أزمة «تأسيسية» الدستور المصري وعزل فلول مبارك تخيم على أعمال «العسكري»

استمرار الخلافات بين البرلمان ومجلس طنطاوي

TT

بالتزامن مع الخلافات السياسية بين أطراف الحكم في مصر، خصوصا السلطتين التنفيذية، ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتشريعية ممثلة في البرلمان ذي الأغلبية الإسلامية، ازدادت حدة الشد والجذب بين الطرفين، بعد أن أسس الجانبان مواقفهما على عدة ملفات أحيلت إلى السلطة القضائية مؤخرا، الهدف منها تحديد مسيرة المرحلة الانتقالية التي يقودها المجلس العسكري الحاكم منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك.

ويقول مراقبون إن عدة ملفات دستورية وقانونية تحتاج إلى الحسم، لكي يتضح الطريق الذي تسير فيه البلاد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر لها الربع الأخير من الشهر القادم، ومن بين هذه الملفات قضية وضع الدستور أولا أم إجراء الانتخابات الرئاسية أولا، وكذا التوقيت المطلوب لتصديق المجلس العسكري على قانون العزل السياسي، ومصير تحديد دستورية إجراءات انتخاب البرلمان الحالي من عدمها، وكذا تحديد طريقة تأسيس الدستور.

وبينما يواجه المجلس العسكري اتهاما من معارضيه بالمماطلة لكي يؤخر تسليم السلطة لرئيس منتخب، المقرر لها نهاية يونيو (حزيران) المقبل، قالت مصادر سياسية إنه «على هذا الأساس كان ينبغي أن تلتقي قيادات من المجلس العسكري مع قيادات سياسية وقانونية للانتهاء من هذه القضايا العالقة، التي كانت سببا في توتر بين سلطتي البرلمان والعسكري طيلة الأسابيع الأخيرة».

وفي الجلسة المسائية للبرلمان مساء أمس طالب سعد الكتاتني، رئيس البرلمان، المجلس العسكري بسرعة إقرار تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي أصبح يعرف بقانون عزل الفلول. وينص الإعلان الدستوري على حق المجلس العسكري على الاعتراض على القوانين. ويقضي التعديل بمنع رموز النظام السابق من الترشح للانتخابات الرئاسية، وينطبق هذا القانون على المرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق، الذي تولى موقع رئيس الوزراء في آخر أيام حكم مبارك.

ورغم أن المحكمة الدستورية أصدرت حكمها يوم أول من أمس، وهو ما يستلزم إصدار المجلس العسكري لقانون عزل الفلول، بحسب التعديلات التي أقرها البرلمان، فبحسب مصادر مقربة من المجلس العسكري تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن القانون سوف يصدر قبل نهاية الأسبوع الحالي، مشيرة إلى أن التأخير سببه عدم وصول قرار المحكمة الدستورية للمجلس العسكري، وهو ما صرح به أيضا اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس العسكري ومساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية بقوله إن حكم المحكمة الدستورية لم يتلقَّه المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى الآن.

وقال الدكتور بسام الزرقا عضو الهيئة العليا لحزب النور السلفي إن قيادات وأعضاء الحزب قد يوافقون على تأجيل تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور لما بعد انتخابات الرئاسة، نظرا لضيق الوقت ولضرورة التركيز في العمل السياسي والجماهيري المواكب لأحداث الانتخابات الرئاسية التي لم يتبقَّ على إجرائها سوى أيام.

وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «قد نوافق على مضض على تأجيل تشكيل اللجنة التأسيسية وبالتالي تأجيل وضع الدستور إلى ما بعد مرحلة الانتخابات الرئاسية، لكننا نرفض أي تأجيل لأي سبب لانتخابات الرئاسة وموعد تسليم السلطة من المجلس العسكري للرئيس المنتخب».

وأكدت مصادر مقربة من حملة الفريق أحمد شفيق أنه بمجرد صدور قانون العزل السياسي وإعلانه في الجريدة الرسمية سوف يتم الطعن عليه مباشرة أمام المحكمة الدستورية العليا استنادا لحكم المحكمة الصادر أول من أمس، الذي قالت فيه إن القضاء في هذا القانون يكون لاحقا وليس سابقا عندما يتضرر أحد الأشخاص من القانون وتقوم المحكمة بالنظر فيه، وليس قبل صدور القانون.

