السوريون يضعون 3 خطط اقتصادية لما بعد سقوط الأسد

اجتماع دولي لـ«تنمية وإنعاش الاقتصاد السوري» بعد الثورة بحضور 27 دولة

محتجون سوريون أثناء جنازة أحد ضحايا النظام السوري بدير الزور أمس (رويترز)
TT

بحضور 27 دولة، وثلاث منظمات دولية عقد الاجتماع الثاني لفريق عمل «تنمية وإنعاش الاقتصاد السوري» بعد الثورة، في ألمانيا يوم 26 أبريل (نيسان)، حيث طرحت الخطط الاقتصادية اللازمة من لحظة سقوط النظام إلى ستة أشهر والخطة الثانية تغطي سنتين والثالثة خمس سنوات، ويعد هذا الاجتماع الأول للمجموعة بعد أن حصلت على تفويض من 83 دولة من أصدقاء الشعب السوري في مؤتمر إسطنبول، والذي جاء بعد جهود مضنية على مدى شهور من قبل المدير التنفيذي للمكتب الاقتصادي في المجلس الوطني السوري الدكتور أسامة قاضي وفريق عمله من الخبراء ورجال الأعمال.

وترأست اجتماع برلين كل من ألمانيا والإمارات العربية المتحدة، وحضر الوفد السوري، برئاسة الدكتور أسامة قاضي برفقة إبراهيم ميرو وماريا الشطي، بحضور سفراء السعودية وقطر والأردن وتونس والمغرب ومصر ومندوب جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، فضلا عن الدول الصناعية بما فيها اليابان وتمثيل أميركي رفيع من الخارجية. وعدت بعض الدول بتقديم الخبرات اللازمة لمرحلة الستة أشهر الأولى، وعلى رأسها المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما وعدت ألمانيا واليابان وإيطاليا بدعم المشروع بالخبرات في مجال رسم السياسات الاقتصادية، وقد كانت نوعية وكمّ وفد الخبراء الاقتصاديين الألمان كبيرا، كما أخذت الإمارات العربية المتحدة وجامعة الدول العربية على عاتقهما دعم المشروع بالخبرات اللازمة الخاصة بحشد رجال الأعمال ليكونوا جزءا من صنع القرار في صياغة المشروع.

وقد صرح الدكتور قاضي بأن «المشروع ما زال في مراحله الأولى، وإن اللقاء كان ناجحا بكل المعايير فقد وضع المجتمع الدولي مسؤوليته التاريخية في دعم الثورة السورية وبناء اقتصاد سوري قوي بعد سقوط النظام يعوض الشعب السوري الجبار عما لاقاه على أيدي النظام، ونطمئن الجميع بأن الدراسة والتصور المستقبلي لاقتصاد سوريا سيحافظ على مؤسسات الدولة، وربما استبدال فقط بعض القيادات الإدارية غير ذات الكفاءة أو غير النزيهة، ولكن هناك 1.3 مليون موظف في القطاع العام سيبقون في أماكنهم دون أن يتضرروا، وأي إصلاحات اقتصادية مشروطة بعدم خلق كوارث اجتماعية، فكل عامل لدينا يعيل أسرة من 4 إلى 5 أشخاص، فحماية الأسر السورية الكريمة التي على أكتافها قامت الثورة المباركة أمر حيوي» وعن الرسائل من وراء انعقاد المؤتمر أجاب قائلا: «إن هذا المؤتمر يرسل رسالتين لا لبس فيهما؛ الأولى أن المجتمع الدولي وبموافقة 83 دولة حسمت أمرها في مسألة سقوط النظام ولاشرعيته، وبدأوا جديّا بالتخطيط اقتصاديا لمرحلة ما بعد السقوط يوما بيوم، والثانية وهي رسالة لرجال الأعمال السوريين الذين لم يحسموا أمرهم بعد؛ فإذا أرادوا أن يكون لهم موطئ قدم في اقتصاد سوريا المقبل الواعد بحول الله، الذي تسانده أعظم قوى الأرض فعليهم أن يحسموا أمرهم اليوم، لأن الثورة لا تنسى أصدقاءها، والثورة كما تحتاج لدعمهم (بصمت) ستحتاجهم لبناء اقتصاد قوي صاعد مستقبلا».

وعن دور رجال الأعمال الذين تورطوا بالفساد قال الدكتور القاضي: «إن من أسس العدالة الانتقالية التي تبنتها الثورة السورية والمجلس الوطني السوري مبنية على السماحة والمصارحة، والصفح المدني، وأن هناك الكثير من الوسائل الإبداعية التي تضمن لرجال الأعمال عدم التعرض لثرواتهم واستثماراتهم، من مثل التفاهم على حجم التهرب الضريبي السابق والاتفاق مع لجنة المصارحة والمسامحة في وزارة المالية على حجم وطريقة دفعها، ومن ثم استصدار (شهادة ميلاد ضريبية) لهم للاستمرار باستثماراتهم على أن يبدأوا بدفع الضرائب بعد الثورة»، وأكد الدكتور القاضي أن رجال الأعمال السوريين غير المتورطين بالدم السوري «هم إخوتنا ودعمهم واجبنا، ونتفهم أنهم كانوا ضحايا ابتزاز ماكينة النظام السابق الاقتصادية، ونلتمس لهم كل عذر ممكن، ومهمتنا تسوية أوضاعهم بكل الاحترام والتقدير».

