وكالات التجسس الأميركية تجد صعوبة في تحديد تطور البرنامج النووي الإيراني

مسؤولون يعتقدون أن طهران لم تستأنف برنامجها منذ أوقفته في 2003.. وآخرون يعتبرون نظامها «محيرا» للغاية

شهرام أميري العالم النووي الإيراني لدى عودته إلى طهران في 2010، بعد أن زعم أن عملاء أميركيين اختطفوه (نيويورك تايمز)
TT

في الوقت الذي رأت فيه وكالات التجسس الأميركية أن الإيرانيين قد أوقفوا جهود صنع قنبلة نووية التي تعود إلى عام 2003، فإن صعوبة تقييم طموحات الحكومة تجلت قبل عامين، حينما ظهر خطر يبدو أنه يهدد الجهود الاستخباراتية الجديدة، بحسب مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين.

وقد أثار التنصت على الاتصالات بين المسؤولين الإيرانيين، التي يناقشون فيها برنامجهم النووي، مخاوف من أن يكون قادة الدولة قد قرروا إحياء الجهود الرامية إلى تطوير سلاح نووي، بحسب مسؤولين استخباراتيين.

وكانت نتيجة عمليات التنصت على الاتصالات، جنبا إلى جنب مع سيل من المعلومات الأخرى، هي بدء إجراء تقييمات مكثفة وتأجيل نشر تقدير الاستخبارات الوطنية لعام 2010، وهو تقرير سري يعكس إجماع محللين من 16 وكالة استخبارات. غير أنهم في النهاية اعتبروا عمليات التنصت وغيرها من الأدلة الأخرى غير مقنعة، وتمسكوا بالاستنتاج القديم.

وتبرز الأزمة الاستخباراتية، التي حدثت في عام 2010، والتي لم تتم إماطة اللثام عنها مسبقا، درجة الأهمية التي أصبح عليها هذا التقييم بالنسبة لقضايا الحرب والسلام.

واليوم، مع تسبب الشكوك حول مطامح إيران النووية في فرض عقوبات صارمة ضدها وتهديدات بمواجهة عسكرية، ذكر مسؤولو إدارة رفيعو المستوى أن إيران لم تقرر بعدُ ما إذا كانت ستواصل جهودها في سبيل تصنيع سلاح نووي أم لا، على نحو يعكس التحليل السري لمجتمع الاستخبارات. ولكن في حالة تغير ذلك التقييم، يمكن أن يساعد في تذليل عقبة وضعها الرئيس أوباما، الذي لم يستبعد الخيارات العسكرية كملاذ أخير لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.

على المستويين العام والخاص، يعبر مسؤولون استخباراتيون أميركيون عن ثقتهم في ادعاءات وكالات الاستخبارات. غير أن البعض يقر بأن ثمة فجوات استخباراتية مهمة في فهم نوايا قادة إيران وما إذا كانوا سيصدقون على الخطوات الحاسمة الرامية إلى تصنيع قنبلة نووية أم لا، أكثر الجوانب سرية لأحد أكثر الأهداف الاستخباراتية صعوبة في العالم.

ينقب السواد الأعظم من المحللين في كم من المعلومات الغامضة أو غير المكتملة، وأحيانا التي لم يتم تحديثها، والتي تمدهم بالتبعية لأفكار غير حقيقية عن الأنشطة التي يقوم بها الإيرانيون لا بأدلة على قدرات الإيرانيين الحقيقية.

نتيجة لذلك، يحذر مسؤولون من أنها لا يمكن أن تمنحهم اليقين، فقد قال مسؤول استخباراتي سابق رفيع المستوى: «يمكنني القول إن لديَّ ثقة بنسبة 75% في نتيجة التقييم التي مفادها أنهم لم يبدأوا البرنامج من جديد».

وقال مسؤول استخباراتي سابق آخر: «إيران هي أصعب الأهداف الاستخباراتية. إنها هدف أصعب بكثير من كوريا الشمالية». وتابع: «بقدر كبير، يرجع هذا إلى أن نظامهم محير للغاية»، مما «يصعب مهمة تحديد من يتحدث رسميا وعن أي موضوع». وأضاف: «نحن لسنا على الأرض، وعدم وجود وكلاء لنا على الأرض لمتابعة التغييرات يمثل مشكلة».

تقول إيران إن برنامجها النووي لأغراض مدنية سلمية، إلا أن وكالات الاستخبارات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية قد جمعت أدلة في السنوات الأخيرة تفيد بأن بعض الأنشطة البحثية الإيرانية التي يحتمل أن تكون مرتبطة بتصنيع أسلحة نووية مستمرة منذ عام 2003، بحسب مسؤولين. ولم تكن تلك المعلومات مهمة بالقدر الكافي لوكالات الاستخبارات كي تغير رأيها في أن برنامج تصنيع الأسلحة النووية لم يُستأنف من جديد.

