قمة بغداد تدعو الأسد إلى وقف القمع.. وتعتبر مجزرة بابا عمرو «ضد الإنسانية»

الزعماء العرب تبنوا خطة أنان وطالبوا الرئيس السوري بإعادة الجيش إلى ثكناته * السلام العادل والشامل مفتاح الحل للقضية الفلسطينية

الرئيس العراقي جلال طالباني يتوسط رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل (يمين) والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في مراسم افتتاح مؤتمر القمة العربية ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

في غياب زعماء مؤثرين، عقدت في بغداد أمس أول قمة عربية منذ 22 عاما، تزامن انطلاق أعمالها مع وقوع انفجار قرب السفارة الإيرانية المتاخمة للمنطقة الخضراء حيث تعقد القمة في دورتها العادية الثالثة والعشرين.

وأصدرت القمة، التي شارك فيها 9 زعماء عرب بالإضافة إلى الرئيس العراقي جلال طالباني، إعلان بغداد، و9 قرارات، حاز فيها الملف السوري على الأولوية القصوى. وأيد الزعماء العرب خطة السلام التي تتبناها الأمم المتحدة، وحثوا الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ظل موقع بلاده في القمة شاغرا، على العمل سريعا على تنفيذ الخطة التي تعرف باسم خطة كوفي أنان المبعوث الدولي إلى سوريا، كما دعوا إلى إطلاق حوار بين السلطات السورية والمعارضة، التي طالبوها بتوحيد صفوفها، بحسب ما جاء في القرار الخاص بسوريا. واعتبر القادة العرب في القرار الذي حظي بإجماع المشاركين وحصلت «الشرق الأوسط» على نصه، «مجزرة بابا عمرو المقترفة من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية ضد المدنيين، جريمة ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية».

وكان رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل، افتتح أعمال القمة، باعتبار أن بلاده استضافت القمة السابقة في سرت عام 2010، وقام بتسليم العراق رئاسة الدورة الـ23. وفور بدء عبد الجليل الحديث، هز بغداد انفجار قوي وقع قرب السفارة الإيرانية، سمع دويه من على بعد عدة كيلومترات. وقال مسؤول في الشرطة العراقية إن الانفجار نجم عن «قذيفة هاون سقطت قرب السفارة». وأضاف «ليس هناك ضحايا. بعض نوافذ السفارة أصيبت بأضرار».

وحضر القمة تسعة زعماء عرب بينهم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي يقوم بزيارة تاريخية هي الأولى من نوعها منذ اجتياح العراق للكويت إبان نظام صدام حسين عام 1990. وقال أمير الكويت في كلمته في الجلسة الافتتاحية إن العراق «يعود إلى دوره المعهود في العمل العربي المشترك»، مضيفا «نسعى مع الشعب العراقي لتجاوز الآلام والجراح». من جهته قال الرئيس العراقي جلال طالباني، وهو أول رئيس كردي يقود اجتماعات القمة، إن «غياب سوريا عن هذه القمة لا يقلل من اهتمامنا بما يحدث في هذا البلد الشقيق». وأضاف «نجدد دعوتنا لإيجاد سبيل سلمي بما يضمن تلبية تطلعات الشعب دون تدخل أجنبي»، مشددا على تأييد «إرادة الشعب السوري في اختيار نظام الحكم من دون تدخل أجنبي».

