«الدائري» و«السريع» بمصر عراقيل جديدة على طريق الثورة

استهداف 3 برلمانيين ومرشح للرئاسة.. و«الداخلية» تعتبر تأمينها عسيرا

TT

بعد أكثر من عام لا تزال الثورة المصرية تستكشف معالم الطريق وتحاول إيجاد المخرج المناسب نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، التي طالب بها المصريون منذ اندلاع ثورتهم في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، ولكن يبدو أن مسار الثورة المصرية لا يزال متعثرا بحثا عن نور في آخر نفق المرحلة الانتقالية.

ولا تتوقف معضلة الثورة المصرية فقط عند الطريق الأفضل نحو الديمقراطية ولكنها امتدت لتشمل طرقا أخرى بمفاهيم عدة، فمنذ بداية الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، اعتبر الشارع المصري «ميدان التحرير» طريقا نحو التغيير المأمول والضغط باتجاه تحقيق أهداف الثورة، ولكن التحرير نفسه والطرق المحيطة به تحولت إلى رقم صعب في الثورة وتكررت فيها الحوادث والمواجهات بين السلطات الحاكمة ومتظاهري الميدان الذين طالبوا بتحقيق مطالب الثورة آنيا (فورا)، واستمر الطريق رمزا في الثورة التي عندما وصلت لبسطاء مصر قطعوا الطرق وخطوط السكك الحديدية بحثا عن أسطوانة غاز أو رغيف خبز يكفيهم يومهم.

ولم ينته طريق ثورة يناير في مصر عند حدود قطع الطرق لمطالبة حكومتين مصريتين متتاليتين بتحسين الدخول والخدمات، ولكنها امتدت لقطع الطرق نتيجة لانتشار الخارجين عن القانون «البلطجية» والانفلات الأمني في البلاد، خاصة على الطرق السريعة والطريق الدائري الذي يربط الطرق المؤدية إلى مختلف المحافظات المصرية بالعاصمة (القاهرة). وعلى مدى الشهرين الماضيين بعد تراجع موجات الاحتجاجات الفئوية في البلاد، تصدر الطريق الدائري والطرق السريعة الأخرى المشهد الأمني في البلاد عقب حوادث عدة شهدتها هذه الطرق ما بين السطو المسلح وسرقة السيارات والأفراد وسط غياب أمني وشرطي عن الطريق الذي يصل طوله إلى أكثر من 100 كيلومتر، ويلتف حول القاهرة من كافة جوانبها رابطا إياها بأكبر عدد ممكن من المناطق المهمة.

وتعرض الكثير من المواطنين المصريين لحوادث مختلفة على الطرق السريعة كما تعرضت عدة بنوك بمناطق نائية لحوادث سطو مسلح، إلا أن هذه الحوادث جميعا ظلت حوادث فردية ناتجة عن غياب تمركز الشرطة المصرية عن هذه المناطق النائية والطرق السريعة التي يصعب تأمينها ولم يتم الالتفات إليها إلا في أعقاب تعرض سياسيين ومشاهير لحوادث مماثلة هناك. وسجلت حوادث الاعتداء على السياسيين في مصر بعد الثورة ارتفاعا ملحوظا، حيث تنوعت ما بين محاولة سرقة ومحاولة اغتيال مزعومة خاصة لسياسيين ذوي توجهات بعينها. كان أول ضحايا هذه الطرق من السياسيين الدكتور عمرو حمزاوي، النائب بالبرلمان المصري، حيث تعرض لعملية سرقة بالإكراه على الطريق الدائري، وأعقب هذا الحادث لحمزاوي، ذي التوجهات الليبرالية، حادث آخر لبرلماني آخر ولكن هذه المرة أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، حيث تعرض الدكتور محمد البلتاجي، لمحاولة اغتيال بالقرب من الطريق الدائري أثناء سيره بسيارته، بعد أن داهمه 3 مجهولين بمدافع رشاشة، واعتدوا عليه بالضرب قبل أن يستولوا على سيارته الخاصة.

الطريق الذي غابت عنه دوريات الشرطة وهجرته عربات النجدة، رفض إلا أن يستمر موقعا لحوادث أخرى لسياسيين مصريين بارزين حيث تعرض الخميس الماضي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، لاعتداء من مجهولين نقل على أثره إلى المستشفى، بعد أن كان عائدا من إحدى الجولات الانتخابية عبر الطريق الدائري، وكان آخر حلقات مسلسل الطرق السريعة في مصر تعرض النائب البرلماني التابع لحزب الحرية والعدالة، الدكتور حسن البرنس، لحادث تصادم مثير للجدل على طريق الإسكندرية الزراعي أول من أمس، حيث يعتقد النائب أنها محاولة لاغتياله. ولم يتضح من هي الجهة التي تقف وراء هذه الحوادث، ولم يتم إلى الآن تحديد ما إذا كانت هذه الحوادث عادية، أم هي تصفية حسابات سياسية، لكن مراقبين يرون أنها سلطت الضوء على عمق المشكلة الأمنية التي تواجهها مصر. ونشر مركز «غالوب» لاستطلاعات الرأي تقريرا قبل يومين أكد فيه أن شعور المصريين بالأمان تراجع خلال عام إلى ما يقارب النصف، ودفع المجلس العسكري (الحاكم) بعربات ومدرعات من الجيش لتأمين القاهرة والمحافظات قبل أسبوعين لمساعدة قوات الشرطة المدنية في استعادة الأمن للشارع المصري. وتثير هذه المشكلات قلق المراقبين حول مستقبل المرحلة الانتقالية في البلاد، خاصة قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية التي تحدد فتح باب الترشح لها في العاشر من مارس (آذار) القادم.

وصعدت جماعة الإخوان المسلمين من هجومها على وزارة الداخلية عقب هذه الحوادث التي طالت اثنين من برلمانييها، وأبو الفتوح المستبعد من الجماعة بعد ترشحه للرئاسة. وأكد حزب الجماعة أن هناك خللا أمنيا واسعا يمكن أن تدخل معه البلاد في دوامة من العنف‏، ‏ مشيرا إلى أن الحادث لا ينبغي أن يفهم على أنه حادث جنائي‏، وحمل حزب الحرية والعدالة وزارة الداخلية المصرية المسؤولية كاملة مطالبا بتطهير الوزارة وإعادة هيكلتها.

وقالت قيادات بالحزب الذي يحظى بالأكثرية البرلمانية، قبيل ساعات من تقديم الحكومة لبيانها أمام مجلس الشعب، إن وزارة الداخلية ليست لديها القدرة على مواجهة الانفلات الأمني الشديد، وإن موجات الانفلات الأمني تثير القلق داخل المجتمع المصري، فيما أكدت مصادر بالداخلية المصرية أن تأمين الطرق السريعة صعب، خاصة أن البلطجية يحملون أسلحة من فئات متقدمة تفوق أسلحة الدوريات الشرطية في بعض الأحيان، وهو ما دفع وزير الداخلية أخيرا لتزويد الدوريات الشرطية المتحركة بأسلحة متطورة، إلا أن هذه الخطوة يبدو أنها لم تؤت أكلها إلى الآن.