القتال يتصاعد في سوريا وسط فشل جهود الوساطة الدولية

أحد سكان دارايا: أصوات المدافع الرشاشة لا تتوقف طوال اليوم

نيران متصاعدة على أثر انفجار أنبوب نفط بمنطقة بابا عمرو قرب حمص أمس (أ.ف.ب) عن اليوتيوب
TT

في الوقت الذي أجبرت فيه القوات السورية الثوار على التخلي عن معاقلهم القريبة من دمشق، اجتمع بعض دبلوماسيي الدول الكبرى في الأمم المتحدة، أول من أمس، في محاولة للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لترك الحكم عبر قرار لمجلس الأمن.

وتركز الاهتمام على روسيا التي عارضت بشدة اقتراح الجامعة العربية المدعوم من الغرب والدبلوماسيين العرب، الذي دعا الأسد إلى التخلي عن السلطة في إطار التحول الديمقراطي.

وقد وصل أعضاء بارزون في المجلس الوطني السوري، المجلس المشكل في المنفى، من باريس معا للضغط على أعضاء مجلس الأمن، بدءا بالمبعوث الروسي، في الوقت الذي انتقد فيه مبعوث الولايات المتحدة وأعضاء آخرون معارضة موسكو للخطة.

وقالت سوزان إريك، سفيرة الولايات المتحدة، للصحافيين: «لقد شهدنا عواقب الإهمال والتراخي على مدى الشهور العشرة الماضية، لا لأن غالبية المجلس غير راغبة في التحرك، بل توافرت لديه الرغبة في ذلك».

وقالت مشيرة إلى روسيا والصين، اللتين صوتتا ضد المحاولة الأخيرة لاستصدار قرار في أكتوبر (تشرين الأول): «كان هناك عضوان قويتان للغاية لم تبديا أية رغبة في تحقيق ذلك. وإذا ما فشلت المفاوضات مرة أخرى هذا الأسبوع فسنخاطر بوقوع المزيد من العنف والفوضى».

هذا التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الأحداث تحقق على الأرض يوم الاثنين في سوريا، حيث طوق الجيش السوري الكثير من المدن الصغيرة الواقعة على أطراف دمشق والواقعة تحت سيطرة الجيش السوري الحر، بحسب ناشطين.

وفي شمال العاصمة السورية قصفت القوات الحكومية مدينة يابرود المحاصرة منذ أيام، واعتلى القناصة أسقف المنازل ومنعت الحواجز الأمنية المواطنين من الدخول أو الخروج من المدينة. وقال ناشط في المدينة: «عدد الدبابات في المدينة يفوق الوصف. إنهم يقصفون الشوارع بعشوائية».

ويشير الفيديو الذي نشر على الإنترنت إلى تجدد القتال في مدينة حمص، مدينة رئيسية في سوريا، التي كانت مسرحا لمعارك متكررة بين المتمردين والقوات الموالية للأسد.

ويقول وسام طريف من منظمة «أفاز» لحقوق الإنسان: «الجيش يملك اليد العليا هنا، فلديهم الدبابات والأسلحة الثقيلة والدبابات الحربية. لديهم كل شيء. وإذا ما أرادوا دخول المدينة فسيتمكنون من ذلك».

وحصدت أحداث يوم الاثنين عشرات القتلى لتضيف المزيد إلى قائمة الضحايا في صراع مستمر منذ عشرة أشهر، وبحسب الأمم المتحدة فقد حصد النزاع 5400 مدني. وقد أعلنت وزارة الداخلية السورية في تصريحها أول من أمس أنها قتلت عددا كبيرا من الإرهابيين في الضواحي الشرقية بحسب وكالة الأنباء الرسمية، وقالت ممرضة في مستشفى المدينة إن العشرات من قوات الأمن لقوا مصرعهم.

وكانت الجامعة العربية قد علقت عمل بعثة المراقبين في سوريا يوم الأحد بسبب صعوبة أداء مهمتها بسبب القتال، وطالبت مجلس الأمن بدعم خطة تقوم على نقل الأسد للسلطة إلى نائبه وحكومة وحدة وطنية لقيادة البلاد إلى انتخابات جديدة.

