لاجئون سوريون: الأسد يجبرنا على الهرب حتى يستريح

الحكومة تذكي نار الفتنة العرقية بين السكان

TT

يتحدث المسلمون السنة الذين فروا من سوريا عن ممارسات قمعية من الحكومة أكثر اتساعا وطائفية مما كان متصورا في السابق، حيث يقوم مدنيون من طائفة الأقلية الدينية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد بإطلاق النار على من كانوا يوما ما جيرانا لهم، في ظل تعجل الجيش ما يعتبره كثير من السنة هناك حملة لإجبارهم على الفرار من منازلهم وقراهم في بعض المناطق من البلاد.

وقد قدم لاجئون قادمون من القصير، وهي بلدة تقع في المحافظة نفسها التي تقع فيها مدينة حمص، أحد معاقل الثورة، وما حولها وصفا نادرا من شهود عيان على الفاجعة التي تتكشف معالمها تدريجيا في غرب سوريا، مع استمرار القصف المكثف للقرى والأهالي، حيث قالوا إنه يبدو أن الحكومة اكتشفت أنها حينما أجبرت الثوار على الانسحاب من معاقل مثل حي باب عمرو في حمص، سرعان ما عاد مقاتلو المعارضة والثوار إلى التجمع في مناطق أخرى يسكنها السنة.

ونتيجة لهذا، فهم يقولون إنهم يعتقدون أن الحكومة لم تكن تضرب بشكل عام مراكز الثورة في الحضر فحسب، بل ضربت أيضا بلدات وقرى لم يكن لها دور محوري في الثورة الشعبية التي اندلعت منذ عام. وترسم الروايات المباشرة من اللاجئين صورة لقطاع من غرب سوريا واقع تحت حصار أكبر - وربما يكون أكثر ثورة أيضا - مما كان متصورا بصورة عامة من خلال الروايات المباشرة السابقة.

يقول أبو منذر (59 عاما)، عسكري سابق بالجيش السوري من قرية المزرعة، وهو يعمل على موقد خشبي داخل منزل ريفي مبني من قوالب إسمنتية مع نحو 20 لاجئا آخر، وهو، كمعظم من حاورناهم، كان خائفا من ذكر اسمه بالكامل «الجيش يريد إجلاء الناس لإبعادهم عن الاحتجاجات. إذا رحلوا أو قتلوا، فلن يكون هناك أحد حتى يحتج».

وهناك، بحسب الأمم المتحدة، ستة آلاف لاجئ سوري على الأقل يعيشون في وادي البقاع شرق لبنان، من بينهم بضع عشرات من الرجال والنساء والأطفال أجرينا معهم حوارات هنا في الناحية الشمالية من الوادي، وقالوا إنهم يشعرون بأنهم مهددون كسنة، وذكر العديد منهم أنهم شاهدوا قوات الجيش توزع البنادق على أهالي القرى العلوية المجاورة - التي تنتمي إلى الطائفة الإسلامية المبتدعة نفسها التي ينتمي إليها الأسد - وأن جيرانهم هؤلاء قاموا بعدها بفتح النار عليهم.

وتعزز هذه الروايات أقوال الناشطين، الذين أمكن الوصول إليهم داخل سوريا عبر الهاتف والبريد الإلكتروني، حول عمليات التهجير التي تتم على أساس طائفي، إضافة إلى حوارات أجريت مع الناس داخل سوريا.

ويصف اللاجئون وضعا تكثف فيه الحكومة من إجراءاتها القمعية، حتى في قرى وبلدات نائية نسبيا مثل القصير، حيث أغلقت المدارس والشركات، وكثرت عمليات القصف، ويخشى الناس الخروج خوفا من الصواريخ والقناصة. وذكر اللاجئون أنهم يعتقدون أن معظم الأهالي السنة في أربع قرى، وهي ربلة وزهرة وجوسية والمزرعة، قد فروا إلى دول أخرى أو مناطق أخرى داخل سوريا.

ومن الصعب تقييم كل ما يقوله اللاجئون، حيث إن كل جانب في النزاع السوري، الذي يعتبر الأطول والأكثر دموية في الثورات العربية، يلقي باللوم على الجانب الآخر في هذا الانقسام الطائفي. ويمثل السنة أغلبية الشعب السوري، وإن كانت الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد تطغى على النخب الحكومية والأمنية في البلاد، وقد أشعلت الحكومة شرارة المخاوف الطائفية حين صورت نفسها في صورة المدافع عن السكان المسيحيين والعلويين، الذين لهم وجود كبير في سوريا، ضد ما سمته هجمات من الإسلاميين السنة.

