مردوخ يطلق صحيفة «ذا صن أون صنداي» بعد أقل من عام من إغلاق «نيوز أوف ذا وورلد»

شهية إمبراطور الإعلام ما زالت مفتوحة للصحافة المطبوعة

نسخ من صحيفة «ذا صن» أمس تعلن عن العدد الأول لشقيقتها «ذا صن أون صنداي» المرتقب نشره الأحد المقبل (رويترز)
TT

ما زالت شهية قطب الإعلام الأسترالي الأصل روبرت مردوخ مفتوحة للصحافة المطبوعة، على الرغم من أن الكثير من الصحف، بما في ذلك صحف عالمية يملكها نفسه، مثل «ذا تايمز»، تواجه مشاكل مالية. وهذا الحال تواجهه أيضا صحف بريطانية أخرى مثل «الغارديان»، التي تأسست قبل أكثر من قرنين من الزمن، إضافة إلى مطبوعات رصينة أخرى في معظم دول العالم، التي أصبح مصيرها قاب قوسين أو أدنى بسبب المنافسة الشديدة مع التكنولوجيا الحديثة والإنترنت وخسارتها للسوق الإعلانية.

غير أن ذلك لم يقلل من شغف هذا الرجل الثمانيني من الشروع في إصدار صحيفة أسبوعية أخرى شقيقة لصحيفة «الصن»، الأكثر مبيعا بين الصحف البريطانية، لتكون العدد الأسبوعي لها وتأخذ مكان «نيوز أوف ذا وورلد» التي قرر إغلاقها بعد 168 عاما من النشر مع اندلاع فضيحة التنصت في يوليو (تموز) الماضي.

وقد أعلنت، أول من أمس «نيوز إنترناشيونال»، الذراع البريطانية لمجموعة «نيوز كورب» المملوكة لمردوخ والمدرجة على بورصة نيويورك، أنها ستصدر نسخة أسبوعية لصحيفة «ذا صن» الشعبية البريطانية اعتبارا من الأسبوع المقبل. ومنذ الإعلان عن نيته إصدار الصحيفة، فقد ارتفعت سهم «نيوز كورب» بمقدار 60 سنتا، وهذا ما كتبه مردوخ نفسه على «تويتر» أول من أمس، أي بعد الإعلان الرسمي بساعات.

وفي مذكرة داخلية للعاملين، قال الرئيس التنفيذي لـ«نيوز إنترناشيونال»، توم موكريدج: إن النسخة الأولى لصحيفة «ذا صن أون صنداي» ستصدر في 26 فبراير (شباط) الحالي، وظهر الإعلان في الصفحة الأولى في صحيفة «الصن» أمس الاثنين.

صحيفة «ذا صن» واجهت اتهامات بالفساد، وذلك لأول مرة خلال الأسابيع الماضية مع حملة الاعتقالات التي قام بها جهاز الشرطة ضد عدد من الصحافيين العاملين في الصحيفة في شبهات دفع مبالغ مالية لمسؤولين في دوائر حكومية.

وقال جهاز الشرطة، قبل أسبوعين: إنه جرى اعتقال خمسة من العاملين في صحيفة «ذا صن»، إضافة إلى شرطي وعسكري وموظفة في وزارة الدفاع البريطانية، وذلك في إطار التحقيق حول رشا دُفعت إلى الشرطة ومسؤولين في الإدارة على هامش فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية.

واستنادا إلى قناة «سكاي نيوز»، فإن الخمسة هم من كبار العاملين في إدارة تحرير الصحيفة ومن بينهم مساعد لمدير التحرير ورئيس قسم التحقيقات.

وقامت الشرطة، التي تحقق في «مدفوعات غير مشروعة لرجال شرطة وموظفين في الإدارة» من قِبل صحافيين مقابل الحصول على معلومات، بتفتيش منازل المعتقلين ومكاتبهم، استنادا إلى معلومات قدمتها مجموعة «نيوز كوربوريشن».

وأوضحت المجموعة، في بيان، أن «(نيوز كوربوريشن) عازمة على الحيلولة دون تكرار الممارسات غير المقبولة التي جرت في السابق من قِبل بعض الأفراد للحصول على معلومات».

الاعتقالات الأخيرة رفعت العدد إلى تسعة من موظفي «ذا صن» السابقين والحاليين خلال الأسابيع الأخيرة بعد أن نقلت مجموعة شكلتها «نيوز كورب» معلومات للشرطة عن تعقب رسائل بريد إلكترونية وحسابات وأجهزة كومبيوتر محمولة بحثا عن معلومات تخص جرائم.

وانتقد عدد من الصحافيين العاملين في الصحيفة، وكذلك ممن عملوا فيها سابقا في تصريحات لوسائل الإعلام، الطريقة «غير الإنسانية والقاسية» التي تمت بها الاعتقالات في الصباح الباكر. وبعد الاعتقالات صرح دومينيك موهان، رئيس تحرير: أنا مصدوم للغاية مثل أي شخص للاعتقالات التي جرت اليوم، لكنني مصمم على قيادة «ذا صن» عبر هذه الظروف الصعبة. عندي طاقم رائع من العاملين، ولدينا مهمة تتمثل في خدمة قرائنا وسنواصل القيام بها. تركيزنا الآن على إصدار عدد الاثنين من الصحيفة.

