قرار بوش يسمح بإجراء محاكمات عسكرية لأعضاء تنظيم «القاعدة» خارج الأراضي الأميركية

المحاكمات لن تشتمل على محلفين والشهود يدلون بإفاداتهم خلف أبواب مغلقة

TT

بعد يوم واحد من توقيع الرئيس الاميركي جورج بوش قراراً يسمح لمحاكم عسكرية خاصة بمحاكمة الأجانب المتهمين بالارهاب، بدت الصورة أكثر وضوحا بالنسبة لما يأمل واضعو الخطط في الحكومة تحقيقه.

ووفقا لما أورده مسؤول في ادارة بوش فانه سيطلب من الشهود أداء اليمين بأنهم سيقولون الحقيقة، تماما كما يحدث داخل قاعات المحاكم الأميركية، لكنهم قد يدلون بشهاداتهم خلف أبواب مغلقة.

ولن يتمتع المتهم بحق اختيار محام يمثله، وبدلا من هيئة المحلفين، سيتولى مسؤولون عسكريون ـ ربما خمسة أو ستة منهم يشكلون لجنة ـ تقديم حكمهم في أماكن بعيدة عن مواطنهم، كأفغانستان أو باكستان.

وهي صورة غير مألوفة للقضاء الأميركي، تشوبها اختصارات وحقوق استئناف محدودة. لكن مؤيديها طرحوا بأن الحرب تتطلب ألا تسمح البلاد لبعض النقاط القانونية باعاقة المحاكمات. وكما قال جاك غولدسميث، أستاذ القانون في جامعة شيكاغو: «تكمن الفكرة في انك بحاجة لعدالة خاطفة».

أما منتقدو هذه الطريقة فقالوا ان المحاكمات قد تبدو غير عادلة لأنها لن توفر الحماية التي تتوفر في محاكم الولايات المتحدة وقد تؤدي أيضا الى اثارة غضب المسلمين داخل الولايات المتحدة وخارجها.

وقال ديفيد ويبمان، أستاذ القانون في جامعة كورنيل: «لو فعلنا ذلك من خلال محاكمة عسكرية، فان الناس في أنحاء العالم سيعتبرون النتيجة تحصيل حاصل».

وستكون المحاكمة أمام هيئة تحكيم عسكرية أشبه بمحاكمة تقليدية حيث سيوجه ممثلو الادعاء تهما رسمية لشخص ما لقيامه بأنشطة ارهابية، كأن يكون زعيماً في شبكة القاعدة ألقي القبض عليه في أفغانستان، على سبيل المثال. لكن التشابه بين النوعين المذكورين من المحاكمة سينتهي عند هذا الحد، حيث سيصبح بامكان هيئة التحكيم المكلفة قبول الأدلة التي عادة ما تكون محظورة من قبل المحكمة العادية، كالقيل والقال، الذي قد يسهل مهمة ممثلي الادعاء في عرض موقفهم. وهنا يمكن حتى فرض عقوبة الموت بدون الحاجة لتوفر الاجماع المطلوب من محلفين مدنيين، اذ يحتاج الأمر هنا الى موافقة ثلثي أعضاء اللجنة العسكرية.

وقد توقع خبراء القانون أن لا يحظى المشروع بتأييد المحاكم الأميركية، فيما أضاف البعض انه من غير الواضح ما اذا كانت المحاكم ستقبل أن تكون الظروف الراهنة مبررا لتشكيل لجان عسكرية.

ومثل هذه اللجان لها مكانة تاريخية طويلة، حيث استخدمت في أميركا منذ 1780، عندما عين جورج واشنطن مجلسا من العسكريين لمحاكمة الجاسوس البريطاني الرائد جون أندري، الذي تسلل خلف الخطوط الأميركية لجمع المعلومات عن بينيديست أرنولد.

وكما قال كريستوفر أيسغربر، مدير برنامج متخصص في القانون والشؤون العامة بجامعة برينستون: «هناك بالتأكيد عدة سوابق تاريخية بالنسبة للمحاكمات العسكرية، لكن ذلك لا يعني ان الرئيس يتمتع بسلطة دستورية تسمح له باستخدامها متى ما رأى ان هناك حالة طوارئ».