وتقول أم نصر (34 عاما)، وهي امرأة حامل تحتمي مع عدد من النساء والعشرات من أطفالهن داخل أحد المنازل الريفية هنا، إن نحو 15 من أفراد أسرتها في قرية جوسية تعرضوا لإطلاق النار من قرية هاسبيه العلوية المجاورة منذ أسبوعين بينما كانوا يحاولون مغادرة منزلهم.

وقالت والدتها، أم خالد (65 عاما)، إنها بداية من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كانت تشاهد القوات الحكومية وهي تضع البنادق على الأرض وتوزعها على الأهالي من العلويين. وقالت أم نصر إنها لم تفهم لماذا يفعلون ذلك، لكن الشهر الماضي تعرض كثير من أهالي قرية جوسية لإطلاق النار من أهالي قرية هاسبية. وأضافت «نحن نعرفهم. لقد اعتدنا على الحياة جنبا إلى جنب».

ويقول المشككون إنه إذا فر السكان من قرى وبلدات بأكملها، فسوف يكون هناك مزيد من الآلاف من اللاجئين في الدول المجاورة، لكن اللاجئين يقولون إن الكثيرين يخشون العبور إلى لبنان، الذي يعتبرون أن جيشه مؤيد لسوريا، واختاروا بدلا من ذلك الفرار إلى منازل أقاربهم في مناطق أخرى من سوريا. وأعلن الصليب الأحمر في سوريا هذا الشهر أن ما يزيد على 200 ألف شخص تم تهجيرهم داخليا.

وقال طبيب من القصير، قام بنقل أحد الثوار الذي أصيب بقذيفة هاون إلى لبنان لعلاجه هناك، إنه استقال من حزب البعث العلماني الحاكم حين بدأت الثورة، من أجل علاج الجرحى من الثوار والمدنيين في مستشفى ميداني متنقل، واختار لنفسه اسما مستعارا هو خالد بن الوليد، وهو اسم الصحابي الجليل والقائد العظيم في نظر كثير من أهل السنة، والذي سمي باسمه المسجد الذي تجمع فيه الثوار لإطلاق أول مظاهرة في القصير العام الماضي.

وبعد ذلك توفي الجريح، ويدعى محمد تاج الدين رعد (23 عاما)، وحينما جاء الطبيب لفحص الجثة الممددة داخل مسجد قريب، سُئل عما إذا كان قلقا من أن الشباب السنة سوف يثأرون من العلويين. وقد ذكر المراقبون وكذلك الأنباء الواردة من هناك شواهد على وقوع عمليات ثأر ضد قوات الأمن. وقال الطبيب بينما كان يسير بصعوبة عبر بستان خوخ «لا. ديننا يعلمنا الصفح والمغفرة». لكن رجلا آخر من أهالي القصير، يدعى أبو خليل، اختلف معه. وتساءل الرجل «هل نظل نسامح إلى أن نجد أنه لا يوجد أحد من السنة على قيد الحياة؟».

وتبدو روايات اللاجئين عن قصف المدنيين متفقة مع التقرير الذي أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأسبوع الماضي، استنادا إلى حوارات أجريت مع 17 لاجئا من القصير وصحافي فرنسي قضى بعض الوقت هناك. وتحدث التقرير عن زيادة عدد الوفيات والجرحى بين المدنيين نتيجة قصف الأحياء السكنية والمزارع وكذلك إطلاق النار على الناس أثناء محاولتهم الفرار، واستشهد التقرير بفتاة في الثانية عشرة من عمرها أصيبت بطلق ناري في ساقها بواسطة قناص من أعلى بناية البلدية في القصير أثناء محاولتها الفرار وهي تحمل ابن عمها الرضيع.

لكن اللاجئين هنا في القاع يتحدثون أيضا عن عنصر جديد مثير للقلق، وهو وجود دافع طائفي متزايد وراء انتشار العنف، على حد تعبيرهم. ومن المستحيل التحقق من صحة هذه الروايات بسبب القيود التي تفرضها الحكومة السورية على الصحافيين هناك. ويبدو التناقض بين اللاجئين هنا في وصف ما يعتبرونه تطهيرا طائفيا، حيث ذكر مؤيدو المعارضة أنهم يخشون من الانزلاق إلى الرواية التي تقدمها الحكومة، ودعوا المجتمع الدولي إلى عدم النظر إليهم باعتبارهم طائفيين في سعيهم للحصول على مساعدات عسكرية من الخارج.

