السلطات المصرية تمنع ابن وزير النقل الأميركي وآخرين من السفر بسبب قضية المنظمات الحقوقية

مصدر مسؤول بالمعهد الجمهوري: وعود القاهرة يتبعها المزيد من التضييق

TT

تعقدت ملفات قضية منظمات المجتمع المدني في مصر أمس بعد منع السلطات المصرية لموظفين أميركيين في منظمات حقوقية من السفر خارج مصر وعلى رأسهم سام لحود ابن وزير النقل الأميركي، بداعي وجوده وآخرين على لائحة الممنوعين من السفر، وهو ما فسره مصدر قضائي مصري لـ«الشرق الأوسط» بأنه «إجراء قانوني اعتيادي بسبب ورود أسمائهم في قضية العمل في منظمة مجتمع مدني دون ترخيص».

ومن جهتها، حثت واشنطن القاهرة على رفع حظر السفر, وقالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم وزارة الخارجية في مؤتمر صحافي أمس: «نحن نحث حكومة مصر على رفع هذه القيود على الفور والسماح لهؤلاء الأشخاص بالمجيء إلى وطنهم في أقرب وقت ممكن».

وقبل نحو شهر، داهمت جهات أمنية مصرية مقرات نحو 17 مركزا حقوقيا في مصر، بينها 3 مقرات لمنظمات أميركية تشمل المعهد الجمهوري والمعهد الديمقراطي ومؤسسة بيت الحرية، وتمت مصادرة أموال ومسندات وأجهزة حاسب آلي وإغلاق مقراتها، وهو ما أعقبته تصريحات حادة من المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، التي أعربت عن قلق واشنطن، ووصفت الإجراء بأنه يتناقض مع التعاون الثنائي بين البلدين، مطالبة الإدارة المصرية بإعادة فتح مكاتبها وإعادة المقتنيات المصادرة، لكن شيئا لم تتم إعادته وفقا لمسؤولين أميركيين. وقال مصدر مسؤول بالمعهد الجمهوري إن السلطات المصرية منعت خمسة من موظفيها بمصر، منهم أربعة أميركيين وموظف نرويجي من السفر خارج البلاد بسبب وجود أسمائهم على لائحة الممنوعين من السفر، وشمل المنع سام لحود، مدير المعهد بمصر ونجل وزير النقل الأميركي، ومديري فرعي المعهد بالإسكندرية والأقصر. وقال المصدر، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن مسؤولي مطار القاهرة وبرج العرب بالإسكندرية اكتفوا بإبلاغ موظفي المعهد بورود أسمائهم على لائحة الممنوعين من السفر دون إعطاء مزيد من التفاصيل، وكشف المصدر أن سبب سفر موظفي المعهد الخمسة يرجع لارتباطات العمل أو الإجازات خارج مصر، كما أن جهة السفر أيضا كانت مختلفة بين واشنطن وبوسطن والأردن وقطر، لكن المصدر أعلن أن السلطات المصرية لم تصادر جوازات سفر مسؤولي المعهد.

ومن المرجح أن يلقي الإجراء المصري الجديد بحق منظمات المجتمع المدني الأميركي مزيدا من التوتر على العلاقات المصرية - الأميركية خاصة فيما يتعلق بملف المعونة الأميركية لمصر والبالغة نحو 1.3 بليون دولار أميركي.

وكان سام لحود في طريقه إلى واشنطن للمشاركة في إعداد التقرير السنوي الذي يصدره المعهد من واشنطن رفقة أحد موظفي المعهد الأميركيين ذي الأصول الإيرانية. كما تم منع سفر كريستين أنجيل، نرويجي الجنسية، مدير فرع المعهد في الإسكندرية، فيما كان في طريقه لقطر في مهمة عمل فجر الأربعاء الماضي. وقال أنجل لـ«الشرق الأوسط»: «إنه ليس لديه تعليمات بالتحدث للإعلام بخصوص الموضوع»، مطالبا بالتحدث لسام لحود، لكن الأخير لم يجب على هاتفه. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن لحود قوله «الحقيقة إن قرار المنع أكبر مني، ومن المعهد الجمهوري» مضيفا أن «الأمور تزداد سوءا وأن هناك نحو 300 منظمة حقوقية في مصر قيد التحقيق، قليل منها أميركية».

