الجيش اللبناني متأهب لمواجهات محتملة بين السنة والعلويين

بعد تنظيم مظاهرة ضد نظام الأسد عبر ميادين طرابلس الرئيسية

TT

في شارع طويل يعمل كحد فاصل، يعج بالتقلبات في معظم الأحيان، بين أكثر ضاحيتين اهتياجا في طرابلس، ثاني أكبر مدينة لبنانية، تتخذ ناقلات الجنود المسلحة التابعة للجيش اللبناني المزودة بمدافع رشاشة عيار 50 مواقعها في كل ركن. وتجوب المنطقة قوات تحمل بنادق هجومية طراز «إم 16»، يدخن أفرادها السجائر بجانب أطلال المباني التي دمرت بفعل الطلقات النارية والتفجيرات.

يبدو الانتشار المكثف للجيش اللبناني على طول الشارع الذي يحمل اسم «سوريا» هو الشيء الوحيد الذي يمنع ميليشيات السنة المعارضين للأسد والميليشيات العلوية المؤيدة له في المنطقتين المتناحرتين من مواصلة معركة استمرت على مدار يومين خلال نهاية الأسبوع.

لقد اعتادت الميليشيات بضاحيتي باب التبانة السنية وجبل محسن العلوية الدخول في اشتباكات منذ انتهاء الحرب الأهلية. على المستوى السياسي، ظل العلويون هنا منذ فترة طويلة على مقربة من نظام الأسد، الذي تنتمي قيادته إلى نفس الطائفة الشيعية. وقد أضمر كثيرون من بين السكان السنة الذين يشكلون نسبة ضخمة في طرابلس مشاعر عداء قوية تجاه الحكومة السورية بعد أن احتلت القوات السورية أجزاء من لبنان في الفترة من 1976 إلى 2005.

ويلقي اتجاه سوريا نحو حرب أهلية بثقله على لبنان، وبالأخص في طرابلس وباقي أنحاء شمال البلاد. ومع تصاعد الأحداث بالجوار، احتدمت التوترات في جبل محسن وباب التبانة، مع نظر السكان لأنفسهم كجزء من الصراع السوري.

ويمكن الاعتقاد على محمل خاطئ اليوم بأن باب التبانة هو مقاطعة تابعة للجيش السوري عبر الحدود: شعارات مكتوبة على الجدران تطالب بإسقاط نظام الأسد، وعلم المعارضة السورية الذي يحمل الألوان الأخضر والأبيض والأسود معلق على الحوائط وأغلفة الرصاصات متناثرة في الشارع.

ومن منحدر التل شديد الانحدار في ضاحية جبل محسن، تظهر صورة ممتدة لستة طوابق لرفعت عيد، رئيس الحزب السياسي الرئيسي التابع للأقلية العلوية اللبنانية، تواجهها ملصقات للرئيس بشار الأسد.

«نحن نعلم أنه وقتما تسير الأمور في حمص على ما يرام بالنسبة للجيش السوري، فإنها تكون سيئة هنا»، هذا ما قاله عيد رئيس الحزب العربي الديمقراطي. وأشار عيد إلى أن الميليشيات السنية حرضت على آخر معركة وقعت وهاجمت هذه الضاحية انتقاما لهجوم مفرط في شدته شنته الحكومة السورية على معقل المعارضة في حمص، ذلك الهجوم الذي بدأ هذا الشهر.

وأشار سكان باب التبانة إلى أن قوات الجيش اللبناني شنت هجوما على ضاحيتهم من مواقع كائنة في جبل محسن. إلا أن «هذه المعركة لم تكن بيننا وبين الجيش، بل كانت بيننا وبين جبل محسن»، هذا ما قاله أسعد الحايك، أحد سكان باب التبانة الذي رأى منزله يدمر جراء القتال. وأضاف أنه لم يصدق أن الجيش كان «يصوب نيرانه بهدف القتل».

واندلعت آخر معركة ظهيرة يوم الجمعة الماضي، عقب ساعات من تنظيم أحزاب سلفية مظاهرة ضد نظام الأسد عبر ميادين طرابلس الرئيسية. وبينما ملأ صوت إطلاق النار جنبات المكان، سرعان ما انهارت الشركات والمؤسسات الواقعة خلف باب التبانة. وتعالت صيحات المدنيين بتحذيرات من وجود قناصة وسارعوا بالعدو بأقصى سرعة عبر الشوارع شبه المهجورة بحثا عن حماية. على مدار الأربع والعشرين ساعة التالية، تبادلت الميليشيات إطلاق النار والقنابل اليدوية.

وأنهى وقف إطلاق النار الذي فرض بوساطة من الجيش القتال ظهيرة السبت، وانتقلت القوات اللبنانية إلى المناطق الحساسة. وفي الوقت الذي توقف فيه إطلاق النار، كان ثلاثة أفراد قد لقوا حتفهم وأصيب أكثر من 20 شخصا. وألقى كل طرف باللوم على الآخر في التسبب في بدء المعركة.

بدأ الجيش اللبناني يجد نفسه واقعا بين شقي الرحى، مع استمرار الصراع في سوريا في زيادة التوترات في لبنان.

وبعد شن غارات على الحدود السورية ووقوع حوادث اختطاف لمنشقين سوريين لاذوا بالفرار إلى لبنان وحالات قصف من قبل القوات السورية على لبنان، طالب ائتلاف «14 آذار» الجيش بالانتشار على طول حدود الدولة. إنهم يرغبون في أن يحميهم الجيش من أي هجوم عسكري سوري وأن يدافع عن اللاجئين الذين يزيد عددهم على 6000 ممن نزحوا إلى لبنان.

كذلك، ترغب كتلة «8 آذار» التي يقودها حزب الله في بقاء الجيش على الحدود، ولكن لأسباب مختلفة تماما. ويوصي أعضاء الائتلاف الضخم المؤيد لسوريا باستخدام المناطق الحدودية كملاذات آمنة من قبل «الجيش السوري الحر» وكنقاط عبور لتهريب الأسلحة للثوار.

مؤخرا، اتهم ائتلاف «14 آذار» تكتل «8 آذار» باستغلال الجيش اللبناني لصالحه، ولصالح سوريا.

ويعتبر الجيش اللبناني واحدا من مؤسسات الدولة القلائل التي تحظى بالاحترام في دولة عادة ما تطغى فيها الهويات السياسية والعرقية والدينية على الهوية الوطنية. «الجيش بالفعل يعكس المجتمع»، هذا ما قاله إلياس حنا، ضابط جيش لبناني متقاعد.

ولكن في الأغلب يفضل الجيش اللبناني البقاء بمعزل عن النزاعات، قابعا في الصفوف الجانبية حتى وقف إطلاق النار. ويشير ضعفه المزمن وتكوينه الذي يمزج بين طوائف مختلفة إلى أن تدخله يمكن أن يزيد من تفاقم المواقف الخطيرة بالأساس بدلا من تخفيف حدتها.

* خدمة «نيويورك تايمز»