مظاهرات طلابية.. و«الثورة» تهدد النظام في عقر داره بدمشق وحلب

الجيش السوري يحاصر أحياء قريبة من القصر الرئاسي.. ويواجه منشقين في ثاني أكبر مدن سوريا

احتجاجات بدرعا أمس ضد نظام الأسد (أوغاريت)
TT

توسعت رقعة العمليات العسكرية التي قامت بها قوات الأمن السورية بشكل لافت أمس، وطال حصارها الأمني أحياء عدة في العاصمة السورية دمشق، وتحديدا في برزة والمزة والمهاجرين، وهي أحياء قريبة جدا من القصر الرئاسي، في حين أسفرت اشتباكات بين الجيش النظامي ومجموعة من «الجيش السوري الحر» إلى مقتل 20 شخصا على الأقل، بينهم ضابط أمني برتبة مقدم في بلدة الأتارب، الواقعة في ريف حلب، ثاني أكبر المدن السورية.

وقال أحد القياديين البارزين في «لجان التنسيق المحلية» في سوريا لـ«الشرق الأوسط» أن «التطور أمس في حراك مدينتي دمشق وحلب، اللتين تعدان معاقل النظام السوري سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا. هو دليل على أنه لن تبقى للنظام منطقة هادئة أو صامتة»، موضحا «إننا كنا نعلم مسبقا بان الناشطين في حلب ودمشق هم في خضم الثورة منذ بدايتها، لكنهم اليوم أصبحوا أكثر جرأة وقادرين على التحرك بشكل أكثر فاعلية». وشدد على أن «حصار النظام لأحياء في مدينة دمشق وانتشار وحداته العسكرية في المناطق والشوارع الرئيسية في مدينة حلب خير دليل على أن أزمة النظام باتت أكثر استفحالا وأن الثورة تحاصره في معاقله».

وكانت لجان التنسيق المحلية أفادت بأن «عناصر جيش النظام قامت باقتحام حي برزة بواسطة المدرعات وفي ظل إطلاق نار كثيف من أسلحة ثقيلة، كما تم وضع عمل حواجز على جميع مداخل الحي وسط انتشار كثيف للأمن والجيش». وذكرت أن «عناصر الأمن والجيش قاموا بإطلاق النار بشكل عشوائي واعتقال المارة من الشوارع وتكسير عدد من المحلات التجارية ونهبها».

وقال احد الناشطين لـ«الشرق الأوسط» أن «قوات الأمن حاصرت أحياء دمشق كالقابون، والزاهرة، وركن الدين، والميدان، والقدم إضافة إلى أحياء برزة والمزة والمهاجرين، وهي احياء قريبة جدا من القصر الجمهوري».

وخرجت مظاهرات طلابية ونسائية في أكثر من منطقة وحي، في المزة وبرزة والقابون والقدم والحلبوني وسط العاصمة، في حين قامت قوات الأمن والشبيحة يوم أمس بحملة مداهمات واعتقالات واسعة في حي برزة، وقال ناشطون في حي برزة إن حيهم شهد يوم أمس منذ الصباح الباكر «أشرس حملة أمنية» منذ انطلاق الثورة، وأن عملية المداهمة بدأت عند الساعة السادسة صباحا حيث تم نشر عدد كبير من العناصر على جميع مداخل حي برزة، بالإضافة لعدد من المدرعات المطلية باللون الأزرق، وترافق ذلك مع نشر للقناصة على الأبنية المرتفعة، ونصب رشاشات قرب مجمع الخدمات. وبحسب مصادر محلية شوهدت قوات مشتركة من المخابرات الجوية والفرقة الرابعة في الجيش النظامي ومن فرق أخرى. وبدأت المداهمة من ساحة الخضر التي يجري عادة فيها التجمع للتظاهر حيث اقتحمت معظم البيوت والمحلات التجارية في الساحة وكسرت أبوابها وخربت من الداخل، بعدها امتدت حملة المداهمة إلى جميع الحارات من دون استثناء وجرى تمشيطها منزلا منزلا واشتدت الحملة في حارة الحمام وجادة الجناين وجادة سيلا وجميع الحارات في منطقة الضيعة.