وكشف المصدر أن النيابة العامة المصرية وجهت لموظفي المعهد بالإسكندرية اتهامات تتعلق بإدارة والعمل في منظمة أهلية غير مسجلة، وتلقي أجر من منظمة أهلية غير مسجلة بما يخالف قانون الجمعيات الأهلية في مصر، وأضاف المصدر «تم أيضا توجيه اتهام للموظفين باقتطاع جزء من المعونة الأميركية لمصر وتوجيهها لأنشطة تضر بالصالح العام في البلاد». وأفصح المصدر عن تلقي المعهد الجمهوري معلومات تفيد أن قضية المعهد سيتم تحويلها للمحكمة في الأول من فبراير (شباط) المقبل، وقال: إن «أحدا من واشنطن لم يتواصل مع المعهد الجمهوري بعد قرار منع موظفيه من السفر خارج مصر».

وكان المعهد الجمهوري قد شارك في مراقبة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر بتصريح من اللجنة العليا للانتخابات، والتي قال المصدر «إنها لم تشهد أي مضايقات ممنهجة بحق موظفي المعهد بخلاف الأمور الروتينية»، موضحا «بعد الانتخابات، تم إغلاق مكاتب المعهد، وتم إعطاء الموظفين إجازة من العمل»، كاشفا أن هناك حالة من الغموض والقلق تسيطر على المعهد، خاصة بعد ما وصفه بـ«المبالغة في الاتهامات الموجهة للمعهد». وكشف المصدر أن رئيس المعهد الجمهوري في واشنطن كان قد أبلغهم أثناء زيارته للقاهرة قبل أسبوعين أن وزارة الخارجية المصرية وعدت نظيرتها الأميركية بحل الموضوع نهائيا ورد المسندات والأجهزة المصادرة أثناء مداهمة المقرات، وأن الخارجية الأميركية تلقت وعودا مماثلة من المجلس العسكري (الحاكم في مصر)، لكنه أكد أن ذلك لم يتبعه أي إجراء إيجابي. وقال متهكما «الوعود لحقها مزيد من التضييق، تم منعنا من السفر ثم إحالتنا للمحاكمة».

من جانبه، قال مسؤول مصري مطلع على ملف المنظمات الحقوقية، إن أكبر مشكلة تواجه السلطات المصرية هو اختلاف الرؤية بين القاهرة وواشنطن «بينما رؤيتنا أن المعونة الأميركية لمصر تمثل نوعا من الاستثمار في العلاقات المصرية الأميركية وكحافز لمصر لتحقيق معدلات تنمية كبيرة وبالتالي مزيد من الاستقرار، فإن الرؤية الأميركية أنهم يعطوننا معونة وبالتالي علينا أن نكون مطيعين وغير مثيرين للمشاكل»، مضيفا «هم يريدون التصرف كما يحلو لهم بغض النظر عن القوانين المنظمة للجمعيات الأهلية في مصر، يفتحون مكاتب لهم، ويوظفون موظفين، ويتلقون تمويلا من الخارج، دون الحصول على تصريح.. تلك هي المشكلة. هي مشكلة قانونية بالأساس وليست سياسية على الإطلاق». وفيما يتعلق بتأثير الأمر على المعونة الأميركية لمصر، قال «فيما يتعلق بالمعونة الاقتصادية البالغة 250 مليون دولار أميركي فنحن سبق وطلبنا إلغاءها بالكامل لكن واشنطن هي من رفضت»، مشيرا إلى أن المبلغ ضئيل للغاية وقوته الشرائية متواضعة مقارنة بالماضي، لكنه رفض التطرق للمعونة العسكرية.