السوريون توحدوا في جمعة «من جهز غازيا فقد غزا»

علقوا ساخرين على المهل الممنوحة للأسد: أرسلوا له الدابة لم يفلح.. فأطلقوا له العنان

أبرز مطالب المتظاهرين كانت بدعم الجيش الحر (أوغاريت)
TT

رغم رفض غالبية الناشطين السوريين، من ذوي التوجهات العلمانية، لتسمية مظاهرات يوم أمس الجمعة بـ«من جهز غازيا فقد غزا»، فإن عشرات الآلاف من السوريين خرجوا إلى الشارع للتظاهر وإعلان استمرارهم بالثورة حتى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، متسامين فوق التسمية، وبخاصة كونها تتوافق في النهاية مع مطالبهم بتسليح المعارضة ودعم الجيش الحر لتحقيق «توازن» في القوى مع آلة النظام العسكرية التي تدك المدن والبلدات السورية الثائرة.

كما أعلن المتظاهرون موقفهم من مبادرة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان، تارة بالسخرية وأخرى بالتأكيد على أن النظام لن يقبل بهكذا مبادرة؛ لأن تنفيذها يعني بداية سقوطه.. وهو ما حملته لافتات رفعها بعضهم، مثل تلك التي حملها متظاهر بالزبداني وقد خط عليها: «لن يطبق النظام مبادرة أنان لأنها ستكون سبب سقوطه».

ورغم الحزن، سخر بعض السوريين من الجهود الدولية، وأيضا من استهزاء النظام بها.. وذلك عبر تلاعب المتظاهرين الطريف باللغة، حيث كتبوا على لافتة منها: «أرسلوا له الدابة (الدابي) لم يفلح.. فأطلقوا له العنان (أنان)»، في إشارة تسخر من رئيس فريق المراقبين العرب مصطفى الدابي، والذي اتهمته المعارضة السورية بالانحياز للنظام، والذي فشل فريقه في الحد من العنف الذي يمارسه الأسد وقواته ضد الشعب السوري. وللقول أيضا إن مصير مهمة فريق المراقبين الدوليين التي سيشرف على إرسالها كوفي أنان لن يكون أفضل بل سيكون بمثابة «إطلاق العنان» للنظام لمزيد من القتل.

بينما عبر متظاهرون آخرون في العاصمة دمشق عن قناعتهم بأن تطبيق مبادرة أنان وسحب الآليات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن سيدفع المتظاهرين إلى الساحات العامة، وكتبوا في حي القابون «الساحات العامة ستشهد الملايين عند سحب الحواجز»، واستخفوا من إبلاغ النظام السوري لكوفي أنان ببدء سحب الآليات العسكرية من المدن بترجمة ذلك البلاغ بـ«النظام بدأ بتنفيذ مبادرة أنان بسحب دباباته من خارج المدن إلى داخلها»، و«وافقوا على المبادرة ولم يستجيبوا».

وردا على ذلك، أعلن المتظاهرون بدورهم موقفهم بالموافقة على الحوار مع النظام، لكن على تحديد مكان نصب المشنقة له، قائلين «قبلنا التحاور أين نضع حبل المشنقة؟».. مستلهمين في ذلك ما قالوا إنه «الأسلوب المتلاعب والمخادع الذي يتبعه الأسد».

إلى ذلك، استمر المتظاهرون في هتافاتهم المعتادة منذ بداية الأزمة، والتي تعبر عن يأسهم من حل الأزمة مع النظام سلميا.. حيث استمر المتظاهرون في ريف إدلب، الذي يشهد عمليات عسكرية، في هتافهم «هيك بدنا وهيك صار.. بدنا راسك يا بشار»، وأكدوا في ريف دمشق على أن الزمن لن يعود للوراء مهما حصل في لافتاتهم التي كتب عليها «لن يعود الزمن إلى الوراء أبدا.. تلك سنة الله ولن تجد لها تبديلا». وكتب المتظاهرون في حي برزة في دمشق بتحدٍ كبير «من برزة لتفتناز وكرمالك يا جرجناز عن الدرب ما ننحاز»، معلنين التضامن مع ريفي إدلب وحلب والثبات على الثورة. متعجبين من ردود فعل المجتمع الدولي المذعورة من «فزاعة قيام حرب أهلية في سوريا إذا تم تسليح المعارضة، بينما يتجاهلون المجازر الشعبية المستمرة».

وفي تحية لحمص قدموا قراءة جديدة لرمزية الحروف الثلاثة التي تتشكل منها كلمة حمص فكتبوا على اللوحات: «(ح) حماة الثورة أنتم، و(م) منارة الثوار الأحرار، و(ص) صرخة في ضمير الإنسان».. كما عبروا عن رمزية درعا بوصفها «أم الأجواد.. دماء سوريا فداك»، وحماه «تاج على رؤوس الأحرار والثوار».. إذ باتت المدن الثلاث: درعا مهد الثورة وحمص عاصمتها وحماه تاجها. رمزية سورية ثورية تتعمق معانيها يوما بعد آخر مع اشتداد آلة القمع وسقوط مزيد من الدماء، والتي رأى المتظاهرون في إهراقها سلّما كلما ارتفع كان سقوط النظام من عليها مدويا، فكتبوا: «كلما صعدت درجات القمع أكثر، كلما كان سقوطك من عليها مدويا مؤلما.. بل ربما كان قاتلا». ودرجات القمع الشديد هل التي دفعت أهالي بلدة قلعة المضيق - التي هجر سكانها - لإطلاق نداء «أغيثونا»، و«أطفال قلعة المضيق يناشدون العالم: نريد العودة إلى بيوتنا»، و«أريد العودة إلى بيتي».. أما النداء الأكثر حزنا وألما فكان في بلدة القريتين في ريف حمص، ويقول: «أخاف أن أموت ولا أرى حمص»، ليكون نداء المتظاهرين في درعا إدانة لكل العالم الذي فقد إنسانيته حين لا يسمع نداءات واستغاثة السوريين «سحقا.. العالم فقد الإنسانية».

ولكن إلى جانب تلك الشعارات الناقمة، ارتفعت لافتة بالخط العريض «ألمنا كبير.. لكن أملنا أكبر»، وذلك رغم الصورة المأساوية التي عبرت عنها لافتة رفعت في العاصمة دمشق بصيغة إعلان، تسخر من إعلان حكومي يروجه الإعلام الرسمي بعنوان: «سوريا بالألوان»، والذي يقرأه المتظاهرون: «سوريا بالألوان.. دبابة صفراء.. مدرعة خضراء.. مبادرة سوداء.. قتلى وأشلاء».