رسائل «الغارديان»: الأسد سخر من بعثة المراقبين العرب.. ويرى أن ما يحدث حوله في سوريا «سخافات»

خبير نفسي لـ «الشرق الأوسط»: الرسائل خاصة ببشار وزوجته.. وتوضح انفصاله عن الواقع

TT

استمرت التفاصيل الدقيقة الواردة في رسائل البريد الإلكتروني المسربة والمنسوبة إلى الرئيس السوري بشار الأسد وقرينته أسماء في إثارة فضول القراء والسياسيين حول العالم؛ في محاولة للحصول على تفاصيل أوضح للوضع السياسي السوري من جهة، وعلى أمل الاطلاع على ملامح أكثر قربا من شخصية أحد أكثر الرجال إشغالا للرأي العام العالمي مؤخرا.

وحاولت صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي قامت بنشر جزء من تلك الرسائل، بكل طاقتها أن تتأكد من مصداقية نسب هذه الرسائل لبشار وأسماء قبل نشرها، خاصة أنها تستخدم حسابات مصطنعة بأسماء سام (بشار) وعالية كيالي (أسماء)، موضحة ورود اسمي بشار وأسماء الحقيقيين في أكثر من موضع بالرسائل، خاصة تلك المتبادلة مباشرة بينهما. كما أشار ناشطون إلى أن شركة «الشهباء»، ومقرها في دبي، والتي ينتمي إليها الحسابان البريديان، هي الممر للأعمال التجارية الحكومية لسوريا، والمشتريات الخاصة بأسماء الأسد.

أيضا أوضحت الصحيفة أن لائحة الشخصيات التي يتم تبادل المراسلات معها تضم - إلى جانب عائلة أسماء الأسد - أبرز مستشاري ومقربي بشار وزوجته، وهم شهرزاد الجعفري، ابنة السفير السوري لدى الأمم المتحدة، وهي في بداية العشرينات من عمرها، وأحد المقربين من الأسد وأعلى مستشاريه الإعلاميين.. وأيضا هديل العلي المستشارة الصحافية للأسد، ولونة الشبل المذيعة السابقة بقناة «الجزيرة»، وخالد أحمد الذي قدم للأسد تقارير تفصيلية عن الأوضاع في حمص، بما فيها أحوال الصحافيين في بابا عمرو، والتي أسفرت عن قصف المبنى الصحافي ومقتل عدد من المراسلين وإصابة آخرين الشهر الماضي.. إلى جانب حسين مرتضى، رئيس قناة «العالم» التلفزيونية الإيرانية.

وأوضحت الصحيفة أيضا أنها تواصلت مع 10 من الشخصيات المرموقة الواردة بالرسائل للتأكد من مصداقيتها، وبينهم توماس ناغوريسكي مدير تحرير بشبكة «إيه بي سي نيوز» الأميركية، والسير أندرو غرين سفير بريطانيا السابق لدى سوريا، واللورد بويل مستشار السيدة مارغريت ثاتشر السابق.. فأكدت أغلب هذه الشخصيات نسب هذه الحسابات لبشار وزوجته، فيما امتنع الباقون عن التعليق بالسلب أو الإيجاب.

وتظهر الرسائل لمحات مختلفة من حياة الأسد وزوجته، منها جوانب حياتية، مثلما يتضح في رسائل أسماء لشراء وحدة إضاءة من متاجر «هارودز» الفاخرة في لندن، أو طلبات لشراء حلي من باريس. لكن الرسائل عكست أيضا جانبا آخر؛ هو معاناة أسماء في التأقلم مع الأوضاع النفسية الضاغطة حول أسرتها، نظرا للهجوم الشديد الذي يواجهه بشار، إذ تقول في رسالة موجهة إلى حساب زوجها في نهاية ديسمبر الماضي «إذا كنا أقوياء معا فسوف نتغلب على هذا معا.. أحبك».

وسياسيا، كشفت الرسائل عن عرض قطري لإنهاء الأزمة تسلمته أسماء، ويتضمن إمكانية أن تكون الدوحة مكانا للزعيم السوري لطلب اللجوء هو وعائلته، حيث قالت الصحيفة إن مياسة، ابنة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بعث إلى أسماء برسالة في 30 من يناير (كانون الثاني) الماضي تقول فيها «بالنظر للتاريخ وتصاعد الأحداث الأخيرة، رأينا نتيجتين.. إما أن يتنحى الزعماء ويحصلوا على اللجوء السياسي، وإما يتعرضوا لهجوم وحشي. أعتقد حقا أن هذه فرصة طيبة للرحيل وبدء حياة أخرى طبيعية.. وأنا متأكدة أن هناك أماكن كثيرة يمكن اللجوء إليها بما في ذلك الدوحة»، مضيفة «أتمنى فقط أن تقنعي الرئيس بأن يقبل هذا؛ كفرصة للخروج من دون أن يكون مضطرا لمواجهة اتهامات».