لكن المحاكم الأميركية ظلت في الغالب مترددة في مراجعة الرئيس بشأن مبررات تشكيل لجان عسكرية. فبعد محاكمة سرية استغرقت 18يوما أمام لجنة عسكرية خلال عام 1942، أقرت المحكمة العليا حكما بادانة مجموعة من الألمان الذين رسوا بغواصة أمام سواحل فلوريدا ولونغ ايلاندز، بأنهم كانوا يخططون لاستخدام متفجرات للتخريب.

وخلال عام 1946، أقر القضاء الأميركي حكم ادانة عسكرية بحق القائد العسكري الياباني في الفلبين تومويوكي ياماشيتا، وقد انتهت كل من المحاكمتين باعدام المتهمين.

ويقول المؤرخون ان المحاكم العسكرية بدأت كمحاكم متنقلة تستدعيها الحاجة لفرض عقوبات سريعة بدت عادلة وقت الحرب. وهذه المحاكم لا تعمل وفقا لقانون دولة بذاتها، ولكن وفقا لمجموعة من القوانين الدولية التي نشأت عبر قرون من الزمن وعرفت بقوانين الحرب. أحد المبادئ الأساسية لتلك القوانين يكمن في أن العسكريين لا يمكن أن يستهدفوا المدنيين. وفي حكمها الصادر عام 1946 أوردت المحكمة العليا ان قادة الولايات المتحدة لديهم سلطة «حجز واخضاع أولئك الأعداء لاجراءات تأديبية، اذا ما قاموا خلال محاولاتهم بالتأثير أو اعاقة جهدنا العسكري بخرق قانون الحرب».

من جانبه قال مسؤول بادارة بوش مطلع على هذا المشروع، ان المسؤولين يقومون حاليا بدراسة الحالات المشابهة خلال الحرب العالمية الثانية. وأضاف ان قرار تفويض لجان المحاكمات ظل خاضعا لعوامل مثل قدرة اللجان على التحرك بصورة عاجلة وعلى الحد من تسرب المعلومات السرية التي قد تصبح معلنة.

في المحاكمات المدنية، يحظى المتهم بامكانية التعرف بشكل واسع على معلومات الادعاء. لكن المحاكمات العسكرية قد تحد الى حد كبير من حرية المتهم في الاطلاع على تقارير استخبارية، وقد تنهي كامل الاجراءات اذا ما أصبحت المعلومات السرية قيد التداول.

وهذه المحاكمات المزمع اجراؤها قد تختصر العديد من القواعد التي تؤدي الى ابطاء المحاكمات، فعلى سبيل المثال، تحظر القواعد الشاملة استخدام الأدلة التي تم جمعها بشكل غير قانوني في المحاكمات المدنية. لكن وفقا لقرار الرئيس بوش فانه يمكن للجان المحاكمات التفكير في جميع الأدلة التي قد «تتمتع بقيمة ما بالنسبة لأي شخص معقول».

وقال مسؤول في ادارة بوش ساهم في توصيف انشاء هذه المحاكم ان مثل هذه الخيارات وضعت لضمان أن لا تتعرض العملية لنكسة. لكنه أضاف ان العديد من موظفي الحكومة ما زالوا يعملون لضمان أن تظل المحاكمات عادلة. فعلى سبيل المثال، قال ان المسؤولين يفضلون بشكل عام الاصرار على أن يكون لدى ممثلي الادعاء البراهين الكافية على ادانة المتهم بما لا يدع مجالا للشك، بنفس المستوى الذي يتم تطبيقه خلال المحاكمات الجنائية المدنية.

على أن قرار الرئيس الاميركي ترك المجال مفتوحا لاحتمال أن تجري المحاكمات العسكرية في الولايات المتحدة. لكن المسؤول الحكومي أضاف ان المقصود بالاجراء عموما استخدامه في أي مكان بالعالم من أجل محاكمة أعضاء القاعدة وغيرهم من الارهابيين. حيث أوضح قائلا: «أعتقد انه من المستبعد جدا أن نجري هذه المحاكمات داخل أراضي الولايات المتحدة».

* خدمة «نيويورك تايمز نيوز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»