطنين، مفادها أنه إذا كانت لدى المواطنين رغبة في خروجهم وبقاء الجيش الحر، فليس لديهم مشكلة، لكن الأهم بالنسبة إليهم هو عدم وجود المظاهر المسلحة، داعين إياهم إلى عدم التظاهر وأنهم لن يستهدفوا المدنيين، ليعمدوا بعد فترة قصيرة إلى اقتحام المنطقة. ويؤكد الكردي أن ما حصل ليل الأربعاء في عدد من المناطق القريبة من دمشق، ولا سيما في دوما، هو السيناريو نفسه الذي حصل قبل ذلك في اللاذقية وبانياس والزبداني وغيرها من المناطق، لافتا إلى أن الشعب السوري لم يعد يصدق أكاذيب النظام وحيله.

وكان مسؤولا محليا قال أمس لوكالة «رويترز»، إن السلطات السورية تجري محادثات لوقف إطلاق النار مع مسلحين سيطروا على بعض المناطق قرب دمشق في مؤشر على اقتراب انتهاء الانتفاضة المستمرة منذ عشرة أشهر ضد حكم الرئيس بشار الأسد. وعما إذا كان هذا الأسلوب الذي يلجأ إليه النظام في مفاوضاته غير المباشرة مع الجيش الحر يدل على اعترافه به، يعتبر الكردي أن النظام، وإن لم يعترف رسميا بالجيش الحر، لكنه معترف به ضمنيا وهو على قناعة تامة بأن لوجوده تأثيرا كبيرا على الثورة السورية بشكل عام وعلى الجيش النظامي بشكل خاص، مضيفا «وكلام وزير الخارجية السوري الأخير، ليس إلا دليلا على هذا الواقع».

وفي حين يلفت الكردي إلى أن قوات الأمن لا تقتحم أو تداهم مناطق عدة في الوقت عينه، بل تخطط لدخول كل منطقة على حدة، أكد أن الاشتباكات بين الجيش الحر وقوات النظام لم تتوقف وهي تشمل معظم المناطق السورية، ولا سيما في الأسبوعين الأخيرين عندما ظهر فشل عمل بعثة المراقبين العرب، مشيرا إلى أن الجيش الحر تمكن أول من أمس من السيطرة على 90 في المائة من منطقة إدلب، فيما لا تزال قوات النظام مسيطرة فقط على نحو كيلومتر واحد من المنطقة.

وحول صحة المعلومات التي أعلنت عنها السلطات السورية التي أفادت بأن الجيش الحر والمسلحين قتلوا ألفين من جنود الجيش والشرطة منذ بدء الثورة السورية، قال الكردي «ليس لدينا أي إحصاءات دقيقة في هذا الإطار، لكن هذا الرقم ليس ببعيد، لا سيما أن المواجهات مع قوات الأمن والجيش لا تتوقف، ونعترف بأننا نستهدف الشبيحة وعناصر الجيش الذين ينفذون هجوما على المتظاهرين».

وكان مسؤول محلي قال أمس، إن السلطات السورية تجري محادثات لوقف إطلاق النار مع «مسلحين سيطروا على بعض المناطق قرب دمشق».

وقال نشطاء في ضواحي دوما وحرستا وعربين بشمال شرقي البلاد، وبعضها يقع على مسافة ثمانية كيلومترات من وسط دمشق، إنهم سمعوا دوي انفجارات خلال اشتباكات بين قوات الأمن ومسلحين أثناء الليل. وكان إطلاق النار قريبا إلى درجة أنه سُمع في وسط دمشق أثناء الليل.

ودعت المعارضة السورية إلى التظاهر اليوم تحت عنوان «جمعة حق الدفاع عن النفس - سوريا دولة مدنية لكل مواطنيها»، بعد أن نال هذا الاقتراح الحصة الأكبر من أصوات المقترعين على صفحة «الثورة السورية» على موقع «فيس بوك». وجاء اعتماد هذه التسمية بعد سجال واسع حيال مطالبة البعض باعتماد تسمية «جمعة الجهاد»، وهو ما رأى فيه البعض محاولة لإضفاء طابع سياسي وديني محدد على انتفاضة الشعب السوري.

وقال نشطاء سوريون يقيمون في شمال لبنان أمس إن قوات الأمن السورية اعتقلت نحو 600 شخص في محافظة حماه مع استمرار هجومها العسكري في المدينة بحثا عن منشقين. وذكر الناشط السوري أحمد الحماوي أن مدينة حماه تتعرض لمذبحة وعمليات اعتقالات واسعة النطاق. وأضاف أن حصيلة قتلى العنف في أنحاء سوريا وصلت إلى 42 شخصا أمس، غالبيتهم في محافظتي حماه وحمص، حسبما جاء في وكالة الأنباء الألمانية.

