الثورة السورية تعسكرت بنسبة 70%.. والمعارضون يريدون المزيد

انتفاضتان مسلحتان سبقتا أطفال درعا في القامشلي وتلكلخ

TT

«عندما بدأت الثورة في دمشق ودرعا، ثم وصلت أصداؤها إلى إدلب، خرجت مظاهرات تصدى لها الأمن بالعصي أحيانا والسلاح في أحيان أخرى. ساد جو من الغضب والفوضى، ولجأ المواطنون، هذا إلى بندقية صيد، وآخر إلى مسدس، للدفاع عن أنفسهم».. هكذا وصف أنس من إدلب بداية الثورة هناك، مضيفا: «إن السلاح الفردي كان موجودا بين أيدي الناس، خصوصا في الريف، وغالبيته غير مرخص بسبب ارتفاع أسعار الرخص».

ويشرح أنس أن «أهل إدلب نصفهم ربما عندهم أسلحة فردية، وأهل درعا - تقليديا - عندهم أسلحة أيضا، كما أن السلاح الفردي بالنسبة للعشائر في سوريا يعتبر جزءا من حياتهم». وعن المناطق التي كان يوجد فيها السلاح قبل الثورة يشرح لنا أنس «أن مدينة تلكلخ بشكل خاص هي مركز شهير للتهريب على الحدود اللبنانية - السورية، وكذلك بعض مناطق ريف دمشق القريبة من لبنان مثل الزبداني ويبرود المعروفتين بالتهريب أيضا، وهناك مناطق أخرى في دير الزور على الحدود العراقية والتركية».

ويتحدث أهالي تلكلخ والقامشلي عن واقعتين مسلحتين يعتبرانهما ثورة سبقت الثورة. فقد شهدت القامشلي عام 2004 انتفاضة كردية مسلحة، تم إخمادها. وشهدت تلكلخ قبل نحو ستة أشهر من اندلاع الثورة اشتباكات مسلحة بين القوى النظامية والأهالي، بسبب منعهم من التهريب، وأخمدت كذلك بعد قتل واعتقالات طالت المئات من الشبان. ويروي لنا حسان، وهو ناشط شاب من تلكلخ، أنه «عندما بدأت الثورة في درعا كانت تلكلخ قد أسكتت بالكامل، لكن الاحتقان بقي موجودا، فانتفض أهلها بسلاحهم، تضامنا مع أهالي درعا. وهو ما لم يكن حال سكان حمص الذين خرجوا حينها بمظاهرات أكثر سلمية». ويضيف حسان: «كثيرون كانوا يملكون أسلحة فردية آثروا التظاهر سلميا في تلك الفترة، وغيرهم استفزوا واستخدموا أسلحتهم».

تامر، مُعارض من باب السباع في حمص، يقول إنه «في أواخر شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي بدأ الناس يشعرون أن السعي للحصول على السلاح بات ضرورة، بسبب هجمات الشبيحة والأمن». ويضيف: «كل مواطن أخذ يحاول الحصول على قطعة سلاح، ولو باع أثاث منزله، أو مصاغ زوجته». لكن حنان من بابا عمرو التي قتل خمسة شبان من عائلتها تشرح لنا أن «الحصول على السلاح كان قد أصبح ضروريا، ليس فقط بسبب وحشية النظام، ولكن لأن حالة كبيرة من الفلتان والفوضى استشرت في حمص، بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة. فقد انتشر الخطف والقتل وشهد أهالي المدينة اعتداءات، واختلطت الأمور على الأهالي، وما عاد يعرف من مع النظام ومن ضده. بقي الحال على هذا النحو لأشهر حتى حوصر حي بابا عمرو بالكامل، وفرز الطرفان في تلك المنطقة».

«حمص كانت الأوفر حظا في الحصول على الأسلحة»، بحسب ما يقول الناشط أنس، «لأن الأسلحة التي رأيتها في حمص لم أشاهد لا من نوعها ولا كمها في إدلب. ورغم وجود عمليات تهريب من تركيا»، فإنها في رأيه تبقى في إدلب قليلة، نسبة لما يتم تهريبه من لبنان. ويقول أيضا: «رغم تلغيم المناطق الحدودية، وتشديد الرقابة على الحدود اللبنانية، ومحاولة الجيش السوري منع المرور، فإن عمليات تهريب واسعة لا تزال تتم على نحو كبير».

ويقول لنا سكان من وادي خالد في عكار، وهي المنطقة اللبنانية الحدودية التي يعتقد أن جزءا لا يستهان به من السلاح الواصل إلى سوريا يمر منها: «هناك لبنانيون وسوريون يخاطرون بحياتهم لمساعدة الثوار، لكن الغالبية ممن يهربون السلاح إنما يجازفون لأهداف تجارية بحتة. والهدف في النهاية هو إيصال السلاح للداخل، وليس مهما بعد ذلك من الذي يشتري، فالوضع الحالي فرصة ذهبية لتجار الأسلحة الذين يعرفون أن كل ما سيصلون به إلى سوريا سيسوق بأسعار لم يحلموا بها في السابق، وهو ما يحفز على المخاطرة».