وفي باقي الحارات، تم مداهمة بعض الأبنية حسب القوائم الموجودة. وقال ناشطون إن بعض البيوت تمت مداهمتها من مرتين إلى ثلاث مرات، من قبل مجموعات مختلفة من القوات النظامية، تتباين طرق معاملتهم مع السكان، منهم من كانت يداهم بدون التعرض لهم بالإهانة ومنهم من كان يقوم بأعمال استفزازية وانتقامية مع توجيه سباب وشتائم وإهانات مخزية وجرى اعتقال أكثر من مائة شاب، وكل من وجد لديه قطعة سلاح حتى لو كان مرخصا. وقال سكان إنه خلال حملة المداهمات قام تلاميذ إحدى المدارس الابتدائية بالتكبير والهتاف ضد الجيش، فجرى اقتحام المدرسة من قبل خمس وعشرون جنديا بالعتاد الكامل، ومكثوا فيها وقتا قصيرا روعوا خلال الأطفال وخرجوا. وعند الظهيرة سمع في الحي إطلاق نار من مدرعات «بي تي آر» التي كانت تتجول في المنطقة، تبعها إطلاق نار من قناصة. كما شوهدت سيارات «بيك آب» نصبت عليها مضادات طيران وباصات تقل عناصر أمن وشبيحة ومدرعات وسيارات جيب أمنية وسيارات تاكسي مع سيارات إسعاف تحمل عناصر من المخابرات الجوية. وقال ناشطون إن مظاهرة خرجت في الحي بعد انتهاء المداهمة وتمركز القوات في مكان معين، إلا أنه تمت مهاجمة المظاهرة واعتقل مصور سويدي الجنسية كان موجود في المظاهرة. كما تجدد إطلاق النار وقال ناشطون في معلومات غير مؤكدة إن سبب المداهمات في حي برزة وإطلاق النار الكثيف هو حصول انشقاق حيث جرت اشتباكات عند طريق مشفى تشرين العسكري، وعلى الأرجح أنه تم قتل الجنود المنشقين.

بالتزامن مع اقتحام حي برزة قام ناشطون في الثورة في حي ركن الدين القريب من برزة بقطع جزئي لشارع صلاح الدين بالحاويات ورمي مناشير ثورية مع حملة بخ عبارات ثورية على الجدران، للتخفيف عن برزة، وفي حي القابون القريب من برزة قام شباب هناك بقطع طريق السريع بالإطارات المشتعلة، إلا أن دورية أمنية وصلت إلى هناك ومعها سيارات بيك آب نصبت عليها رشاشات، وأطلقوا النار على الشباب الذين قطعوا الطريق. وفي حي القدم قام شباب بقطع الطريق الدولي القديم دمشق – عمان، وأشعلوا إطارات هناك إلى أن وصلت قوات الأمن والجيش وتم إطلاق النار لفتح الطريق.

في حي المزة، تحول تشييع الشاب أسامة أحمد شعبان الذي قضى متأثرا بجراحه بعد إصابته برصاص قوات الأمن في مظاهرة خرجت يوم الجمعة الماضي، وقامت قوات الأمن بمهاجمة المشيعين لدى خروجهم من جامع المصطفى، وأطلقت النار لتفريقهم، وكانت مظاهرة نسائية خرجت قبل التشييع بعدة ساعات يوم أمس في حي المزة القديمة هتفت للحرية وفك الحصار عن حمص والمدن المحاصرة. كما خرجت ظهر يوم أمس مظاهرة طلابية في منطقة الحلبوني وسط العاصمة وقريبا من جامعة دمشق بمشاركة طلاب ثانوية الأندلس وفايز منصور، وقام الشبيحة بتفريقها على الفور. وخرجت مظاهرة طلابية أخرى في حي القابون من ثانوية «عبد الغني الباجقني» لنصرة للمدن المنكوبة، ونادت بإعدام الرئيس. وفي حي الميدان قامت قوات الأمن والشبيحة باعتقال ثلاثة طلاب وخمس طالبات من أمام مدرسة زين العابدين بعد خروج مظاهرة طلابية من هناك. وفي كلية الصيدلة بجامعة دمشق قام طلاب من الكلية بتوزيع علب أدوية ما سموه «حبوب الحرية» وهي عبارة عن علب تحمل علم الاستقلال وفيها مناشير ثورية. وشوهد يوم أمس انتشار أمني كثيف في عدة مناطق وأحياء داخل العاصمة منها ساحة شمدين، عدوي، قصور، شارع بغداد، حيث انتشر عدد كبير من الحافلات التي تقل عناصر أمن وشبيحة وسيارات أمنية وسيارات «بيك أب» المحملة برشاشات وحواجز طيارة بالساحات.

