الزبداني بعد الهدنة: المعارضون أسقطوا هيبة النظام.. ويطالبون بالحماية من الاعتقال

استهداف خطوط التهريب في جبالها.. والمسيحيون شاركوا في المظاهرات

TT

98 شهيدا، هي حصيلة شهداء الزبداني خلال عام ونيف من الثورة، بينهم تسع نساء. دفع أبناء هذه المدينة ثمنا باهظا لقاء معارضتهم النظام، وهم الذين لم يسلموا قبل الثورة من الاعتقالات والنفي.. ولا بعد انطلاقها.

ورغم إعلان النظام التزامه بالهدنة التي دخلت أمس حيز التنفيذ، فإن سكان هذه المدينة التي تعد أول مدن ريف دمشق الخارجة ضد النظام، لا يثقون بالالتزام الفعلي بالهدنة، ويتساءلون: «من يردع القوى الأمنية عن اعتقال المطلوبين لاحقا؟ ومن يحمينا من دفع الثمن مرة أخرى؟».

أمس، لم يشاهد أبناء المدينة وجودا مكثفا للقوات المسلحة داخل المدينة، أو على مداخلها. وقالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» إن الدبابات والآليات الثقيلة «انسحبت منذ يوم السبت الماضي من منطقة جامع الجسر في وسط المدينة إلى مداخلها وإلى شارع بردى انسحابا تكتيكيا، وأكملته أول من أمس إلى قاعدة عسكرية قرب نبع بردى». حتى الأمس القريب، كانت المدفعية الثقيلة الرابضة عند مقام النبي هابيل (10 كيلومترات بعيدا عن المدينة) تواصل قصفها على الجبال، مستهدفة خطوط التهريب. وبحسب المصادر نفسها، فإن ذلك القصف المدفعي البعيد المدى (ترافق مع حملة اعتقالات ودهم، شملت منطقة هريرة والجبل والسهل الذي أحرقت فيه أكواخ الفلاحين وتعرضت ممتلكاتهم ومحاصيلهم للتخريب).

وتكتسب الزبداني أهمية خاصة بالنسبة للثورة، كون سكان هذه المدينة يعتبرون من المعارضين التقليديين، ودفع كثيرون منهم ثمن معارضته النظام، سواء بالنفي أو السجن عدة مرات. لكن انطلاق الثورة السورية رفع عدد المعارضين ضد النظام، وبات المعارضون نوعين؛ معارض ضد حكم البعث، وآخر تفاعل مع الثورة، فبدأ يطالب برحيل النظام.. ويلتقي الطرفان عند نقطة واحدة، هي التغيير في سوريا ورحيل النظام، وخلق نظام تعددي ديمقراطي يلبي طموحات الشعب السوري.

وقال مصطفى دالاتي، أحد المعارضين المعروفين في المدينة، لـ«الشرق الأوسط» إن المعارضين التقليديين المعروفين بانتمائهم لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والحزب الشيوعي في سوريا، والذين تعرضوا للاضطهاد السياسي «انضم معظمهم إلى الثورة السورية ودعموا الثوار، وشاركوا في المظاهرات الحاشدة المطالبة برحيل النظام. لكن البعض القليل منهم فضل الحياد في هذه المرحلة، مطالبا بالتغيير البطيء، وهو الذي يتناقض مع توجهات أبناء المدينة الذين يرون في التغيير ضرورة ملحة لخلق نظام تعددي وديمقراطي».

وأضاف: «عند سقوط أول شهيد تغير المشهد، وازداد عدد المطالبين برحيل النظام تفاعلا مع مزاج المدينة. ولم يبق المحايدون على حيادهم، بل انضموا إلى الثورة داعمين ومناصرين للثوار والمقاتلين، وانضم إليهم مسيحيون شاركوا في المظاهرات وفي تشييع الشهداء، وهم الذين يشكلون جزءا مهما من تنوع الزبداني كون عدد المقيمين منهم يصل إلى ثلاثة آلاف»، لافتا إلى أن الحديث عن «حل سياسي في سوريا، يكاد يكون الوحيد في مواجهة الحل الأمني الذي اعتمده النظام، ويطالب الجميع بحل سياسي يضمن عملية الانتقال بالبلاد إلى بلد تعددي من دون الرئيس بشار الأسد».

الأهمية الثانية التي تكتسبها المدينة بالنسبة للثورة، أنها عرفت في الأوقات الماضية بقدرتها على فتح خطوط تهريب باتجاه الحدود اللبنانية، واستفاد منها الثوار عبر نقل الأسلحة والذخائر. وتقول مصادر ميدانية في هذا الصدد، إن النظام «طوق معظم خطوط الإمداد منذ بداية الثورة وأقفلها، وأخضع المعابر غير الشرعية لرقابة متواصلة، واستهدف خطوط التهريب التاريخية. لكن الناشطين يتمكنون من التحايل على الإجراءات الرسمية، ويتوفقون أحيانا بتهريب ما يلزم».. ويعتقد هؤلاء أن حملات النظام المتكررة على المناطق الزراعية والجبال، تصب في هذا الاتجاه.

الزبداني التي تعتبر واحدة من أهم مواقع الاصطياف في سوريا، اختبرت حملتين عسكريتين ضخمتين خلال أقل من ستة أشهر، الأولى جاءت عقب إعلان الجيش الحر سيطرته على المدينة، ولم تنته إلا بعد أن تدخل وجهاء الزبداني، بحكم قربهم من الثوار، مما أسفر عن تسوية داخلية انسحبت القوى الأمنية النظامية من المدينة لتعود إلى محاصرتها وقصفها، مما تسبب في نزوح عدد كبير من السكان باتجاه بلودان، ريثما انتهى القصف بعد عشرة أيام.

أما المرة الثانية فجاءت قبل فترة قصيرة، حيث كانت تخرج المظاهرات المؤيدة للثورة والمطالبة بإسقاط النظام يوميا، وفي كل مرة، كانت المدينة تشهد حركة نزوح كبيرة باتجاه بلودان وجرمانة وأحياء دمشق.

وقال دالاتي، إن إعلان الجيش الحر سيطرته على المدينة مرتين «قضى على هيبة النظام في الزبداني، حيث يستحيل اليوم على القوى الأمنية اليوم أن تدخل الأحياء لاعتقال أحد الناشطين، من غير مؤازرة من الجيش. ولم يعد بإمكان خمسة أو ستة عناصر اعتقال أحد من غير أن يتعرضوا للضرب والطرد، لكن حين يدخلون بمواكبة عسكرية ضخمة، فإنهم لن يلقوا أي مقاومة».

وتحدث دالاتي عن تجربته، مشيرا إلى أنه يعتبر نفسه «فارا من وجه النظام منذ انطلاق الثورة»، وقد اقتحم منزله مرتين ولم تتمكن القوات الأمنية من اعتقاله، لكنها اعتقلت ابنه القاصر وسام لمدة 15 يوما بغية الضغط عليه لتسليم نفسه، قبل إطلاق سراحه.

حال دالاتي، مثل حال كثيرين من أبناء المدينة الذين عارضوا النظام سياسيا من غير أن يرفعوا بندقية في وجهه، وما زالوا يتوارون عن أنظار رجال أمنه في حين تتكفل النساء بتأمين حاجيات البيوت، والدفاع عنها إذا لزم الأمر، وهن المعروفات بقوتهن وبقدرتهن على مواجهة النظام، بدليل أحداث ما قبل الثورة.