واشنطن: اجتماع قريب لمجموعة «اصدقاء سوريا».. وتركيا تتشاور حول مؤتمر دولي

داوود أوغلو اليوم في أميركا.. و ميدفيديف يطرح العودة إلى مجلس الأمن

أحد سكان حمص يمسك بشظية إحدى القذائف التي استهدفت المبنى الرياضي في المدينة («أوغاريت»)
TT

قال البيت الأبيض، أمس، إن الولايات المتحدة تأمل عقد اجتماع مع الشركاء الدوليين قريبا للاتفاق على الخطوات القادمة لوقف قتل المدنيين في سوريا، وسيتضمن ذلك على الأرجح تقديم مساعدات إنسانية.

وأعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ما كانت «الشرق الأوسط» كشفت عنه أمس من اتجاه تركي للدعوة إلى مؤتمر دولي حول الوضع السوري، فيما قلل مسؤولون أتراك من أهمية «الوعود» التي أطلقها الرئيس السوري بشار الأسد خلال استقباله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وقال مصدر رسمي تركي لـ«الشرق الأوسط» أمس إن الرئيس السوري بشار «الأسد فقد مصداقيته لدينا ولا نثق بوعوده التي سمعناها منذ نحو سنة من دون أن نرى أي ترجمة فعلية». وأشار المصدر إلى أن أنقرة تريد من المؤتمر الدولي «إشراك دول العالم في الدفاع عن الشعب السوري الذي يتعرض لأبشع الحملات دموية». ونفى المصدر قيام تركيا بتسليح المعارضين وتدريبهم، مشيرا إلى أن أي عمل مماثل يجب أن ينطلق من إطار أوسع من قرار دولة مهما كان الملف (السوري) حساسا بالنسبة إليها.

في غضون ذلك قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إنه يريد أن يتواصل البحث عن حل للأزمة السورية بما في ذلك داخل مجلس الأمن الدولي، بحسب ما أفاد الكرملين أمس. وقال الكرملين إن ميدفيديف أكد في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على «ضرورة الاستمرار في البحث (بما في ذلك في مجلس الأمن الدولي) عن سبل منسقة لمساعدة السوريين على ضبط الأزمة بأنفسهم».

وأضاف أن ذلك يجب أن يحدث «دون تدخل خارجي، وباحترام تام لسيادة سوريا»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

من جانبه طلب الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، أمس، من نظيره الروسي، ديمتري ميدفيديف، «دعمه الكامل» لخطة الجامعة العربية من أجل إقناع الرئيس السوري، بشار الأسد، بالتنحي، كما ذكرت الرئاسة الفرنسية.

وأضافت الرئاسة في بيان أن ساركوزي شدد أيضا خلال اتصال هاتفي مع ميدفيديف على «ضرورة زيادة الضغوط على النظام السوري لوقف القمع الوحشي ضد الشعب.

وأوضح مصدر رسمي أميركي مطلع على الملف السوري أن هناك مساعي جدية في تشكيل «مجموعة أصدقاء سوريا»، إلا أن القضية ما زالت «في مرحلة وضع الأسس المبدئية». ويجري مسؤولون عرب وأميركيون وأوروبيون مشاورات موسعة حول كيفية تفعيل المجموعة بشكل رسمي، التي قال المصدر الأميركي إن هدفها الرئيسي سيكون «دعم الوقف الفوري للعنف والعمل على الانتقال إلى الديمقراطية في سوريا». وأضاف المصدر أنه «ما زال من المبكر الحديث عن شكل المجموعة، إذ إن المشاورات ما زالت جارية حولها، ولكن نريد تحقيق ذلك عاجلا بدلا من التأخير، فالجميع يتفهمون ضرورة العمل السريع لمواجهة ما يحدث على واقع الأرض».

وتعول واشنطن والعواصم الأوروبية على اجتماع الوزراء العرب يوم الأحد المقبل في وضع خطة للمرحلة المقبلة لمعالجة الأزمة السورية، إذ من المتوقع أن يكون الاجتماع جوهريا في تحديد شكل «مجموعة الأصدقاء». كما سيناقش وزير خارجية تركيا أحمد داود أغلو هذه الآلية الدولية الجديدة خلال زيارته واشنطن غدا.

ويذكر أن آلية إنشاء «مجموعة أصدقاء» استخدمت في السابق بين دول معنية بمصير دولة أو أخرى، مثل «مجموعة أصدقاء اليمن»، ولكن آلية «مجموعة أصدقاء ليبيا» التي انتهجت قبل الحرب في ليبيا تعتبر النموذج الأقرب في تحديد شكل المجموعة الدولية المرتقبة للدول المؤيدة للتغيير السلمي للسلطة في سوريا. ولكن هناك قضايا عدة لم تحدد بعد حول شكل هذه المجموعة، مثل الدولة التي ستترأسها، أو ما إذا كانت ستتبع نفس شكل المجموعة الليبية التي كانت رئاستها تتغير بشكل دوري وتتشارك دولة عربية ودولة غربية في رئاستها. وتواصل الدبلوماسية الفرنسية اتصالاتها لترجمة مشروع الرئيس نيكولا ساركوزي بتشكيل «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» إلى واقع، بينما يبدو أن هناك تنافسا بين المساعي الفرنسية والمبادرة التركية التي أعلن عنها، أمس، وزير الخارجية أحمد داود أوغلو.

وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس تأمل أن يعقد الاجتماع الأول للمجموعة خلال الأيام الـ10 المقبلة من دون أن تحدد مكان الاجتماع. لكن المسلم به هو أن يعقد الاجتماع الأول في العاصمة الفرنسية، وذلك على غرار ما حصل في الملف الليبي، حيث التأمت «مجموعة الاتصال» لأول مرة في باريس قبل أن تعقد اجتماعها الثاني في لندن، ثم الاجتماعات اللاحقة في مدن أخرى منها إسطنبول.

ويبدأ داود أوغلو زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، سيكون الملف السوري جزءا أساسيا من مباحثاتها، وأوضح الناطق بلسان الخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط» أمس أن هذه الزيارة المقررة سلفا ستضم أكثر من ملف أساسي وحساس بالنسبة إلى تركيا، كالملف النووي الإيراني وملف مكافحة الإرهاب والتعاون مع الولايات المتحدة في محاربته، كما سيكون الملف السوري جزءا منها، حيث سيجري استكمال المناقشات التي بدأها داود أوغلو مع وزيرة الخارجية الأميركية في ميونيخ الأسبوع الماضي.

وقال داود أوغلو إنه يجب على المجتمع الدولي أن يبعث برسالة دعم قوية للشعب السوري ويقدم مساعدات لسكان مدينة حمص التي يهاجمها الجيش بالمدفعية. وأكد استعداد تركيا لاستضافة مؤتمر دولي لدعم الشعب السوري وتوجيه رسالة للرئيس بشار الأسد لوقف حملة مستمرة منذ 11 شهرا ضد معارضيه. وأضاف أنه إذا فشل مجلس الأمن الدولي في حماية المدنيين فينبغي للدول التي تتبنى فكرا مشتركا إيجاد سبل لإنهاء القتل وتوصيل المساعدات للمدنيين المحاصرين بسبب هجوم الجيش. وأشار إلى أن بلاده «تريد بالتأكيد انعقاد هذا الاجتماع في منطقتنا لإظهار القلق والحساسيات وإبداء التضامن والاهتمام الإقليمي.. ربما في تركيا أو في بلد آخر، لأن وضع المتفرج لا يكفي. حان وقت توجيه رسالة قوية للشعب السوري بأننا معهم».

وقال داود أوغلو إن بلاده لن تسمح باستمرار سفك الدماء في سوريا وبعدم استقرار المنطقة، محذرا الإدارة السورية مجددا من العزلة، آملا «ألا تتحول سوريا التي تقع في قلب الشرق الأوسط إلى كوريا شمالية أخرى»، غير أنه استبعد مجددا التدخل العسكري في سوريا.

وتلتقي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اليوم للتباحث مع نظيرها وزير التركي أحمد داود أوغلو حول الأوضاع في سوريا والمبادرة التركية الرامية لتشكيل تحالف دولي لوقف العنف الذي تمارسه الحكومة السورية ضد شعبها. ويطرح أوغلو المبادرة التركية التي تدعو إلى عقد مؤتمر دولي لمناقشة الأزمة السورية بمشاركة أطراف من الدول الأعضاء بالجامعة العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تستضيفه إسطنبول، بهدف وقف المذابح الدموية ضد المدنيين العزل في سوريا.

وأوضح مسؤول بالبيت الأبيض أن وزير الخارجية التركي سيعقد اجتماعا آخر مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للتوصل لتفاهم حول سبل وقف العنف في سوريا دون القيام بتدخل عسكري. وأكد مسؤول البيت الأبيض أن إدارة الرئيس أوباما لا تفكر في شن حملة عسكرية على سوريا، وغير مطروح للنقاش فكرة تسليح المتمردين لمساعدة المعارضة السورية على إزاحة الرئيس بشار الأسد من السلطة، وقال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها الإدارة الأميركية الآن تعتمد على تنسيق استراتيجية دولية لتشديد العقوبات من جانب، والبحث عن منفذ لتوصيل المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين في سوريا من جانب آخر. وأكد أن الولايات المتحدة تعمل مع شركائها الدوليين لزيادة الضغط على النظام السوري وفرض مزيد من العزلة على الرئيس بشار الأسد.

ونفى المسؤول الأميركي أن تكون الاتصالات الأميركية مع الدول الشركاء الدوليين تشابه إعداد فريق للاتصال على غرار الفريق الذي أشرف على المساعدة الدولية للمتمردين الليبيين.