المصريون يبحثون عن الحد الفاصل بين الثائر والبلطجي

في ظل دعوات لعصيان مدني السبت المقبل من أجل تسليم السلطة

TT

بالتزامن مع كل اشتباكات تحدث في مصر بين محتجين وقوات الأمن، يثار التساؤل في الشارع المصري حول هوية هؤلاء المحتجين ودوافعهم. وعلى الرغم من إيمان جميع الأطراف بما فيها الرسمية، بحقهم في التظاهر وإبداء غضبهم مما يعتبرونه «تباطؤا» من جانب المجلس العسكري الحاكم في تحقيق مطالب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) بعد عام من اندلاعها، فإن البعض ما زالوا يصفون هؤلاء المحتجين بأنهم «بلطجية» يريدون هدم مؤسسات الدولة وتفتيها، وأنهم لا يعبرون عن الوجه الحقيقي للثوار الذين أسقطوا الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي.

ودعت حركة 6 أبريل المصريين للدخول في عصيان مدني يوم السبت المقبل 11 فبراير، من أجل إجبار المجلس العسكري على تسيلم السلطة، وقد لاقت الدعوة ترحيبا لدى بعض القوى العمالية والائتلافات الشبابية، لكن «العسكري» اعتبرها «محاولة تفجير المجتمع من الداخل ونشر الفوضى»، كما رفضه الأزهر، وقال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أمس: «لا تستمعوا لدعاة الهدم وتعطيل العمل».

وإثر مقتل 74 مشجعا في مباراة لكرة القدم بين النادي الأهلي والنادي المصري ببورسعيد الأسبوع الماضي، خرج آلاف المصريين في مظاهرات احتجاجية يطالبون بعزل المجلس العسكري وتسليم السلطة فورا، واتهموا قوات الأمن بالمسؤولية عن هذه المجزرة. ومنذ الخميس الماضي وحتى الآن تتواصل اشتباكات متقطعة بالقرب من مبنى وزارة الداخلية بالقاهرة بين المئات من الشباب وقوات الأمن، أسفرت عن 10 قتلى وأكثر من 700 مصاب، البعض منها بطلقات «خرطوش».

وأقام عدد من السياسيين ونواب بمجلس الشعب الكثير من الدروع البشرية للفصل بين المتظاهرين وقوات الشرطة، كما أطلقوا عدة مبادرات لإعادة المحتجين من محيط وزارة الداخلية إلى ميدان التحرير لكنها لم تؤت ثمارها بعد.

وقال اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، في جلسة البرلمان أمس، إن قوات الأمن أطلقت فقط قنابل الغاز المسيلة للدموع لحماية أمن وزارة الداخلية مع وصول المتظاهرين على مسافة 15 مترا من الوزارة.. وإن هناك «معلومات مؤكدة وردت إليهم بشأن مخطط لاقتحام وحرق الوزارة وأقسام الشرطة».

لكن محتجين التقتهم «الشرق الأوسط» بالقرب من موقع الاشتباكات، يقولون «إنهم ليسوا بلطجية، وليس معنى أنهم لا ينتمون لقوى سياسية معروفة أن يتم تشويه صورتهم وإظهارهم على أنهم مخربون». ويصيح أحد الشباب رافعا علم النادي الأهلي ويبدو على ملامحه الغضب: «كل هؤلاء السياسيين والبرلمان لا يعبرون عنا.. نريد أن نحصل على حقنا ممن قتل إخوتنا».

فيما يشير آخر إلى «أنهم لا يريدون تدمير الوزارة واقتحامها لكنهم يريدون التعبير عن غضبهم والإشارة إلى الجهة المسؤولة عن القتل الذي يتكرر مرارا ضد الشعب من دون أن تتم محاسبة المسؤولين عنه».

وكان النائب البرلماني محمد أبو حامد قد قال أول من أمس إن الشرطة تقوم باستفزاز المتظاهرين بإطلاق الخرطوش والرصاص المطاطي. ودلل في جلسة للبرلمان، على ذلك، برفع خرطوش، لكن عددا من النواب انفعلوا بشدة من هذه الاتهامات، ووصفوا الموجودين بمحيط الوزارة بأنهم «ليسوا متظاهرين وإنما بلطجية يريدون تخريب الدولة».

