اجتماع وزراء الخارجية العرب: قوة حفظ سلام عربية ـ دولية.. ودعم المعارضة السورية

الفيصل: فشلت أنصاف الحلول.. وعار علينا أن نرضخ لما يحصل * السعودية تنفي تقديم مشروع قرار للأمم المتحدة حول سوريا

الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري يلقي خطابه أمام وزراء الخارجية العرب في القاهرة، أمس (إ.ب.أ)
TT

بعد أسبوع من فشل مجلس الأمن الدولي في التصويت على قرار يدين المجازر التي يرتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد مواطنيه، قررت الجامعة العربية بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة أمس، دعوة مجلس الأمن إلى إصدار قرار بتشكيل «قوة حفظ سلام عربية - أممية للمراقبة»، وإنهاء مهمة بعثة المراقبين العربية، وتوفير «كل أشكال الدعم السياسي والمادي» للمعارضة السورية، وقطع الاتصالات الدبلوماسية مع النظام. بينما تم الاتفاق على عقد مؤتمر «أصدقاء سوريا» في تونس في 24 فبراير (شباط) الجاري. وفي الوقت الذي نفت فيه السعودية قيامها بتقديم مشروع قرار متعلق بالأزمة السورية للأمم المتحدة، أمس، قال الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية السعودية، بأن ما يحدث في سوريا هو حملة تطهير شاملة للتنكيل بالشعب السوري.

وطالب الأمير سعود الفيصل في كلمة ألقاها أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب، أمس، بتشديد تطبيق عقوبات اقتصادية وسياسية على دمشق، إضافة إلى فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتقديم كل أشكال الدعم لها.

ووصف وزير الخارجية السعودي وقوف العرب والمسلمين على دماء الأرواح الزكية في سوريا والرضوخ بـ«العار»، مع تأكيده على أن الأرواح التي أزهقت «لا يمكن أن تذهب سدى، وأن من ثبت تورطه في هذه الأعمال الشائنة يجب أن تطاله العدالة الدولية وأن يعرض أمره على محكمة الجنايات الدولية».

وتزامن حديث المسؤول الأول في وزارة الخارجية السعودية من القاهرة، مع نفي السعودية ما تردد من أنباء إعلامية حول تقديم الرياض قرارا للجمعية العمومية للأمم المتحدة بشأن الأزمة السورية.

وهنا علق مصدر دبلوماسي لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن ما حدث في الأمم المتحدة هو اجتماع عادي لمجلس السفراء العرب، وبحثوا كيفية التعامل مع نقض الفيتو الروسي - الصيني لقرار الأمم المتحدة المتعلق بالأحداث الدامية في سوريا، وانبثق منهم اقتراح يتلخص بالتأكيد على أن الصيغة المسربة لوسائل الأعلام هي ذاتها المقدمة لمجلس الأمن.

وأضاف المصدر أن مجلس السفراء العرب عقب تداولهم لمسودة القرار ارتأوا أن يتم التريث لما بعد الاجتماع العربي الذي انعقد في القاهرة، والاطلاع على القرارات التي خرجت من الجامعة العربية.

ولفت المصدر خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى القول إن سفراء المجلس العربي سوف يتحركون في اتجاهات محددة تستند بالدرجة الأساسية على القرارات العربية، دونما إضافات.

وصرح مصدر مسؤول بوزارة الخارجية في بيان له بثته وكالة الأنباء السعودية أمس بأن المجموعة العربية بالأمم المتحدة عقدت اجتماعا للبحث في إمكانية التقدم بمشروع قرار للجمعية العامة باسم المجموعة يشتمل على نفس مسودة القرار الذي قدمته المغرب لمجلس الأمن وحظي بتأييد واسع من 13 دولة عضوا وأجهض بالفيتو الروسي - الصيني.

وزاد المصدر: «رأت المجموعة العربية التريث في ذلك حتى انتهاء اجتماع مجلس الجامعة العربية المقرر عقده بالقاهرة الأحد (أمس) وما يصدر عنه من قرارات على ضوء المستجدات في سوريا وعلى الساحة الدولية».

وبالعودة إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي، أشار الفيصل إلى «تراخي وتقاعس» عدد من الدول الأجنبية، مع تنويه بوصف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى اهتزاز ثقة العالم أجمع في الأمم المتحدة وفشله، وهو المعني بمسألة الأمن، وهو المنوط به حفظ الأمن والسلم الدوليين، في التعامل الجاد مع الأزمة السورية، وتابع قائلا: «وهو الأمر الذي جعل النظام السوري يتمادى في قمعه وقتله لأبناء شعبه دون أي شفقة أو رحمة».