وتزامنت الدعوة أمس لمظاهرات يوم الجمعة الأسبوعية، بعد حملة عسكرية شاملة نفذتها قوات الأمن والجيش السوري في ريف دمشق، وتحديدا في مدينة دوما، شملت أحياء السنديانة، وعبد الرؤوف، والحجارية وجسر مسرابا، في ظل قصف عنيف ودوي انفجارات. ونقلت صفحة «الثورة السورية» على «فيس بوك» عن ناشطين في دوما إشارتهم إلى أن «إطلاق نار كثيفا من رشاشات ثقيلة وأصوات انفجارات قوية جدا هزت محيط المدينة، في ظل حملة اعتقالات عشوائية في حي عبد الرؤوف، واستمرار قطع خدمات الاتصالات عن المدينة».

وتحدث ناشطون عن «كسر أبواب المنازل في دوما وتفتيشها وتخريب محتوياتها وإطلاق النار عشوائيا على السكان أثناء المداهمات وترويع الأهالي، مع انتشار لعناصر بلباس مدني في المدينة وهي مدججة بالعتاد الكامل».

وتم اقتحام مدينة دوما من أربعة محاور مع حملة مداهمات واعتقالات شملت أكثر من 200 شخص، وسبق وشهد مدينة دوما بداية الأسبوع اشتباكات عنيفة بين الجيش الحر والجيش النظامي، وسيطر الجيش الحر على عدة أحياء في دوما التي شهدت الاثنين الماضي تشييع 12 قتيلا مدنيا سقطوا خلال اشتباكات يومي الأحد والاثنين. وترافقت الحملة العسكرية على دوما مع فرض حالة عزلة حيث أغلقت كافة المداخل ومنعت حركة الدخول والخروج مع قطع للكهرباء والاتصالات، وشمل الحصار مدينة حرستا القريبة من دوما، قامت قوات من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري باقتحام حرستا منذ صباح أمس، بحسب ما قاله ناشطون، وذلك بعد ليلة شهدت إطلاق نار عنيف من أسلحة متوسطة وثقيلة في حرستا وعربين ودوما ومسرابا، وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن إطلاق النار استمر ليل أول من أمس نحو 12 ساعة متواصلة، جرى خلالها مداهمة البيوت بحثا عن جنود منشقين، حيث تم هدم بيت بأكمله بزعم وجود منشقين داخله، مع شن حملة اعتقالات عشوائية، ترافقت مع نشر كثيف للشبيحة والقناصة في الشوارع وعلى أسطح المباني. وأكدت المصادر قيام قوات النظام بعملية تخريب ونهب للبيوت، مع توجيه إهانات للسكان. ومع اقتراب الصباح هربت عائلات كثيرة من مدينة حرستا مشيا على الأقدام باتجاه العاصمة. وفي حمص، أفادت صفحة «الثورة السورية» عن أن «عائلات بأكملها تم قتلها بعد قصف حي كرم الزيتون وحي الرفاعي بالقذائف مساء»، مشيرة إلى «أنباء عن سقوط 20 شهيدا و50 جريحا بعد تدمير المنازل على رؤوس أصحابها». وذكرت «لجان التنسيق المحلية» أن «شهداء وعشرات الجرحى سقطوا إثر هجوم عنيف شنته قوات الأمن والجيش على كرم الزيتون، حيث تم إطلاق قذائف الهاون مما أدى إلى نزوح سكان شارعين كاملين في طرف الحي الجنوبي وتدمير منازل عدة». كما شهد حي الغوطة مظاهرة حاشدة عند مجسم الساعة تضامنا مع الأحياء المحاصرة.

وفي إدلب، قالت «لجان التنسيق» إنه تم العثور على جثة الرقيب الأول في الجيش السوري أيهم فهيم حمد من بلدة حضر في جبل الشيخ، ملقاة في شمال بلدة كفرومة في الحرش، وهو مصاب برصاصة في رأسه من الخلف. كما وجدت معه هوية شرطة من التي تم توزيعها على العسكريين بعد دخول لجنة المراقبين.

وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر طالبت الحكومة السورية أمس بالتحقيق في اغتيال مسؤول منظمة الهلال الأحمر في محافظة إدلب عبد الرزاق جبيرو، مشيرة إلى أن «إطلاق النار (على جبيرو) وقع بينما كان يعود إلى إدلب في مركبة تحمل علامة الهلال الأحمر واضحة بعد حضوره اجتماعات في مقر الهلال الأحمر السوري في دمشق».