وبدوره، حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الزعماء العرب من أن تسليح طرفي الأزمة السورية سيؤدي إلى «حروب إقليمية ودولية بالإنابة في سوريا». وقال المالكي إن «خيار تزويد طرفي الصراع بالسلاح سيؤدي إلى حروب بالإنابة إقليمية ودولية على الساحة السورية». وأضاف أن «هذا الخيار سيجهز الأرضية المناسبة للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا مما يؤدي إلى انتهاك سيادة دولة عربية شقيقة». واعتبر أن «المسؤولية التاريخية والأخلاقية تحتم علينا جميعا العمل على تطويق أعمال العنف ومحاصرة النار المشتعلة في سوريا والضغط على طرفي الصراع وصولا إلى الحوار الوطني الذي نعتقد أنه الخيار الأسلم لحل الأزمة». ودعا إلى «مفاوضات برعاية الجامعة العربية والأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تهيئ لانتخابات حرة ونزيهة» في سوريا. في موازاة ذلك، حذر المالكي من إمكانية أن يحصل تنظيم القاعدة على «أوكار جديدة» في دول عربية تشهد تغييرات. وقال «أكثر ما نخشاه أن تحصل (القاعدة) على أوكار جديدة بعد هزيمتها في العراق في الدول العربية التي تشهد تحولات مهمة، لكنها ما زالت في طور بناء مؤسساتها» الأمنية والسياسية. وحذر أيضا من إمكانية أن «تركب (القاعدة) موجة الانتفاضات العربية».

في مقابل ذلك، يغيب عن القمة زعماء دول مهمة مثل السعودية ومصر والإمارات وقطر، علما أن سوريا لن تحضر القمة بسبب تعليق مشاركتها في اجتماعات الجامعة العربية على خلفية قمع الاحتجاجات فيها. واكتفت كل من السعودية وقطر بإرسال مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية. وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في تصريحات صحافية إن مستوى التمثيل هذا يشكل «رسالة للعراق»، في إشارة محتملة إلى الموقف من الأزمة السورية. وأضاف أن «العراق دولة مهمة للعالم العربي، ولكننا لا نتفق مع كل ما يتم من سياسة في العراق ضد فئة معينة».

وطالب القادة في البيان الختامي الحكومة السورية بالوقف الفوري لكافة أعمال العنف والقتل، وحماية المدنيين السوريين وضمان حرية التظاهرات السلمية لتحقيق مطالب الشعب في الإصلاح والتغيير المنشود والإطلاق الفوري لسراح كافة الموقوفين في هذه الأحداث. ودعا القادة العرب في ختام القمة الرئيس السوري إلى سحب القوات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن والقرى وإعادة هذه القوات إلى ثكناتها دون أي تأخير. وأكد القادة على موقفهم الثابت في الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الإقليمية وتجنيبها أي تدخل عسكري. وأدان القادة العرب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في حق المدنيين السوريين، واعتبروا مجزرة بابا عمرو المقترفة من الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية ضد المدنيين جريمة ترقى إلى الجرائم الإنسانية، وتتطلب مساءلة المسؤولين عن ارتكابها وعدم إفلاتهم من العقاب، وحذروا من مغبة تكرار مثل هذه الجريمة في مناطق أخرى بسوريا. ودعا القادة العرب المعارضة السورية بكافة أطيافها إلى توحيد صفوفها وإعداد مرئياتها من أجل الدخول في حوار جدي يقود إلى تحقيق الحياة الديمقراطية التي يطالب بها الشعب السوري. وحمل القادة العرب مجلس الأمن مسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين والتحرك لاستصدار قرار يستند إلى المبادرة العربية وقرارات الجامعة يقضي بالوقف السريع والشامل لكافة أعمال العنف في سوريا.

وعلى صعيد القضية الفلسطينية وفيما يخص مبادرة السلام العربية، أكد القادة العرب مجددا على أن السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي وأن عملية السلام عملية شاملة لا يمكن تجزئتها، وأن السلام العادل والشامل في المنطقة لا يتحقق إلا من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بما في ذلك الجولان العربي السوري المحتل وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في الجنوب اللبناني والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين استنادا إلى مبادرة السلام العربية.

وعبر القادة العرب عن رفضهم كافة أشكال التوطين وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لما جاء في مبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت (2002) وأعادت التأكيد عليها القمم العربية المتعاقبة وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومرجعياتها ذات الصلة. كما أكد القادة العرب على أن دولة فلسطين شريك كامل في عملية السلام، داعين إلى ضرورة استمرار دعم منظمة التحرير الفلسطينية في مطالبتها لإسرائيل بالوقف الكامل للاستيطان.