وزاد: «إن ما يحدث في سوريا هو حملة تطهير جماعية للتنكيل بالشعب السوري وفرض سيطرة الدولة عليه دون أي اعتبارات إنسانية أو أخلاقية أو دينية، فهل يستدعي حفظ الأمن (كما يدعي النظام) تدمير أحياء بالكامل بالأسلحة الثقيلة والصواريخ؟ وكيف يمكن التسليم بزعم أنها حرب إرهابية؟ فهل يصدق العقل امتلاك الإرهابيين لدبابات يقصفون بها المدن؟ ولأي غرض؟». وأضاف: «إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حذر من هذه النتيجة المأساوية عندما وجه في أغسطس (آب) رسالة لأشقائه في سوريا طالبهم فيها بالتعامل مع تلك الأحداث بالحكمة والعقل، باعتبار أن ما يحدث في سوريا ليس من الدين الحنيف في شيء، وليس من القيم والأخلاق العربية في شيء».

واستطرد: «منذ بداية الأزمة في الحادي عشر من مارس (آذار) 2011 وحتى اليوم، بدا واضحا للعيان أن الأحداث في سوريا بدأت تتداعى بشكل مأساوي وعنيف، وكأننا بأشلاء الموتى وجثث القتلى تستصرخ كل مسلم تقي، ونخوة كل عربي أبي، بأي ذنب قتلت؟ وكأننا بأنين الجرحى ونحيب الأمهات الثكالى، نصم آذاننا نهارا جهارا ماذا فعلتم لحمايتنا ونصرتنا؟».

وتساءل وزير الخارجية: «ماذا فعلتم لحمايتنا ونصرتنا بعد أن تجاوز عدد قتلانا ستة آلاف قتيل؟ لم يسلم منها حتى الشيوخ والنساء ومئات الأطفال علاوة على عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين بعاهات مستديمة فقدوا بسببها أطرافهم وبصرهم، ماذا فعلتم لحمايتنا بعد أن تجاوز عدد معتقلينا سبعين ألفا بلا ذنب أو جريرة؟ ماذا فعلتم لنصرتنا بعد أن تجاوز عدد النازحين العشرة آلاف ينشدون الأمان خارج وطنهم؟ ماذا فعلتم لنصرتنا بعد أن تمت إبادة أحياء بكاملها في حماه وحمص خصوصا الخالدية وبابا عمرو وغيرها وتشريد أهاليها في العراء يتضورون جوعا يقتاتون من صناديق القمامة ويشعلونها للاستدفاء بها وأطفالهم من شدة البرد القارس؟».

وبين الأمير سعود الفيصل أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حذر من هذه النتيجة المأساوية عندما وجه في رمضان الماضي رسالة لأشقائه في سوريا طالبهم فيها بالتعامل مع تلك الأحداث بالحكمة والعقل، باعتبار أن ما يحدث في سوريا ليس من الدين الحنيف في شيء، وليس من القيم والأخلاق العربية في شيء، موضحا في الوقت ذاته أن الأوضاع في سوريا وصلت إلى مفترق طرق لا يعلم سوى الله إلى أين ستؤدي، ومشددا على أن المملكة العربية السعودية لا يمكن بحال من الأحوال أن تقبل بما يحدث في سوريا، وأن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، ومؤكدا على أن مستقبل سوريا أصبح بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع.

وزاد: «للأسف الشديد لقد تبين مع مرور الوقت أن القيادة السورية فضلت الخيار الثاني وقررت المضي في قتل شعبها وتدمير بلادها من أجل الحفاظ على السلطة».

وأضاف وزير الخارجية: «لا بد من التنويه هنا بأن تراخي البعض وتقاعس بعض الدول الأجنبية، ناهيك عن فشل مجلس الأمن الدولي المعني بمسألة حفظ الأمن والسلم الدوليين، في التعامل الجاد مع هذه الأزمة، كل ذلك أدى، كما وصف خادم الحرمين الشريفين مؤخرا، إلى اهتزاز ثقة العالم كله في الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي جعل النظام السوري يتمادى في قمعه وقتله لأبناء شعبه دون أي شفقة أو رحمة».

وتساءل الأمير سعود الفيصل بعد كل الأحدث الدامية في سوريا «ألا يحق لنا أن نتساءل إلى متى نبقى متفرجين تجاه ما يحدث للشعب السوري الشقيق؟ وإلى متى نظل نمنح النظام السوري المهلة تلو المهلة لكي يرتكب المزيد من المذابح ضد شعبه؟». وطالب بإجراءات حاسمة وفورية بعد فشل «أنصاف الحلول» في وقف مجزرة سوريا التي ما فتئت تتفاقم دون أي بارقة أمل لحل قريب يرفع معاناة الشعب السوري الشقيق ويحقن دماءه.

