المعارضة تسعى لمحو اسم الأسد من الخريطة السورية

تعتمد على «ماب ميكر» بهدف إعادة تسمية الشوارع الرئيسية والجسور لتحمل أسماء أبطال الثورة

TT

ما إن تنتصر الثورات حتى تتخلص من اللافتات التي تحمل أسماء رموز الأنظمة التي أطاحت بها، ولكن المعارضة السورية لا تنتظر سقوط بشار الأسد حتى تقوم بذلك، حيث بدأ نشطاء مناهضون للحكومة السورية خلال الأسابيع الأخيرة في استخدام برنامج على «غوغل» يسمى «ماب ميكر» بهدف إعادة تسمية الشوارع الرئيسية والجسور لتحمل أسماء أبطال الثورة السورية، حسب تصريحات شخصيات من المعارضة والحكومة السورية. ويقول النشطاء إن هذه الفكرة تهدف إلى محو بقايا حكم عائلة الأسد الذي امتد على مدار 40 عاما، وإلى إحياء ذكرى المحتجين الذين سقطوا على مدار 11 شهرا منذ بداية الثورة. وقال رضوان زيادة، وهو ممثل عن المجلس الوطني السوري في المنفى: «لديهم الحق في أن يبقوا في ذاكرة السوريين.. إنهم يصنعون تاريخا جديدا».

وقد تغيرت الأسماء على «غوغل» بمرور الوقت، حيث تم تحديث الخرائط بمقترحات من جانب المستخدمين بعد موافقة مستخدمين آخرين ومحرري «غوغل». وتختلف الأسماء الموجودة على «غوغل مابس» في بعض الأحيان عن الأسماء الموجودة على برنامج «غوغل إيرث». ومع ذلك، كانت المحصلة النهائية هي وجود خليط من الأسماء الخاصة بحقبة الرئيس الأسد والأسماء الثورية، وتوجد بعض هذه الأسماء جنبا إلى جنب في بعض الأحيان.

وقال رامي نخلة، وهو أحد رموز المعارضة السورية في الخارج، إن حملة تغيير الأسماء قد بدأت قبل شهرين على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، ولكنها سرعان ما لفتت انتباه الحكومة السورية. وخلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي، اتهم بشار الجعفري، وهو مبعوث سوريا لدى الأمم المتحدة، شركة «غوغل» بالتورط في مؤامرة أجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا بهدف تقويض حكم الرئيس السوري. وفي إشارة إلى تغيير أسماء الشوارع في حمص وإدلب، تساءل الجعفري: «ما علاقة (غوغل) بأسماء الشوارع في القرى والمدن السورية الصغيرة؟ يعد هذا انتهاكا صارخا للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرار جامعة الدول العربية بتوحيد الأسماء الجغرافية».

ولم تقتصر حملة إعادة تسمية الشوارع على شبكة الإنترنت، حيث قام بعض المعارضين بتغيير اللافتات التي تحمل أسماء الشوارع بأيديهم. وقال زيادة إن الناشطين في مدينته، داريا، قد مزقوا لافتة في أحد الشوارع لأنها تحمل اسم الشقيق الأكبر للرئيس الأسد، باسل الأسد، الذي توفي في حادث سيارة عام 1994. وقاموا بدلا من ذلك بوضع لافتة تحمل اسم الناشط غياث مطر، وهو الشاب الذي قتل أثناء الثورة وهو في الرابعة والعشرين من عمره وكان معروفا بمبادرته لتقديم الورود للجنود السوريين.

وقد استخدم المعارضون في جميع أنحاء الشرق الأوسط الإنترنت، ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي، لحشد التأييد الشعبي لقضاياهم. وقد برزت شركة «غوغل»، التي يعمل بها الناشط وائل غنيم الذي ساهم مع الشباب المصري في إسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، باعتبارها رمزا في هذا الإطار.