ويتفق جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) مع تقييمات الاستخبارات الأميركية، حتى مع ضغط قادة سياسيين إسرائيليين من أجل اتخاذ إجراء عدواني سريع للحيلولة دون أن تصبح إيران، على حد وصفهم، خطرا يهدد وجود الدولة اليهودية.

«وكلاؤهم يطرحون أسئلة عويصة، لكن الموساد لا يتفق في الرأي مع أميركا بشأن برنامج الأسلحة»، هكذا قال مسؤول استخباراتي أميركي سابق رفيع المستوى، الذي، على غرار آخرين أدلوا بمعلومات لهذا المقال، تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته لمناقشته معلومات سرية. وأضاف: «ليس ثمة خلاف كبير بين الولايات المتحدة ووكالات استخبارات إسرائيلية حول تلك الحقائق».

وفي إطار محاولة تقييم المخاطر المحتملة لبرنامج إيران النووي، أمضت وكالات الاستخبارات الأميركية سنوات في محاولة تعقب جهودها في مجال تخصيب اليورانيوم وتطوير تكنولوجيا القذائف، والكشف عن أي خطوة في اتجاه تصميم وصنع قنبلة نووية.

ويعتبر البحث عن إشارات دالة على استئناف برنامج أسلحة أكثر صعوبة من مراقبة أنشطة تخصيب اليورانيوم وتصنيع القذائف، التي تتطلب استثمارات ضخمة في المصانع والتجهيزات والبنية التحتية وثيقة الصلة. وذكر مسؤولون استخباراتيون أميركيون أن المحادثات التي دارت بين نحو 12 مسؤولا إيرانيا وعالِما رفيعي المستوى تستحق الرصد للوقوف على ما إذا كان قد استؤنف برنامج تصنيع الأسلحة أم لا؛ نظرا لأن القرارات بشأن القضايا النووية في إيران ليست موحدة.

«تعقُّب المفاعلات النووية أسهل من تعقب منشآت تخصيب اليورانيوم، لكن بشكل عام، فإن أي نشاط يتطلب الكثير من أعمال البناء يكون أسهل في تعقبه من الأنشطة العلمية والفكرية»، هذا ما قاله جيفري ريتشيلسون، مؤلف كتاب «التجسس على القنبلة النووية»، الذي يستعرض تاريخ الاستخبارات الأميركية بخصوص البرنامج النووي الإيراني. وأضاف: «في مراحل معينة، يكون من الصعب جدا تعقب أنشطة تصنيع الأسلحة، ما لم تكن هناك محادثات جارية وكان من المتاح التنصت عليها».

ليس من الواضح مدى مصداقية الأدلة التي قد جمعتها وكالات التجسس؛ لأن معظم النتائج التي توصلت إليها سرية، غير أن مسؤولين استخباراتيين يشيرون إلى أنهم كانوا يوجهون إمكاناتهم الاستخباراتية كلها للبرنامج النووي الإيراني.

بينما تتنصت وكالة الأمن القومي على المحادثات الهاتفية التي تجرى بين مسؤولين إيرانيين وتجري أشكالا أخرى من المراقبة الإلكترونية، فإن وكالة الاستخبارات القومية لشؤون الجغرافيا الفضائية تقوم بتحليل صور تم التقاطها بالرادار وصور رقمية لمواقع نووية. ويرى محللون خارجيون أن الطائرات من دون طيار المعتمدة على استخدام أحدث التقنيات تخترق عنان السماء خلسة، هبطت إحداها نهاية العام الماضي على الأراضي الإيرانية، على الرغم من أن مسؤولين أميركيين قالوا إنهم فقدوا السيطرة عليها في أفغانستان.

في الوقت نفسه، تُزرع مجسات أرضية سرية، يمكن أن تتعقب الإشارات الكهرومغناطيسية أو الانبعاثات الإشعاعية التي يمكن ربطها بأنشطة نووية سرية، بالقرب من منشآت نووية مشتبه بها. وتعتمد الولايات المتحدة أيضا بشكل كبير على معلومات يجمعها مفتشون بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، ممن يزورون بعض المنشآت الإيرانية المرتبطة بأنشطة نووية.

غير أن جمع استخبارات بشرية مستقلة – بالاستعانة بجواسيس – يعتبر، حتى الآن، أكثر المهام صعوبة بالنسبة للاستخبارات الأميركية. وقد تسببت بعض الأخطاء في العمليات – إلى جانب عدم وجود سفارة تكون بمثابة قاعدة عمليات منذ أزمة الرهائن قبل 3 عقود – في ترك وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في حالة أقرب إلى الجهل التام بما يحدث على الأرض في إيران، بحسب مسؤولين استخباراتيين سابقين.

على سبيل المثال، في عام 2004، عرَّضت الـ«سي آي إيه» حياة شبكة كاملة من العملاء الإيرانيين للخطر بعد وقوع خطأ تكنولوجي من جانب ضابط بالوكالة، حسبما أفاد مسؤولون استخباراتيون سابقون.

