معارض عراقي من عهد صدام يخرج من مخبئه بعد 20 عاما ليتمنى العودة إليه

جواد الشمري: السنوات السوداء التي عشتها في القبو أهون من ضنك العيش حاليا

جواد الشمري ينظر إلى بعض الحاجيات التي كان يحتفظ بها داخل قبوه الذي أمضى فيه 20 عاما (أ.ف.ب)
TT

يتمنى معارض عراقي أمضى أكثر من عشرين عاما في مخبأ تحت الأرض في بلدة النعمانية في محافظة واسط جنوب بغداد، خوفا من بطش نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، أن يعود إلى قبوه بسبب إهمال النظام الجديد لحالته وعدم إيلائها اهتماما كغيره من المعارضين أو السجناء السياسيين أو المهجرين.

ولم يفلح جواد الشمري (51 عاما) الذي تحدث لوكالة الصحافة الفرنسية بعد سنوات على خروجه من مخبئه، في الحصول على وظيفة، بينما لا تعترف الحكومة به كسجين سياسي، ولم يحصل على أي تعويض يساعده وعائلته على كسب العيش. ويقول الشمري، الذي تقوس ظهره بعد جلوسه سنوات طويلة داخل قبوه، إنه لم يجد إلا زراعة خضراوات بسيطة لكسب عيشه. الشمري بدأ نشاطه السياسي عام 1974 بانضمامه إلى حزب الدعوة عندما كان طالبا في المرحلة الإعدادية.

وأصبح مطاردا بسبب انتمائه لهذا الحزب المحظور، وصدر بحقه حكم غيابي بالإعدام، ولم يكن أمامه متسع من الوقت للإفلات من حبل المشنقة. لذلك قرر بعد مرور نحو سنة من الاختباء، حفر قبو تحت منزل العائلة لا يزيد عمقه على مترين وعرضه متر ونصف المتر أمضى فيه عشرين عاما بمساعدة والدته، متواريا عن أنظار أجهزة النظام التي ظلت تقتفي أثره دون جدوى، وكانت تتعامل بقسوة كبيرة مع المعارضين السياسيين الذين صدرت أحكام بالإعدام على عدد كبير منهم.

وحادثة خروج الشمري من هذا القبو بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003 واحدة من أكثر القصص إثارة، إذ إنها قدمت صورة واضحة عن معاناته وقسوة وسطوة نظام حزب البعث ضد المناوئين له. ويعيش الشمري في منزله في بلدة النعمانية (140 كلم جنوب شرقي بغداد) في ظروف من الكفاف والضيق المادي. ويقول «إنها أيام أسوأ من تلك التي عشتها في الحفرة عندما كنت معارضا في عهد النظام السابق». ويضيف أن «السنوات السوداء التي عشتها في تلك الحفرة أهون علي من ضنك العيش الذي أمر به حاليا»، معتبرا أن «ظلم القربى أشد مضاضة»، في إشارة إلى المعارضين السياسيين الذين وصلوا إلى سدة الحكم. ويتابع «لم أشمل بالمفصولين السياسيين ولم أحتسب متقاعدا ولم أحصل على فرصة عمل أسوة بغيري من المفصولين السياسيين والمهجرين خارج البلد».

ويحصل السجناء السياسيون الذي اعتقلوا في عهد صدام حسين على منحة مالية تقدر بنحو 80 مليون دينار عراقي (نحو 66 ألف دولار) وقطعة أرض للسكن وراتب شهري يصل إلى 500 ألف دينار (نحو 400 دولار)، من قبل الحكومة الحالية. ويتابع الرجل بحزن «أعيش حاليا من دون راتب أو إعانة اجتماعية».

ويقيم الشمري الذي تزوج في 2010، مع زوجته وابنه محمد وثلاثة آخرين من أفراد عائلته في قرية تتألف من بيوت متناثرة لا يملك أهلها سوى الزراعة لكسب قوتهم، وتحمل اسم قاسم الشبر الذي أعدمته السلطات العراقية مطلع الثمانينات. ويروي الشمري أنه أمضى سنين الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988) وهو يستمع لنشرات الأخبار في مذياعه الصغير، مؤكدا أنه كان وحيدا لأن والدته وإخوته لم يكونوا يجرؤون على زيارته في قبوه. ويضيف «كنت أسلي نفسي طوال فترة اختبائي بالصلاة والاستماع إلى المذياع وأقضي بعض الوقت في تحضير طعامي» في هذا القبو الذي لم يكن فيه سوى سجادة مهترئة وحصيرة وأدوات طبخ بسيطة ومذياع وكتب دينية. ويوضح أن تهوية المكان كانت تتم بفضل أنبوب بلاستيكي مدته والدته من القبو إلى الخارج.

وتقول والدته، أم جواد، التي تقدمت بها السن «قاسيت أنواعا من العذاب من أجل الحفاظ على ولدي». وتضيف أن «أكثر ما كان يرهقني هو الإجابة عن استفسار الأهل والأقرباء عن ابني (..) ومضايقات الأجهزة الأمنية في عهد النظام البائد التي مارست ضدي شتى أنواع القمع وحاولوا تجنيد الجيران والأقارب لجمع معلومات تتعلق بحياة ابني». ومنذ أن عاد إلى حياته الطبيعية، لم يحصل الشمري على أي مساعدة باستثناء معونة شخصية تبلغ 4 آلاف دولار من رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري. وبفضل هذه المعونة تمكن من الزواج ورزق بابن سماه محمد الصدر، تيمنا بمحمد باقر الصدر، مؤسس حزب الدعوة الإسلامية.

من جهته، أكد مسؤول حزب الدعوة في محافظة واسط، فارس علي عسكر «نحن مع قضيته لكنها خارجة عن قانون الفصل السياسي، ولا تملك غطاء قانونيا، لأنه هو من حكم على نفسه». وأضاف أنه «بحاجة إلى تشريع خاص» لمعالجة قضيته. ويقول هذا السجين الفريد من نوعه إنه عاش ظروفا صعبة، لكن أقسى ما واجهه كان تنفيذ عقوبة الإعدام بحق أخيه ثم وفاة شقيقته ومرض والدته. ويقول «كل هذا حدث وأنا مرغم على البقاء داخل القبو».