وقد رفضت شركة «غوغل» العملاقة السماح لأي من موظفيها بالحديث عن برامج الخرائط الخاصة بها، ولكن دينا يك، وهي المتحدثة باسم الشركة، قالت إن «غوغل» قد طورت خرائطها من خلال «مجموعة كبيرة من المصادر الموثوق بها، بدءا من الجمهور ومقدمي البيانات التجارية، وحتى مساهمات المستخدمين ومراجع الصور».

وأضافت المتحدثة باسم الشركة الأميركية العملاقة: «بصفة عامة، يوفر هذا خريطة شاملة وحديثة للغاية، ولكن تتغير الخرائط باستمرار جنبا إلى جنب مع العالم الحقيقي، ولذلك فسوف نستمر في مراجعة البيانات وإجراء التغييرات كلما توافرت معلومات جديدة».

وأصبح موضوع استغلال الإنترنت في سوريا موضوعا حساسا وحرجا، حيث تقوم الحكومة بتشديد الرقابة على وسائل الإعلام بشكل أكبر مما هو موجود في البلدان الأخرى التي كانت مسرحا للاضطرابات خلال الربيع العربي. وقد نجح المتظاهرون في اختراق المواقع الحكومية ونقل صور بالهاتف الجوال إلى خارج البلاد تظهر الحملة القمعية التي تقوم بها الحكومة في سوريا وتنقل صورة حية لما يحدث في المدن السورية، بما في ذلك مدينة حمص، التي قتل بها أكثر من 300 شخص خلال الأسبوعين الماضيين، وفقا لما أعلنت عنه الأمم المتحدة.

وقال ستيفان جينس، وهو صاحب مدونة «غوغل إيرث» التي تتعقب برنامج «غوغل مابس» إن إعادة تسمية الشوارع والمعالم السورية الأخرى تمثل أحدث صيحة في الجهود المبذولة لاستخدام ما يسمى بتقنيات «التعهيد الجماعي» (الاستعانة بالجماهير بغية الحصول على معلومات» للترويج لوجهات النظر السياسية.

وفي عام 2008، قام النشطاء التونسيون الذين يستخدمون برنامج «غوغل إيرث» بنشر وصلات لفيديو على موقع «يوتيوب» أمام القصر الرئاسي في تونس يظهر السجناء السياسيين السابقين وهم يصفون التعذيب الذي تعرضوا له.

ومع ذلك، صرح جينس بأن الثورة السورية تعد الأولى التي يقوم خلالها النشطاء باستخدام برامج للخرائط على الإنترنت لإعادة كتابة التاريخ. وقارن جينس بين خريطة على «غوغل» لمدينة اللاذقية مع خريطة على موقع «أوبن ستريت ماب» لنفس المدينة، وقد أظهر كل منهما شارع 8 آذار، الذي سمي بهذا الاسم تخليدا للانقلاب العسكري الذي حدث عام 1963 وأتى بحزب البعث إلى السلطة ومعه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد كرئيس للبلاد، ولكن خريطة «غوغل» قامت أيضا بكتابة 15 آذار، في إشارة واضحة إلى بداية الثورة السورية في عام 2010.

وقال جينس: «من الواضح أن هذا التغيير قد تم من خلال إسهام جماعي، وهنا تكمن الخطورة، حيث يمكن لأي شخص أن يتسلل ويقوم بتغيير الأسماء بغية تحقيق أغراض سياسية. أنا مقتنع تماما بأن هذا ليس شيئا متعمدا من جانب (غوغل) لتقويض سلطة الأسد».

ومع ذلك، قد لا تكون الحكومة السورية مقتنعة بذلك، حيث جاء الاحتجاج الدبلوماسي في الأمم المتحدة بعد عدة أسابيع من قيام موقع «داماس بوست»، وهو موقع تابع للحكومة السورية، بملاحظة أن أحد الطرق السريعة الرئيسية في دمشق على «غوغل إيرث» يحمل اسم كل من حافظ الأسد، وإبراهيم قاشوش، وهو رمز آخر من رموز الثورة السورية الحالية. ثم اختفى اسم الأسد من على الخريطة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»