وتحدث في الجلسة عدد من النواب حول القضية، وقال النائب مصطفى بكري: «نريد أن نعرف الفارق بين البلطجي الذي يحرق المؤسسات.. يجب أن تجرى المظاهرات في أماكن معينة». وتابع: «هناك قوة خفية وممولة لا تريد مؤسسة ولا بلدا قويا». وقال النائب الوفدي هاني أباظة: «لا بد من التعامل بقوة مع المتظاهرين بعد خط معين لا يتم تجاوزه، ولا بد من التفرقة بين البلطجي والثائر».

ويتابع المتظاهرون تعليقات النواب، ويرد أحدهم على ذلك قائلا: «الآن يريدون أن نعود لميدان التحرير ويقولون إن من يتظاهر هناك هم الثوار الحقيقيون»، ويضيف متعجبا: «أليس من كان يتظاهر في التحرير قبل ذلك أيضا بلطجيا؟».

وتعلق الناشطة أسماء محفوظ قائلة على تويتر: «طيب أنا بلطجية وليا حقوق، وكبلطجية لي حق التظاهر للمطالبة بحقوقي في أي مكان، وإنني كبلطجية لي الحق أيضا في أن أدافع عن نفسي عندما يحاول أحد قتلي».

واتهم بيان لاتحاد شباب الثورة وزارة الداخلية باستخدام ميليشيات مسلحة من البلطجية للاعتداء على الثوار، كما حدث في الاشتباكات بين المتظاهرين وأهالي منطقة «عابدين» قرب مبنى الوزارة ممن حاولوا إبعادهم عن محيط المبنى. وقال البيان إن هذه الميليشيات يتم استخدامها منذ موقعة الجمل التي استخدمها نظام مبارك وحتى «مذبحة بورسعيد».

وتعيد هذه الاتهامات إلى الأذهان وصف الرئيس المصري الراحل أنور السادات لانتفاضة عام 1977 بأنها «ثورة حرامية»، على الرغم من أنها خرجت احتجاجا على رفع أسعار السلع، وكذلك ما قيل عن ثورة يناير في بدايتها قبل سقوط مبارك.

يقول إسلام حجازي، المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، إن «تكرار الاشتباكات والمواجهات الاحتجاجية بين المواطنين وبعض الوزارات السيادية في الدولة ما هو إلا تعبير عن غضبهم عن مسلسل غياب الحقوق وإراقة الدماء دون محاسبة لأحد من المسؤولين».

ويوضح حجازي لـ«الشرق الأوسط»: «ليس من حق أحد أن يقوم بتوزيع التوصيفات على المتظاهرين ما بين ثائر وبلطجي أو عميل أو خائن، غير الأجهزة القضائية، لأن الثورة فعل احتجاجي شعبي ضد الاستبداد يشارك فيه الجميع، وليس تنظيما مؤسسيا يتوجب على من ينتمي إليه حمل كارنيه عضوية (ثائر)».

ويتابع: «على المسؤولين، وعلى رأسهم نواب مجلس الشعب، أن يعلموا أن هذه الثورة قامت من أجل الحصول على حقوق الفقراء والمهمشين الذين ظلموا من جانب النظام المخلوع طلية ثلاثة عقود، وأن تلك الفئة الاجتماعية كان لها دور محوري في الوصول للكتلة الحرجة باندلاع ثورة 25 يناير والدفاع عن كل ميادين التحرير ضد بلطجية النظام السابق الرسمية وغير الرسمية، ولولا هؤلاء لما كان هذا البرلمان».

ويشير حجازي إلى أن الحقوق والمبادئ الثلاثة التي قامت الثورة من أجلها هي «الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية»، وأنه عندما تترجم هذه المبادئ إلى قرارات وسياسات وأحكام قضائية رادعة، ستهدأ كل المظاهر الاحتجاجية، وترجع هيبة ومكانة جميع مؤسسات وأجهزة الدولة.