وسيكون الاجتماع المقبل في أبوظبي في شهر مايو (أيار) المقبل من أجل التأكيد على دعم المكتب الاقتصادي في المجلس الوطني بالقيام بالدراسات اللازمة للمشروع في كل القطاعات الاقتصادية في سوريا، وقد تمنى الدكتور القاضي من الخبراء السوريين في مجال الاقتصاد وكبار رجال الأعمال التواصل معه حتى يساهموا في المشروع الوطني السوري، الذي يصر على أن تكون كلها خبرات سوريا داخل وخارج سوريا، لأنه على حد تعبيره: «هذا مشروع وطني بامتياز مدعوم بالخبرات الدولية التي يحتاجها الخبراء السوريون؛ فدول العالم مستعدة لتقديم الاستشارات اللازمة، والمهمة ليست صعبة على الأدمغة السورية الجبارة في كل العالم، ونحتاج من أجل وضع تصورات وخطط عملية لما بعد سقوط النظام إلى خبرات مشهود لها بالكفاءة الأكاديمية والخبرة العملية في مجال الصناعة والزراعة والغذاء والسياسة المالية والبنكية والضريبية، والعمل وتطوير المهارات الفنية والتعليمية، والنفط، والمعادن والطاقة، والماء، وإدارة القطاع العام، والأمن الاقتصادي، والبنية التحتية وخبراء في الإغاثة، وخبراء في مجال الإحصاء»، والمهمة الأصعب ستأتي فور الانتهاء من الدراسات هي «مرحلة التفاهم مع الدول المانحة على تبني الدعم المادي والفني لها فور سقوط النظام، وقد أخذ الاتحاد الأوروبي على عاتقه مهمة التنسيق وإقناع الدول المانحة».

وبدأ المشروع بتجميع معلومات عن الخبرات السورية. التي ستحتاجها سوريا بعد سقوط النظام بمن فيهم الخبرات التي هي على رأس عملها في الحكومة السورية، وفي الأجهزة البيروقراطية التي لم توضع في مكانها الصحيح، ولم يستفد من خبراتها بسبب الفساد والمحسوبيات على مدار خمسة عقود من ظلم حكم الأجهزة الأمنية وحزب البعث وفساد وتسلط رأس السلطة وعائلته والحلقة الضيقة حوله.

وحول مدى تأثير الاقتصاد على وضع النظام السوري قال رئيس الوفد السوري لـ«الشرق الأوسط» إن «العقوبات الاقتصادية شرط لازم لكنها غير كافية» معتبرا أنها «ضرورة حيوية لتضييق الخناق, لكن لا يمكنها وحدها أن تسقط النظام», وأضاف: «تكون فعالة مع نظام مدني وليس عسكريا, كما أن العقوبات على سوريا لا تطبق بالشكل المطلوب, وهناك خروقات من طرف الدول العربية وبعض الدول الغربية, لذلك تفقد تأثيرها, ولان الجامعة العربية لم تلزم الدول بتطبيق العقوبات فبعض القوى لا تلتزم بها».

ودعا القاضي الذي اتصلت به «الشرق الأوسط» هاتفيا، أمس، دول العالم لأن تكون مسألة مراقبة تطبيق سوريا للعقوبات الاقتصادية جزءا من ملفات كوفي أنان، من خلال مطالبة المجتمع الدولي بالالتزام بها, وخاصة العقوبات العربية. وأن تكوّن الجامعة العربية لجنة لمراقبة تطبيق العقوبات وتقدم تقريرا شهريا للجامعة، وإلا «فما فائدة إصدار قرارات وعدم التأكد من أنها تطبق». وطالب القاضي الدول العربية التي تتحفظ على التصريح بحجم أموال «الفاسدين» من السوريين الذي تلطخت أيديهم بدماء الشعب, بإعطاء كشوفات عن حساباتهم وأموالهم.

كما أكد قاضي على أن هذا الاجتماع هو رد على التساؤلات المطروحة حول مدى جاهزية السوريين لما بعد الأسد, وقال: «نعم، جاهزون لما بعد سقوط النظام». وحول ما تتداوله تقارير الخبراء مؤخرا عن قرب نفاد السيولة المالية في سوريا، قال القاضي: «لدي معلومات خاصة بأن وزير الاقتصاد السوري يبحث عن أسباب اختفاء الليرة من المصرف المركزي السوري».

وأضاف: «أما تفسيري الشخصي فهو أن الفاسدين يجمعون أموالهم بشكل سيولة ويضعوها في مخازن لتهريبها واستبدالها, لأنه لا ثقة لهم بالمصارف العامة أو الخاصة خاصة أنها بالمليارات, وتنتشر هذه الظاهرة في سوريا خاصة أن المقربين من النظام أحسوا أنه يفقد سيطرته على البنوك, وهم غير واثقين به».