لكن روسيا، الحليف الأبرز للأسد، قالت إنها تعارض الخطة لأنها ستجبر دولة ذات سيادة على التخلي عن قيادتها. وتصر موسكو على أنها لا تزال تشعر بالخداع بأنها خُدعت بدعمها قرار الأمم المتحدة الذي أدى إلى الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، ولا تزال مصممة على عدم تكرار ذلك.

في الوقت ذاته بدت روسيا حريصة على إظهار مدى مصداقيتها بشأن التوصل إلى قرار دبلوماسي في سوريا، إن أقنعت حكومة الأسد بالمشاركة في محادثات الوساطة في موسكو.

وقالت وزارة الخارجية الروسية: «في محاولة للإسهام مع الحكومة الروسية في التوصل إلى تسوية سلمية دون تدخل خارجي وعدم المساس بالسيادة السورية، ناشدنا الحكومة السورية وطلبنا من مجموعات المعارضة أن ترسل مندوبين إلى موسكو في وقت تقبله جميع الأطراف لعقد محادثات غير رسمية دون شروط مسبقة».

لكن المجلس الوطني السوري رفض على الفور المقترح الروسي واشترط تنحي الأسد أولا، وهو الشرط الذي قال الأسد وروسيا إنه غير مقبول. فأكد أحد أعضاء المجلس على أن تصاعد أعمال العنف وفشل جهود الوساطة التي تقوم بها الجامعة العربية أجهض كل فرص المحادثات.

وقال هيثم مناع، المعارض البارز: «نحن نواجه أزمة كبيرة قد تؤدي بنا إلى حرب أهلية. هناك مناطق خالية من السيطرة، والجلوس إلى مائدة المفاوضات يعني العودة إلى الخلف».

خلف الأبواب المغلقة في نيويورك تدور مفاوضات مكثفة حول البيان المقترح لمجلس الأمن، بحسب دبلوماسيين غربيين. فروسيا والهند والصين تناقش البيان سطرا سطرا، بينما يحاول الهنود اقتراح صياغة جديدة تلقي باللائمة على المعارضة في أعمال العنف. ولا يزال الغرب يتعلق بالأمل في أن تخفف مذكرة من قادة جامعة الدول العربية إلى المجلس يوم الثلاثاء في تخفيف معارضة القرار، مع استمرار المفاوضات على أشدها يوم الأربعاء.

وفي إظهار مدى الاهتمام الكبير الذي يوليه الغرب لتبني القرار ستمثل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية الولايات المتحدة يوم الثلاثاء في الأمم المتحدة وسيحضر وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا.

وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية، طلب عدم ذكر اسمه بسبب مناقشة أمور دبلوماسية، إن الولايات المتحدة وأعضاء آخرين سيضغطون من أجل طرح البيان للتصويت إذا ما رفضت الصين وروسيا. وتابع: «لا يمكنهم الاستمرار في الدفاع عن وضع قائم غير مبرر».

وبعد الاجتماع مع المبعوث الروسي إلى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، وصف أعضاء المجلس الوطني الموقف الروسي بغير الملتزم تجاه إجبار سوريا على تلبية مطالب المعارضة.

وتقول بسمة قدماني، عضو المجلس الوطني السوري: «سيكون الخيار أننا إذا أردنا القيام بذلك بمساعدة وتعاون من روسيا، سنضطر إلى خوض عملية سلمية لأنهم يملكون الكثير من المفاتيح. وإذا لم نحظَ بالتعاون الروسي ستكون هناك عملية أكثر صعوبة وأكثر كلفة، لكننا سنصل في النهاية إلى هناك دون الروس».

لكن في الوقت الذي يناضل فيه الدبلوماسيون للبحث عن إجماع في نيويورك، واصلت القوات السورية الهجوم على مواقع الجيش السوري الحر. فيقول أحد السكان الذي عرف نفسه بأبو أحمد من دارايا، القريبة من العاصمة، إن أصوات المدافع الرشاشة لا تتوقف طوال اليوم، حيث تصل قوات ومركبات عسكرية بانتظام. وقال: «نحن خائفون، نسمع صوت انفجارات وصرخات ولا نعلم ما يجري».

* خدمة «نيويورك تايمز»