وأعرب الصليب الأحمر عن «الصدمة» حيال مقتل جبيرو، داعيا «الضالعين في أعمال العنف المستمرة في سوريا إلى تجنب استهداف المتطوعين والعاملين مع الهلال الأحمر والصليب الأحمر».

أما في درعا، فقد ذكر مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، أن «منشقين نصبوا كمينا لقافلة تقل قوات أمنية عسكرية مشتركة على الطريق الدولي قرب بلدة خربة غزالة الواقعة في محافظة درعا حيث دارت اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل 4 جنود وإصابة خمسة بينهم ضابط برتبة ملازم أول».

وفي حلب، دخل ما لا يقل عن 100 عنصر من قوات حفظ النظام بعتادهم الكامل إلى المدينة الجامعية في جامعة حلب، حيث تمركزوا أمام وحدة سكنية خاصة بالطالبات. وفي الزبداني، خرج طلاب وطالبات من المدينة في مظاهرة حاشدة تنادي بإسقاط النظام. وهتف الطلاب: «طلاب الزبداني شو بتريد»، مجيبين: «تريد إعدام الرئيس».

وفي بلدة كناكر انشق نحو 25 عسكريا بقيادة ضابط برتبة رائد من مرتبات اللواء 121 وتمت مهاجمة الحواجز الموجودة في كناكر وفي نفس الوقت تم انشقاق ملازم من حاجز عسكري داخل بلدة كناكر.

من جانب آخر طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الحكومة السورية بالتحقيق في اغتيال رئيس فرع إدلب للهلال الأحمر في سوريا عبد الرزاق جبيرو. وقال الصليب الأحمر إن عبد الرزاق جبيرو رئيس فرع منظمة الهلال الأحمر بإدلب قتل قرب خان شيخون أثناء تنقله على الطريق السريع بين حلب ودمشق الأربعاء. وفي بيان على موقعه أكد الصليب الأحمر أن «إطلاق النار وقع بينما كان رئيس فرع منظمة الهلال الأحمر عائدا إلى إدلب في حافلة تحمل علامة الهلال الأحمر واضحة بعد حضوره اجتماعات في مقر الهلال الأحمر السوري في دمشق». وأعرب الصليب الأحمر عن صدمته حيال مقتل رئيس فرع إدلب للهلال الأحمر داعيا «الضالعين في أعمال العنف المستمرة في البلاد إلى تجنب استهداف المتطوعين والعاملين مع الهلال الأحمر والصليب الأحمر». وقال إن رئيس الهلال الأحمر السوري عبد الرحمن العطار طلب «رسميا من السلطات السورية فتح تحقيق في مقتل جبيرو». ووسط حالة التصعيد العسكري، أخرجت الحكومة السورية يوم أمس موظفي المؤسسات الحكومية في مسيرات تأييد للمطالبة «بالحسم العسكري والضرب بيد من حديد والقضاء على كافة العصابات المسلحة» بحسب ما ذكره ناشطون والذين أكدوا أن المشاركين في المسيرات المؤيدة التي خرجت في أكثر من مدينة يوم أمس غالبيتهم من موظفي الحكومة وطلاب المدارس، حيث علت أصوات المكبرات التي تبث الأغاني الوطنية ومقاطع من الخطب التي ألقاها الرئيس السوري بالإضافة إلى الشعارات المؤيدة له «لن يهزم شعب أبدا قائده المفدى بشار» و«كلنا بشار كلنا ثوار». كما هتف المجتمعون «الخيانة عربية من الجامعة العربية» في إدانة لقرارات الجامعة العربية ومساعيها لتدويل الملف المتعلق بالأزمة السورية. وقال ناشطون إن المسيرة المؤيدة التي «أخرجها النظام» في مدينة القامشلي شمال شرقي البلاد ذات الأغلبية الكردية، انقلبت إلى مظاهرة مناهضة للنظام، وبدأ الأمر عندما انقلب هتافات التأييد إلى هتافات تستنكر قطع التيار الكهربائي تطورت لتصبح «الشعب يريد إسقاط النظام» وتمزيق صورة الرئيس المرفوعة على مبنى البلدية، وتم تفريق المتظاهرين من قبل قوات الأمن التي هاجمت المتظاهرين. وفي دمشق كادت مسيرة أخرجت من مدرسة في حي المزرعة لتنضم للحشود في ساحة السبع بحرات أن تنقلب إلى مظاهرة مناهضة للنظام عندما بدأ نحو 200 طالب بالهتافات المناهضة، إلا أن مدير المدرسة سعى إلى تفريق الطلاب قبل وصول قوات الأمن.