عمران ناشط في الخامسة والعشرين، من ريف حلب، يتنقل بين لبنان وسوريا لتهريب معدات اتصالات إلكترونية، في رأيه أن «70% من الثوار السوريين باتوا مسلحين، لكن أسلحتهم لا تزال خفيفة وعاجزة عن مواجهة الدبابات والمدفعية». ويؤكد عمران أن «تبرعات مالية كثيرة ترسل إلى الثوار من أفراد وجهات مختلفة، لمساعدتهم على شراء السلاح، لكن بعضها لا يصل بالضرورة، ويضيع على الطريق. وهناك جهات تتعامل مباشرة مع تجار الأسلحة تدفع لهم وتطلب توصيل ما اتفق عليه للثوار. ولذلك فإن التسليح يحتاج إلى مزيد من التنظيم والانضباط، فهناك نقص في الذخيرة، حتى ولو توفرت أسلحتها. والثوار يعمل كل فريق منهم بالتنسيق مع مجموعات صغيرة حوله، لكن لا يبدو أن ثمة خطة تشمل الجميع».

عمران يتحدث أيضا عما سماه «فوضى المسلحين، والفلتان الذي يصيب الأهالي بالخوف»، ويتأسف «لأن بعض المسلحين المعارضين يشتبك بعضهم مع بعض، إما لأسباب ثأرية قديمة، وإما لخلافات طارئة، وهو ما يوقع ضحايا». أما عن دور الجيش الحر فيقول عمران: «هم لا يزالون قلة بالنسبة لعدد المسلحين الآخرين. وبالنسبة لي فإن الجيش الحر هو الواجهة الإعلامية للمعارضة المسلحة، التي تضم كل من يريد أن يسقط النظام واستطاع الحصول على قطعة سلاح».

يشرح الناشطون الذين تحدثنا معهم أن «الثورة تعسكرت لكن بسلاح أغلبه خفيف»، وهم يبدون حماسة كبيرة للتمويل الذي قال برهان غليون إنه «سيتدفق لشراء السلاح». بابا عمرو، بحسب ما يشرح الناشطون، كان حالة عصيان استثنائية، حيث تحول إلى قاعدة مسلحة ومحمية للجيش الحر والمعارضة المسلحة عموما. في الحي تمترس هؤلاء وتمكنوا من إقامة مركز اتصال وسجون وأقاموا محاكمات.. ومن هنا جاء استشراس النظام للقضاء عليها. وبحسب جرحى من بابا عمرو يعالجون في لبنان فإن «المنشقين في المنطقة الوسطى والغربية كانوا يجدون في هذا الحي الحمصي ملاذا آمنا يلجأون إليه، ويستقبلون بكثير من الترحاب من قبل الأهالي. وكان الحلم أن يتحول بابا عمرو إلى بنغازي سوريا، ومنه تكون الانطلاقة لتحرير كل البلاد».

أنس الناشط من إدلب يوافق على أن لا شبيه لحالة بابا عمرو، «ففي جبل الزاوية ثمة حالة عصيان وتجمع للجيش الحر في الجبال، لكن الأمر في حمص مختلف». ويشرح أنس أن «الجيش الحر ومن معهم متفرقون في إدلب بشكل عام، وليس لهم تجمع كبير على غرار بابا عمرو».

أمام هذا الوضع التسلحي المشرذم فتميل غالبية المعارضة للحصول على سلاح نوعي تستطيع بواسطته مقاتلة الجيش، إلا أن بعض الأصوات لا تزال تعتبر أن مزيدا من التسليح قد يزج بسوريا في انقسامات مسلحة يصعب إنهاؤها بعد إسقاط النظام، نتيجة لتشتت المعارضين واختلاف مشاربهم، وللنعرات الطائفية التي بدأت تطفو على السطح.

وكردّ على هذا الرأي أعلن برهان غليون رئيس «المجلس الوطني السوري» في مارس (آذار) عن إنشاء «مكتب للتنسيق العسكري»، الذي من شأنه أن «يحدد استراتيجية الجيش السوري الحر ويشرف على مده بالسلاح». وهو ما لم ترحب به قيادة الجيش الحر وعلى رأسها رياض الأسعد، في حينه، بسبب عدم التشاور المسبق مع هذه القيادة.. لكن يبدو أن الاتصالات جارية لتذليل العقبات أمام إنشاء المكتب.

وتزامنا مع وصول كوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى دمشق، وتصاعد الكلام عن حوار بين المعارضة والنظام السوري وتراجع الحماسة الدولية لتسليح المعارضة أو التدخل الأجنبي، رد برهان غليون بالقول إن «أي حل سياسي لن ينجح، إلا إذا رافقه ضغط عسكري على النظام لوقف القتل». ورأى غليون أنه «لا بد من تأمين السلاح النوعي للجيش السوري الحر»، مشيرا إلى أن «هذا يحتاج إلى محادثات مع الدول، خصوصا أن الجميع يدرك أن النظام لن يستسلم إلا بالقوة».

وبانتظار التوافق الدولي على تسليح المعارضة، فإن المهربين يعملون بنشاط كبير على الحدود السورية - اللبنانية، وبزخم أقل على الحدود التركية، لتوفير السلاح لكل من يملك ثمنه. فالشعب السوري استخدم سلاحه دون إذن من أحد، ويبدو أنه ماض في تسلحه وإن أقلق هذا واشنطن أو أزعج روسيا.