وأشار الكثيرون إلى أنهم شخصيا يأملون في الوصول إلى مستقبل من التعددية والمساواة الدينية، وأنهم سيدعمون تأليف حكومة عادلة من أي طائفة. كما أعلنوا - وربما كانت هذه مجرد أمنية - أن جيرانهم المسيحيين «من داخلهم» يؤيدونهم، رغم أن الكثيرين منهم لا يشاركون في الاحتجاجات. لكنهم يقولون في الوقت ذاته إنهم يشعرون بأن السنة مستهدفون، حيث ينظرون إلى كفاحهم من منظور ديني، ويلقون باللوم الأكبر على العلويين في ما يرتكب من أعمال العنف.

وقد عرض أحد اللاجئين تسجيلا بالفيديو على آلة التصوير الخاصة به يبين السوق القديمة بالقصير، والبنايات مليئة بثقوب، والمتاجر محترقة ومحطمة، كما عرض الطبيب صورا على آلة التصوير الخاصة به لأناس قال إنه أعلن وفاتهم بعد وابل من القصف المدفعي الجمعة الماضية، وهم عيسى عامر، وشقيقه وائل عامر، وأبو أجود ساسير الذي لطخ الدم وجهه ولحيته التي خطها الشيب، ورجل من ذوي الاحتياجات الخاصة قتل بقذيفة سقطت داخل منزله بعد أن منعه والده من مغادرة المنزل.

ثم غلبه التأثر حين وصل إلى محمد مصطفى عمار، الملازم بالجيش ورفيقه في الدراسة، حيث يقول الطبيب إنه أصيب بشظية قذيفة وهو في طريقه للاطمئنان على متجر الملابس الذي يملكه، وأظهرت الصورة وجهه وهو مشوه تماما بشق عميق ممتلئ بالدم في خده الأيمن. وأضاف الطبيب أنه، في سبتمبر (أيلول) الماضي، كان يعالج رجلين أصيبا بجروح في الساق حين اقتربت منهما قوات الحكومة وأطلقت النار عليهما مباشرة.

وقال أبو منذر، العسكري السابق بالجيش، إن مطبخ جاره أطلقت عليه رصاصات بطول إصبع الخنصر، وإن أهل زوجته كانوا يعيشون في قبو منزلهم في القصير بعد أن تسببت إحدى القذائف في إحداث ثقب يبلغ طوله قدمين في سقف مطبخهم، وإن ابنه تعرض لإطلاق النار عدة مرات وجرح، في اعتقاده، على يد قناص من أعلى بناية البلدية، بينما كان يطرق باب منزل أصهاره.

غير أن ما أقنعه بعدم الذهاب أبدا إلى منزله هو ما حدث الأسبوع الماضي، حيث يقول إن جاره، إبراهيم عامر، كان قد فر هاربا بعد احتجاز شقيقيه وعدم سماعه شيئا عنهما بعدها، لكن حين حاول العودة للاطمئنان على أقاربه، قام المسؤولون السوريون باحتجازه. وبعد يومين عثر على جثته، وكان الرأس ممزقا ومحطما كما لو كان قد تم ضربه بمطرقة، بحسب أبو محمد، جار آخر فر إلى هنا بعد أن ساعد في استعادة الجثمان.

ويقول اللاجئون إن العنف يتجه بصورة متزامنة إلى المناطق النائية - حيث يقوم الجيش بالقصف من بعيد بدلا من المغامرة باقتحام البلدات - كما يزداد عمقا، في ظل حالات الوفاة الناتجة عن الطعن والضرب، التي يعزونها إلى أسباب طائفية.

وتتحسر أم نصر على عدم تمكن أبنائها من الذهاب إلى المدرسة منذ سبتمبر الماضي، وأن المدرسة، المليئة بالجنود «كانت تتحول إلى قاعدة عسكرية». ثم ربتت على يد ابنتها، التي غطاها الوسخ، قائلة «لا يوجد ماء». وأضافت والدتها، أم خالد «كل ما نريده هو أن تنتهي هذه المشاكل. لدينا منزل مفروش بالسجاجيد وبه غسالة. نريد أن نعود وأن نبقى هناك».

* خدمة «نيويورك تايمز»