وفي اليوم الثاني شن رئيس التحرير المساعد للصحيفة هجوما ضد الشرطة والتحقيقات الجارية.

ووصف تريفر كفانا، في مقال في الصحيفة، ما قامت به الشرطة من اعتقالات بأنه «حملة تصيد» ضد العاملين في الصحيفة، وهو ما يهدد «الأسس التي بُني عليها مفهوم حرية الصحافة».

وقال مصدر مطلع من داخل جهاز تحقيقات الشرطة، في تصريحات لوكالة «رويترز»: إن ما حدث لم يكن مجرد اعتقالات (كما حدث من اعتقالات سابقة) تخص تزويد العاملين في الصحيفة من قبل رجال الشرطة ومسؤولين في دوائر حكومية أخرى ببعض المصادر أو دفع بعض المصاريف مقابل هذه المعلومات. إنها تخص التحقيق في شبهات باقتراف جنح قانونية خطيرة وتعتبر إجرامية من الناحية القانونية». وقال المصدر، الذي طلب من الوكالة عدم الإفصاح عن هويته: إن القضية تتمحور حول «دفع مبالغ مالية تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية في السنة لعدد من السنين لمسؤولين حكوميين، بعضهم عملوا موظفين يتلقون الأجور على خدماتهم، وهذه قُدرت بمئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية».

من هنا يرى بعض المعلقين أن هجوم رئيس التحرير المساعد للصحيفة لم يكن موجها فقط ضد الشرطة والمؤسسة السياسية، وإنما ضد بعض التنفيذيين الكبار العاملين في الصحيفة، وربما ضد مردوخ نفسه. وهناك تكهنات بأن السبب وراء قدوم مردوخ هو التداعيات الأخيرة التي قد تطول الشركة الأم «نيوز كورب» في الولايات المتحدة، والتي قد تواجه تحقيقات مشابهة هناك من قبل وزارة العدل أو جهاز التحقيق الفيدرالي. الشرطة الأميركية قد تفتح تحقيقا في قضية الرشوة كون الصحيفة تملكها «نيوز كورب» من خلال ذراعها البريطانية «نيوز إنترناشيونال» التي تملك أيضا «ذا تايمز» و«صنداي تايمز».

ومن هنا تساءل بعض المراقبين عما سيقوله روبرت مردوخ مع العاملين في الصحيفة حين يجتمع بهم خلال وجوده في لندن، وهل سيتخذ قرارا ببيع الصحيفة أو إغلاقها كما حصل مع «نيوز أوف ذا وورلد».

وقال الصحافي المخضرم أندرو نيل، الذي عمل رئيس تحرير لـ«صنداي تايمز» لمدة 11 عاما: لقد خلق مردوخ شيئا لا يمكنه السيطرة عليه. «ذا صن» كانت أقرب الصحف إلى قلب مردوخ وأكثرها ولاء له، والآن يعتقد العاملون أن مردوخ هو السبب وراء الاعتقالات، وذلك من أجل أن يحمي نفسه.. لن يرحب به العاملون عندما يجتمع بهم في لندن، ولن يصدقوا أيا من وعوده، إنهم يشعرون بالخيانة.

قرار مردوخ بإصدار صحيفة أخرى جاء منافيا لكل التوقعات، وبدلا من إغلاق الصحيفة قرر إصدار صحيفة أخرى قد تستوعب جميع من فقدوا وظائفهم جرَّاء إغلاق «نيوز أوف ذا وورلد».

وجاء في مذكرة موكريدج: «أكدت (نيوز كوربوريشن) عزمها تصحيح ما ارتُكب من أخطاء في الماضي، ونقوم بتغيير جذري في طبيعة عملنا كشركة». وأضاف في المذكرة: «إن التزام (نيوز كوربوريشن) بالاستثمار في مطبوعة جديدة هو أقوى رسالة دعم ممكنة نتمناها». وقالت المذكرة إن روبرت مردوخ سيشارك في تدشين الصحيفة بعد أن وصل إلى لندن الأسبوع الماضي لطمأنة موظفي «صن» عقب اعتقال مجموعة من كبار صحافييها.

المسلَّم به هو أن فضيحة التنصت أثرت سلبا على إمبراطورية مردوخ الإعلامية، وإضافة إلى إغلاق «نيوز أوف ذا وورلد»، فقد خسر مردوخ صفقة تلفزيون «بي سكاي بي». وكان يحاول الاستحواذ على باقي أسهم الشركة. وكان يملك 61% من أسهمها، وأراد شراء 31%، لكن اندلاع الفضيحة أجبره على التخلي عن الصفقة.

بيد أن الاعتقالات الأخيرة لم تُثِر الاحتجاجات من قِبَل القراء، وكذلك لم تُثنِ المعلنين، كما حدث سابقا مع صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد»، كما أنه ليس من السهل إغلاق أو التخلص عن طريق البيع لصحيفة تعتبر الأكثر انتشارا في بريطانيا.

كانت مجموعة «نيوز كورب» قد أعلنت، مؤخرا، زيادة أرباحها في الربع الثاني من العام المالي الحالي بفضل الأداء القوي لقنواتها التلفزيونية وأفلامها السينمائية.