ناشط سوري يفر إلى تركيا عبر حقول الألغام

اعتقل وعذب 85 يوما بسبب تعليق على «فيس بوك»

صورة مأخوذة من اليوتيوب لرجال مقيديين في أحد شوارع دوما القريبة من العاصمة السورية دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

كأي مستخدم عادي لشبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، كتب مواطن سوري اسمه غسان ياسين، قبل نحو خمسة أشهر على صفحته تعليقا على أحداث الثورة السورية قال فيه «هم يطاردون عصابات مسلحة مجهولة، ونحن سنطرد عصابة واحدة معروفة»، وهو التعليق الذي قام عدد من أصدقائه على «فيس بوك» بنشره، بعدها بأيام، كان غسان (36 عاما) قيد الاعتقال في أحد معتقلات الأمن السوري في حلب.

يقول غسان لـ«الشرق الأوسط» إنه قضى 85 يوما من التعذيب المتواصل في رحلة مريرة عبر معتقلات سوريا عدة، وبعد الإفراج عنه مر غسان برحلة موت أخرى أكثر مرارة بحسب وصفه، للفرار من سوريا خشية تصفيته، وهي الرحلة التي عبر فيها حقل ألغام كاملا إلى تركيا دون أن يدري.

وكان غسان قد تم اعتقاله في أواخر يونيو (حزيران) الماضي لمدة 35 يوما، بسبب تعليق له على قناة تلفزيونية بأن السوريين يسعون لإسقاط النظام، وهي الفترة التي وصفها بأنه كان مدفونا حيا.

واعتقل غسان بسبب تعليقه على «فيس بوك» في أحد الأقبية الأمنية في زنزانة انفرادية لمدة 85 يوما. ويقول غسان «خافوا أن أثير المعتقلين ضدهم بحديثي معهم فتركوني معتقلا في زنزانتي وحدي»، ويصف الأوضاع في سجنه المزدحم بآلاف المعتقلين بـ«المأساوية». ويتابع: «الأكل كان سيئا جدا.. كنت أتناول الخبز فقط.. وبكميات قليلة حتى أبقى على قيد الحياة».

يتحدث غسان عن صنوف مختلفة للتعذيب كانت تستمر لساعات طويلة، ويقول «كانت معاملتي تختلف عن زملائي المعتقلين.. كنت أتعرض لتعذيب مضاعف». ويواصل غسان «أذكر أنني كنت عائدا من حفلة تعذيب زاحف على الأرض لأنني لم أقو على المشي وحين وصلت لزنزانتي سمعت أحد المعتقلين يبكي»، وبسؤاله أجاب «صوتك يا غسان كان مروعا أثناء التعذيب».

لم تعرف عائلة غسان بأمر اعتقاله إلا بعد 54 يوما ذلك عن طريق أحد زملائه، الذي كان يتحدث معه من تحت عقب الباب، وأعطاه عنوانه، لكن المثير أن أسرة غسان قالت إن أجهزة أمنية كانت تقتحم بيتهم للسؤال عنه أثناء اعتقاله، وهو ما اعتبرته الأسرة دليلا على أن «الأجهزة الأمنية تعمل دون تنسيق».

ويقول غسان، بصوت مرح، إن أمنيته الوحيدة في محبسه كانت أن يأخذ حماما باردا يزيح عنه عرقه ورائحته، وهو ما جعله يطالب سجانه قائلا «اجعلني أستحم وبعدها اضربني كما تشاء»، وهو الحلم الذي تحقق لغسان بعد 40 يوما من الاعتقال، ثم تم اقتياد غسان في جولة طويلة إلى أكثر من فرع أمني في حمص ودمشق، وفي طريقه لدمشق أيقن غسان أنه «مقتول لا محالة».

وفي دمشق، أوضح له رئيس قسم التحقيق في الأمن السياسي بدمشق قد قال له «اسمع يا غسان.. صفحتك متابعة بشكل جيد، أول ما تطلع من هون تراجع نفسك قبل ما تكتب أي كلمة»، قبل أن يضيف مهددا «وإلا قتلناك في بيتك».

بعدها بيومين أفرج القضاء العسكري ومن ثم القضاء المدني عن غسان بسبب عدم وجود أي دليل على التهم الموجهة إليه وهي تشكيل عصابة مسلحة، وسب الرئيس، وتحقير الجيش، وإضعاف الشعور القومي، وتنسيق لتحريك المظاهرات.

لكن اللافت أن أول ما فعله غسان بعد الخروج من المعتقل كان كتابة كل ما حدث له وأولها تهديدات الضابط الكبير له، وهو ما فتح عليه الملاحقة من جديد.

وبعد خروجه من المعتقل، اختفى غسان لما يقرب من شهر تقريبا إلى أن تم إخباره من مصدر موثوق أنه معرض للتصفية، ليقرر غسان مكرها الرحيل من سوريا عبر تركيا في رحلة محفوفة بالمخاطر في جوف الليل وعبر طريق وعر لم يكن يعلم أنه حقل ألغام على الحدود التركية - السورية، ويقول غسان «أثناء خروجي من الحدود التركية طلب مني مرافقي اتباع خطواته أثناء اجتيازي للحدود وعند سؤالي عن السبب قال لي مبتسما: ما في شي بس مشان ما ينفجر اللغم».

وبعد ساعتين لم تشهدا انفجار ألغام، وصل غسان إلى معسكر اللاجئين السوريين في محافظة أنطاكيا التركية، لكنه قرر ألا يقيم فيه قائلا «بعد أن كان السوريون دائما الحضن الدافئ للاجئين العرب، أصبحوا الآن بفضل عائلة الأسد لاجئين.. قاسية جدا ومؤلمة تلك الكلمة»، لينتقل لإسطنبول، حيث يواصل نشاطه في التنسيق مع شباب التنسيقيات السورية، ونقل الأخبار منهم والفيديوهات لوسائل الإعلام المختلفة، كما يعمل على إيصال مستلزمات الإغاثة للمدن السورية المنكوبة.