لكن، وبحسب المواقف المعلنة للأسد، فإنه يبدو أنه تجاهل هذا العرض تماما، بل إنه استمر في استخدام لغة إعلامية تحمل أطرافا خارجية مسؤولية الأوضاع السيئة في سوريا.

وبالبحث في رسائل الأسد يتضح أنه متأثر للغاية بآراء مستشاريه، وأن بعضهم ينتمي إلى إيران بشكل أو بآخر.. إذ توضح الرسائل أن مستشارا إعلاميا لبشار أعد تقريرا قبيل إلقاء الأسد لكلمة جماهيرية في ديسمبر الماضي، وقال المستشار إنه استند في تقريره إلى «مشاورات مع عدد لا بأس به من الناس إلى جانب الإعلام والمستشار السياسي للسفير الإيراني»، ناصحا الأسد «أعتقد أن اللغة يجب أن تكون قوية وعنيفة، لأن الناس في حاجة إلى أن يروا رئيسا قويا يدافع عن البلاد، وإظهار التقدير للدعم الذي أبدته دول صديقة». أيضا يتضح ذلك التأثر في رسائل أخرى، والتي أشارت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى «الوجود غير القانوني للصحافيين الأجانب في بابا عمرو بمدينة حمص»، وطلبت «إحكام القبضة الأمنية»، وأن «الحكومة يجب أن تكون مسيطرة على كل المناطق العامة كل مساء».

وتظهر رسالة أخرى تهكم الأسد من بعثة المراقبين العرب إلى سوريا، والتي زارت بعض المدن مثل دمشق وحمص، وذلك عبر مشاركته لمقطع فيديو - صوره في الأغلب أحد المتعاطفين مع النظام - ويظهر دمية على شكل مراقب وسيارة أطفال تحمل ملعقة تمثيلا لإحدى الدبابات. ويشير الفيديو في سخرية إلى أنه بعد نداءات وتحذيرات (المعارض البارز) برهان غليون حول الانتهاكات، فإن النظام السوري استعان بتعويذة سحرية لإخفاء الدبابات من حي بابا عمرو.

وقام بشار بإرسال المقطع إلى مستشارته الإعلامية هديل العلي قائلا «يجب أن تشاهدي ذلك»، فردت العلي «يا إلهي، إنه مضحك.. الكل كان يتحدث عن غليون ونظريته بخصوص الدبابات».

وبينما انقسمت التعليقات على موقع صحيفة «الغارديان» بين من يرى أن المحتوى صادق وينتمي لعائلة الأسد، وبين مشكك في ذلك، فإن قناة تلفزيونية سورية قامت بنفي انتماء الحساب البريدي للأسد في فبراير (شباط) الماضي، وذلك بعد انكشاف اختراق الحساب وربما في خطوة استباقية قبل نشر محتواه أول من أمس. لكن الخبير النفسي الدكتور محمد عبد العظيم، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن محتوى الرسائل التي اطلع عليها عبر صحيفة «الغارديان»: «ينتمي بالتحليل النفسي إلى بشار الأسد وزوجته حتما».

وقال عبد العظيم «يتفق ما ورد بالرسائل المنشورة مع كون أسماء تشعر بالضياع بين نشأتها الغربية (في بريطانيا) وواجبها في الوقوف جوار زوجها حتى النهاية، رغم تمزقها النفسي نظرا لما تراه من انتهاكات بحق المواطنين». وأضاف عبد العظيم «أما عن بشار فإنه - كما يتضح من تصرفاته الحالية على أرض الواقع - قد اتخذ الخيار شمشون، أي أنه مصر على الوصول إلى آخر الخط، ولا يرى مفرا من ذلك.. إما القضاء على المعارضة أو نهايته الشخصية. وتظهر أفعاله الشخصية في الرسائل أنه شخص منقاد لآراء محيطيه من المستشارين، كما أنه مغيب ومنفصل عن الواقع في بعض الأحيان.. وهي صفات تتفق مع شخصية من يتخذ مثل هذه القرارات غير المنضبطة نفسيا».

وهو أمر توضحه رسائل أخرى تظهر انفصال الرئيس عن الواقع حوله، مثل تلك التي تظهر اهتمامه بشراء بعض الأغاني عبر متجر «آي تيونز» الخاص بمنتجات «أبل ستورز»، وإرساله بعضها إلى زوجته، كما أرسل لها مقاطع فيديو من برنامج «Arab Idol» الفني، بينما الأوضاع مشتعلة على الأرض في سوريا.. أو تلك التي يرد فيها على رسالة لزوجته (قالت فيها إنها ستفرغ مما تقوم به الساعة الخامسة مساء)، بقوله (متهكما على المطالبات الدولية بإجراء إصلاحات في سوريا) «هذا أفضل إصلاح يمكن أن يحدث في أي بلد.. أن تخبريني بمكان وجودك. هذا أفضل من سخافات قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام».