لاجئون سوريون يهربون إلى الأردن في صمت وخوف

امرأة كادت أن تفقد أبناءها.. خشية افتضاح أمر فرارهم

لاجئة سورية في الأردن ترفع علامة النصر
TT

لم يكن باستطاعة إحدى الأمهات السوريات، خلال رحلة هروبها الشاقة مع أولادها الأربعة من سوريا إلى الأردن، أن تصرخ لمناداة اثنين من أولادها اختفيا فجأة في عتمة الليل؛ خوفا من إطلاق النار عليها.. وتشرح المرأة أن المهربين حذروا كافة العائلات التي تسعى للمغادرة من مغبة إصدار الأصوات، وطالبوهم بالبقاء صامتين.

وتقول السيدة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها: «عندما سألت لماذا؟ قال لي أحد الرجال - وهو يشير إلى التلال - إن الجيش السوري موجود هناك، وإن سمعوا صوتا سيطلقون علينا النار ببساطة وستقتلون جميعا». وفي طريق الهرب فزعت المرأة (32 عاما) بعد أن اكتشفت أن اثنين من أولادها الأربعة اختفيا وليسا بالقرب منها.. وتروي أنها عندما عادت للبحث عنهما وجدتهما مذعورين وصامتين وملابسهما عالقة بالأسلاك الشائكة، وبعدما خلصتهما اكتشفت أنهم ابتعدوا عن الجميع. وفجأة ظهر جنديان «ظننت في البداية أنهما سوريان. اقترب أحدهما وقال لي دعيني آخذ الأولاد ولكنني رفضت، وفكرت وقتها أنه حتى لو قتلوني فلن أسمح لهما بقتل أولادي».. ورغم قيام الجنديين باستخدام ضوء الهاتف الجوال لإضاءة الشارة الأردنية على ملابسهما العسكرية فإنها لم تصدقهما، وتضيف: «سألني أحدهما هل أنت خائفة لهذه الدرجة من الجيش السوري؟».

الإجابة كانت نعم بالنسبة للمرأة التي اختفى زوجها قبل نحو 4 أشهر بعد احتجازه لمشاركته في المظاهرات في مدينة درعا مهد الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في منتصف مارس (آذار) الماضي ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وتبعد درعا نحو 4 كيلومترات عن الحدود الأردنية. وأمضت المرأة أشهرا وهي تنتقل من بيت لآخر بصحبة أطفالها لتجنب الهجمات في المدينة، ولكنها بدأت تتلقى تهديدات بالقتل والاغتصاب في مكالمات هاتفية من أرقام مختلفة من بينها رقم هاتف زوجها الجوال.

وبعد هجوم أدى إلى تدمير منزلها قررت الرحيل قائلة: «أدركت أن هذا لن يتوقف أبدا وأنهم سيستمرون بتهديد كل من يشارك في الاحتجاجات». وبعد أن باءت كل محاولاتها بالحصول على جوازات سفر للذهاب إلى الأردن بالفشل، قررت المرأة الاستعانة بمقاتلين في مدينتها يقومون بتهريب السكان إلى الخارج.

وقال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة إن أكثر من 90 ألف سوري دخلوا المملكة بشكل قانوني وغير قانوني هربا من الأوضاع في سوريا. ومن جهتها رحبت الحكومة الأردنية بهدوء «بالضيوف» السوريين وتركت مسؤولية رعايتهم للكثير من المؤسسات والجمعيات الخيرية الخاصة كجمعية الكتاب والسنة الإسلامية التي ترعى المرأة السورية.

وتدفع الجمعية إيجار شقة متواضعة في عمان تقيم فيها المرأة مع عائلات لاجئة أخرى. كما توفر الجمعية سكنا للاجئ سوري آخر يدعى سامر يبلغ من العمر 16 عاما هرب من بلدة معضمية الشام قرب دمشق في أوائل الشهر الحالي بعد أن سمع بأنه استدعي للتجنيد.

ويقول سامر: «لا أريد أن أكون جزءا من جيش يقوم بقتل شعبه، فالخائن فقط يقتل شعبه.. وسمعت أنهم سيقومون باستدعائي، وقررت فورا أني لن أنضم للجيش ولذا هربت».

ولجأ سامر مع مجموعة صغيرة تسعى للخروج من سوريا إلى شبكة مهربين ساعدت على نقلهم إلى درعا، وبعدها إلى الحدود الأردنية. وأوضح سامر «سافرنا من بلدة لأخرى وانتقلنا من سيارة لأخرى وكانت عملية صعبة جدا بسبب وجود الكثير من نقاط التفتيش». وأضاف: «في إحدى النقاط كنا بعيدين نحو 100 متر عن جنود سوريين ولم نكن ندرك قربنا منهم. الله حمانا». ويمضي أبو شادي، وهو رفيق سامر في السكن وابن بلدته الذي دخل الأردن العام الماضي، يومه متتبعا التطورات في سوريا عبر التلفزيون والإنترنت. ويوضح الرجل، الذي يقول: إنه من أوائل الناس الذين انضموا للاحتجاجات الشعبية في منطقة دمشق وشارك في المظاهرات: «لا أستطيع التوقف ولو للحظة عن التفكير في سوريا ولا أستطيع أن أعيش في مكان آخر فهناك حياتي».

أما المرأة فترغب في أن تنسى بلدها وتترك وراءها ذكريات تصفها بالمؤلمة، وتشير إلى أنها التقت برجل كان مسجونا مع زوجها، وأخبرها بأنه ما زال على قيد الحياة، ولكنه يعاني من إصابتين بالرصاص.

وتحاول المرأة التي تقول إنها تصلي من أجل زوجها بناء حياة جديدة لها ولأولادها قائلة: «أريد أن أحاول نسيان كل ما حدث في سوريا. أريد أن أمحو 32 سنة من حياتي».