وسمع صوت انفجار قنبلة صوتية في محيط فندق الشام في الوسط التجاري للعاصمة، كما سمعت أصوات انفجارات متتالية في ضاحية قدسية لم يعرف سببها. أما في مدينة جديدة عرطوز في ريف دمشق والتي تشهد إضرابا منذ ثلاثة أيام تحول تشييع حمدة جندل (50 عاما) إلى مظاهرة عارمة، وقال ناشطون أن السيدة حمدة قتل برصاص الأمن خلال الاقتحام الذي قامت به قوات مساء أول من أمس للمدينة، واعتقالها ما يزيد عن 100 شاب، واستمرت المظاهرات عقب التشييع لعدة ساعات احتجاجا على عدم تسليم جثة مصطفى غصن الذي قضى برصاص الأمن إلا بشرط تسليم أخوته للأمن. واستنكار للاقتحام الشرس الذي تعرضت له مدينة جديدة عرطوز ليل أول من أمس.

وتبادل النظام السوري والمعارضة الاتهامات بشأن المسؤول عن تفجير أنبوب النفط، وهي حادثة تتكرر بشكل لافت في الفترة الأخيرة في سوريا، في وقت ذكر فيه «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «النيران اشتعلت بخط نقل نفط يمر في بساتين حي بابا عمرو الذي يتعرض للقصف»، متحدثا عن «سقوط قذائف بشكل متقطع على أحياء الإنشاءات وكرم الزيتون والبياضة في حمص».

وفي حين أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» أن «مجموعة إرهابية مسلحة استهدفت نحو الساعة الثالثة من فجر أمس بعملية تخريبية، خطا لنقل المازوت في منطقة بين بابا عمرو والسلطانية في حمص، وهو خط يتبع لشركة محروقات حمص، بقطر 12 إنشا ويغذي خزانات عدرا التي تسهم بتأمين مادة المازوت لدمشق والمنطقة الجنوبية»، نقلت وكالة «الصحافة الفرنسية» عن عضو الهيئة العامة للثورة السورية هادي العبد الله قوله أنه «تم قصف أنبوب النفط للمرة الثالثة في حمص». وذكر أن «القصف هذه المرة كان بطيران حربي».

وفي دير الزور، اقتحمت وحدات من الأمن و«الشبيحة» مدينة العشارة، حيث قاموا بحملات دهم واعتقالات عشوائية وسط إطلاق نار متقطع بحثا عن معارضين وناشطين. وأسفرت حملة الاعتقالات وفق «المرصد السوري» عن اعتقال 16 مواطنا. وأشار المرصد إلى أن «شابا توفي في بلدة حرستا متأثرا بجروح أصيب بها مساء أول من أمس إثر انفجار قنبلة داخل سيارته بعد مروره من حاجز أمني، حيث اتهم ناشطون من البلدة عناصر الحاجز بوضع القنبلة داخل السيارة».

وقال ناشطون إن حصارا كاملا بالدبابات والمدرعات ومختلف أنواع الآليات العسكرية تشهده مدينة حماة منذ يومين، مع منع كامل للحركة في القسم الشمالي من المدينة والممتد من نهر العاصي وحتى المدخل الشمالي للمدينة، مع قطع كل الطرق الواصلة بين منطقتي السوق والحاضر، وقد شوهدت أعمدة من الدخان تتصاعد من المنازل في حي الحميدية تزامنا مع قصف عنيف بدأ عند الساعة العاشرة من صباح أمس استهدف البيوت السكنية والمدنيين بشكل مباشر بعدها شوهدت نحو 12 سيارة تويوتا تحمل رشاشات مع سيارات جيب تدخل إلى منطقة الحميدية من جهة البارودية من جانب مبنى النفوس. حيث بدأت حملة مداهمات واعتقالات كبيرة في أحياء الحميدية والشرقية والبارودية والأميرية وذلك في ملاحقة لعناصر الجيش الحر، الذين أكد أهالي الحي أنهم انسحبوا قبل أسبوعين من الحي بعد اقتحامه.

من جانب آخر تحركت مجموعة من الدبابات من ساحة العاصي إلى حي الحاضر وشوهد رتل عسكري نحو الساعة الرابعة عصرا متجه من منطقة الحاضر إلى شارع العلمين. والرتل كان مؤلفا من 13 دبابة و12 مصفحة مدولبة مع شاحنتين على ظهرهما رشاشان مضادان للطيران وثلاثة باصات أمن مع سيارة شحن كبيرة كالتي يستخدمها الأمن العسكري للاعتقال مع خمس سيارات زيل محملة بقوات الأمن والشبيحة.