ورأى أن المجلس العربي لا ينبغي أن يتهاون مع حجم التصعيد الخطير الذي تشهده سوريا في ظل خيبة الأمل من موقف مجلس الأمن الدولي، كما أنه يتعين على الجامعة أن تنظر مجددا في مبادراتها على نحو يتفق مع هذه المستجدات، والعمل على اتخاذ إجراءات فورية وصارمة ضد النظام السوري، والتشديد في تطبيق عقوباتها الاقتصادية والسياسية، وفتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية، وتقديم كل أشكال الدعم لها.

وأضاف: «لقد أكدنا في شتى المواقف والمحافل وما زلنا نؤكد عدم رغبتنا في التدخل العسكري تحت أي ظرف من الظروف، ودعونا مخلصين إلى تجنيب سوريا مخاطر الصراعات الأهلية المدمرة أو الانزلاق إلى الفوضى والخراب والدمار، إلا أنه بات واضحا لنا جميعا عدم التزام الحكومة السورية بهذه المبادرات أو التعاون الجاد معها وإصرارها على الاستمرار في تدمير سوريا بأكملها، أرضا وشعبا، فهل سنقف صامتين أمام هذا الحدث الجلل؟ وهل ترضى ضمائرنا أن يستمر النظام السوري في التنكيل بالشعب وقتله وتعذيبه؟ وهل لا يزال بيننا من يرغب في إعطاء فرصة أخرى للنظام لكي يتمادي في ممارساته؟».

وختم بالقول: «إذا كان الأمر كذلك فإنه عار علينا كمسلمين وكعرب أن نرضخ لهذا الأمر ونقبل به، إن الدماء الزكية التي تراق كل يوم على أرض سوريا الحبيبة لا يمكن أن تذهب هدرا، وإن الدموع التي تذرف كل يوم من عيون الأمهات والأطفال والشيوخ لا يمكن أن تذهب سدى، وإن من ثبت تورطه في هذه الأعمال الشائنة يجب أن تطاله العدالة الدولية وأن يعرض أمره على محكمة الجنايات الدولية».

وبعد أن ألقى وزير الخارجية السعودي كلمته استؤنف الاجتماع بشكل مغلق. وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقدوا اجتماعا في القاهرة قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب.

وجاء في البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب إنهاء مهمة مراقبي جامعة الدول العربية، المشكلة بموجب البروتوكول الموقع عليه بين الحكومة السورية والأمانة العامة، ودعوة مجلس الأمن إلى إصدار قرار بتشكيل قوات حفظ سلام عربية - أممية مشتركة، للمراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار.

كما قرر الوزراء العرب «فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتوفير كل أشكال الدعم السياسي والمادي لها ودعوتها لتوحيد صفوفها والدخول في حوار جاد يحفظ لها تماسكها وفعاليتها».

وفي مجال العقوبات على سوريا دعا البيان الختامي إلى «التشديد على تطبيق العقوبات الاقتصادية ووقف التعاملات التجارية مع النظام السوري ما عدا ما له مساس مباشر بالمواطنين السوريين». كما دعا القرار إلى «وقف كل أشكال التعاون الدبلوماسي مع ممثلي النظام السوري في الدول والهيئات والمؤتمرات الدولية، ودعوة كل الدول الحريصة على أرواح الشعب السوري إلى مواكبة الإجراءات العربية بهذا الشأن». وفي وقت سابق أمس قدم محمد الدابي، رئيس بعثة المراقبين العرب في سوريا، استقالته من منصبه، كما صرح مصدر رسمي في الجامعة العربية. وفي غضون ذلك صرحت مصادر بأن العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، «اقترح تعيين وزير خارجية الأردن الأسبق عبد الإله الخطيب مبعوثا له إلى سوريا»، بحسب وكالة رويترز.

وفي تطور لاحق أمس، أعلنت سوريا رفضها للقرارات العربية «جملة وتفصيلا»، واعتبرت أنها «غير معنية» بأي قرار يصدر بغيابها. وقال السفير السوري لدى مصر والجامعة العربية، يوسف أحمد، في بيان: «إن الجمهورية العربية السورية ترفض قرار جامعة الدول العربية الصادر اليوم (أمس) جملة وتفصيلا، وهي قد أكدت منذ البداية أنها غير معنية بأي قرار يصدر عن جامعة الدول العربية في غيابها».