وفي عام 2005، ألقت لجنة رئاسية قامت بتقييم إخفاقات الاستخبارات الأميركية في فترة ما قبل الحرب بشأن برامج الأسلحة المزعومة لإيران، باللوم على الاستخبارات الأميركية في الشأن الإيراني، بخلوصها إلى أنها تضمنت القليل من المعلومات القيمة التي أمد بها جواسيس.

وفي وقت لاحق، وقفت عقبة في طريق جهود الـ«سي آي إيه» لاستجواب إيرانيين منفيين خارج البلاد وتجنيد عملاء نوويين. قبل عامين، تعين على مسؤولين بوكالة الاستخبارات التنقيب في حطام القضية الغريبة لشهرام أميري، العالم النووي الإيراني الذي غادر إيران متجها إلى الولايات المتحدة في عام 2009، ثم عاد لإيران مرة أخرى في عام 2010، بعد ادعاءات بأنه قد تم اختطافه من قبل الـ«سي آي إيه».

وتبدو قضيته مشابهة بصورة مخيفة لقضية فيتالي يورشينكو، ضابط الاستخبارات السوفياتية (كيه جي بي) الذي انشق إلى الولايات المتحدة في عام 1985، ثم عاد مرة أخرى إلى الاتحاد السوفياتي في وقت لاحق من هذا العام، مدعيا أنه قد تم تخديره واختطافه من قبل الـ«سي آي إيه».

على غرار قضية يورشينكو، أثارت قضية أميري جدلا داخل أوساط الاستخبارات بشأن ما إذا كان منشقا حقيقيا وما إذا كان يمكن الوثوق بأي من المعلومات التي أدلى بها أم لا.

تتشارك الولايات المتحدة وإسرائيل المعلومات الاستخباراتية حول إيران، بحسب مسؤولين أميركيين. وفي جهودها في مجال التجسس، تعتمد إسرائيل بشكل جزئي على جماعة إيرانية منفية تصنفها الولايات المتحدة باعتبارها منظمة إرهابية، وهي «مجاهدين خلق»، التي تتخذ من العراق مقرا لها. وقد وطد الإسرائيليون علاقات وثيقة في منطقة كردستان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق، ويعتقد أنهم يستعينون بوكلاء أكراد يمكنهم الانتقال جيئة وذهابا عبر الحدود مع إيران.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين يخشون من الاعتماد على معلومات من جماعة معارضة، مثل «مجاهدين خلق»، خاصة بعد التجربة التي مروا بها في العراق من الاعتماد على معلومات مغلوطة أمدهم بها المؤتمر الوطني العراقي، وهو عبارة عن منظمة تعمل في المنفى بقيادة أحمد الجلبي.

«تحدوني شكوك هائلة في أي معلومات تقدمها منظمة (مجاهدين خلق)»، هذا ما قاله ديفيد كاي، الذي ترأس جهود الـ«سي آي إيه» غير المثمرة للعثور على برنامج أسلحة في العراق. وأضاف: «تعاملنا جميعا مع ممثلي المؤتمر الوطني العراقي من قبل».

مثلما حدث في عام 2010، تسببت أدلة جديدة عن البرنامج النووي الإيراني في تأجيل تقدير الاستخبارات الوطنية في عام 2007، آخر تقييم سابق. ويقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إنه كان قد تم الانتهاء من إعداد مسودة للتقييم عندما بدأت الولايات المتحدة في جمع معلومات استخباراتية تشير إلى أن إيران قد عطلت برنامج أسلحتها وقامت بحل فريق أسلحتها منذ 4 سنوات.

وقد خلصت المسودة إلى أن الإيرانيين كانوا يحاولون تصنيع قنبلة، وهي النتيجة نفسها التي توصل إليها تقييم أُجري عام 2005. لكن مع فحصهم المعلومات الاستخباراتية الجديدة من مصادر كثيرة، من بينها الاتصالات التي تم التنصت عليها، والتي سمع فيها مسؤولون إيرانيون يشكون لبعضهم البعض من إيقاف البرنامج، قرر المسؤولون الاستخباراتيون الأميركيون أن عليهم تغيير مسارهم، بحسب مسؤولين. وبينما استمرت أنشطة تخصيب اليورانيوم، كانت الأدلة على أن إيران قد أوقفت برنامج أسلحتها في عام 2003 بتوجيه من المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، قوية جدا على نحو لا يمكن تجاهله، بحسب قولهم.

ووصف مسؤول سابق رفيع المستوى المعلومات بأنها مقنعة جدا، وقال: «لديَّ ثقة كبيرة فيها. كان هناك كم هائل من الأدلة على أنه تم وقف البرنامج النووي».

واليوم، على الرغم من الانتقادات الموجهة لذلك التقييم من قبل بعض المراقبين الخارجيين والساسة المتشددين، ما زال محللون استخباراتيون أميركيون يرون أن الإيرانيين لم يتلقوا الضوء الأخضر من آية الله خامنئي لبدء البرنامج من جديد. وقال مسؤول أميركي: «يبدو التقييم مثاليا بالفعل».

* خدمة «نيويورك تايمز»