من جانبه أكد الدكتور ثروت بدوي، الفقيه الدستوري، لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماع الذي تم مساء أول من أمس مع الفريق سامي عنان، نائب رئيس المجلس العسكري، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذي استمر (مع فقهاء في القانون والدستور) عدة ساعات، لم يسفر عن شيء ملموس أو اتفاق حقيقي، قائلا إن الوضع حاليا لا يحتاج إلى حلول مسكنة ولكنه يحتاج إلى حل قطعي، مشيرا إلى أن الجمعية التأسيسية للدستور يجب أن تكون بعيدة تماما عن البرلمان أو حتى اختيار البرلمان، وهو ما يستوجب ضرورة تعديل المادة 60 من الإعلان الدستوري.

وأضاف بدوي أن الفريق سامي عنان طلب من الفقهاء الدستوريين «تحديد ملامح خارطة طريق للخروج من الأزمة الحالية، خصوصا وأننا مقبلون على انتخابات رئاسية من الممكن أن تحدث تحت الإعلان الدستوري وليست في ظل دستور جديد»، وأكد أنه «رغم اقتراح عدد من الحاضرين من الفقهاء الدستوريين وأساتذة القانون وعمداء كليات الحقوق وبعض رؤساء الهيئات القضائية إمكانية صياغة الدستور الجديد خلال 35 يوما، فإن هذا المقترح قد ينتج لنا دستورا معيبا، وهو ما رأت أغلبية الحاضرين بأنه لن يتم الانتهاء منه في هذه الفترة».

وأضاف أن عنان طرح 4 أسئلة على من حضروا اللقاء، عن التأسيسية للدستور، والدستور الجديد ونصوص مواده والمبادئ، وعن انتخابات رئيس الجمهورية، ونزاهة الانتخابات وضماناتها.

وأكد بدوي أن البعض اقترح العودة إلى دستور 1971، مع إضافة بعض التعديلات البسيطة، خصوصا أنه دستور معطل حاليا، وهو ما وجه برفض شديد، وقال: «أنا على المستوى الشخصي أرفض هذا المقترح».

وأضاف الدكتور ثروت بدوي أن الحضور قدموا للمجلس العسكري بعض الاقتراحات لتعديل الإعلان الدستوري في ثلاث نقاط رئيسية، أولها: «أن يكون للبرلمان سلطة سحب الثقة من الحكومة الموجودة»، ثانيا: «أن يكون للبرلمان أحقية إعادة مناقشة القوانين والمشروعات التي يعترض عليها الرئيس وإقرارها بأغلبية ثلثي البرلمان»، ثالثا: «أن يكون للرئيس سلطة حل مجلس الشعب»، مشيرا إلى أن هذه التعديلات لإبراز التوازن بين السلطات التشريعية ممثلة في البرلمان، والتنفيذية ممثلة في الرئيس.

وبالنسبة إلى وضع الجمعية التأسيسية للدستور وتكوينها، كان الرأي الغالب على فقهاء القانون والدستور الحاضرين في الاجتماع مع «العسكري» أن يقوم المجلس العسكري بإصدار إعلان دستوري تكميلي يحدد معايير اختيار الجمعية التأسيسية للدستور، أو أن تعد الحكومة المصرية الحالية، متمثلة في وزارة العدل، مشروع قانون لمجلس الشعب لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور.

ومن جانبه أكد مصدر عسكري رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» أنه لن يتم العمل بدستور 1971 المعطل، ولن يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية مهما حدث، «فهي الآن في يد لجنة الانتخابات، وهي سلطة قضائية ليس من حق أحد التدخل في عملها». ومن المقرر أن يلتقي المجلس الأعلى للقوات المسلحة رؤساء الأحزاب السياسية وعددا من القيادات البرلمانية والقوى السياسية الخميس القادم، للتعرف على ما وصلت إليه القوى السياسية بشأن تأسيسية الدستور.