نازحون سوريون في لبنان: كنا نعيش مستورين في بلدنا.. لكن اليوم «تبهدلنا»

قالوا لـ«الشرق الأوسط»: مهددون بالطرد بسبب إيجارات الشقق

TT

معظم الأسر التي نزحت إلى طرابلس لم تجد سوى غرف مهملة، ومن أسعفه الحظ وجد غرفة لا تدخلها الشمس من أي مكان، كحال خمس نسوة وعجوز وخمسة أولاد يمضون ساعاتهم في غرفة لا تزيد مساحتها عن ستة أمتار، في مكان جانبي من سكن خديجة.

تحدق خديجة ساهمة في الطريق الإسفلتي أمام شقتها الأرضية المستأجرة، التي سكنتها مع 16 شخصا من عائلتها بعد أن تركت بيتها وحيّها في حمص المنكوبة. بفضول عارم تحاول اكتشاف محيطها الجديد. تمسك سيجارتها الصغيرة بكف هزيل وهي تنظر بذهول إلى ضجيج الأحياء الداخلية في المدينة التي نزحت إليها. لم تكن طرابلس ملاذا تفضله، لكنها لم تجد بديلا بعد أن قررت عائلتها ترك البيوت المحطمة في حي القصور في حمص، والهرب إلى لبنان سرا، حيث الدخول إليه صار أشبه بـ«مغامرة العمر»، كما تقول خديجة وهي تنظر بخجل.

صارت خديجة تدرب نظرها على رؤية المكان، وكأنها ستصبح جزءا منه. تنشغل قليلا بأصوات باعة الخضار وهم ينادون على بضاعتهم، وبسرعة الحركة في زقاقها الجديد، الذي استأجرت جمعية خيرية تعنى برعاية اللاجئين السوريين شقة فيه لها ولأسرتها «النازحة» هربا من عمليات القتل والملاحقات الأمنية في مدينة حمص، إلا أن مصير هذه العائلة مثلها مثل عائلات سورية نازحة إلى طرابلس يبقى مجهولا بسبب تهديد بالطرد «يلوح» من وقت إلى آخر.. والسبب؟ تجيب خديجة: «إذا لم ندفع إيجارات الغرف سنكون في الشارع».

تعيش خديجة مع أطفالها في غرفة صغيرة مكتظة تتشارك فيها النوم مع أسرة أخيها الصغيرة. تقول إنها تشعر بالضيق ولا شيء يوحي لها باستمرار العيش سوى هذه الفسحة الصغيرة أمام باب البناية حيث تسليها حركة الناس.

تؤكد أم عدنان، وهي نازحة من مدينة حمص منذ نحو تسعة أشهر، أن «هناك جمعيات توفر لنا علب الحليب والحفاضات والمواد الغذائية، لكن ضمن قدراتها، ونحن كنا نعيش في بحبوحة في سوريا، وقد تنازلنا عن أشياء كثيرة كي نستطيع أن نستمر»، وتتابع بحسرة: «أنا اليوم أعمل في محل لبيع الألبسة في القبة براتب شهري مقداره 250 ألف ليرة لبنانية (نحو 166 دولارا) في الشهر، وزوجي يتقاضى 400 ألف ليرة لبنانية (نحو 266 دولارا) من عمله كناطور لأحد المباني. كنا نعيش مستورين في بلدنا، بس اليوم تبهدلنا».

«حالتنا بالويل».. عبارة يرددها معظم النازحين، الذين اضطروا إلى الإقامة في شقق مستأجرة، «فنحن عندما أتينا إلى لبنان كنا نعتقد أن فترة الإقامة ستكون قصيرة وسنعود إلى منازلنا وأعمالنا»، كما يقول أبو خالد، الذي يوضح: «أتيت إلى لبنان منذ نحو 10 أشهر مع عائلتي المؤلفة من خمسة أولاد وزوجتي، وكنت أحتفظ ببعض المال، وقررت أن أستأجر منزلا في طرابلس مقابل مبلغ 250 دولارا أميركيا، فأنا من بيئة محافظة ولا أستطيع أن أقيم في مدرسة أو مع عائلة ثانية»، ويضيف: «صرفت كل ما أملك، وبعت مصاغ زوجتي وأولادي، فالمساعدات التي نحصل عليها من قبل الجمعيات لا تسد الحاجة، فظروف الإقامة في لبنان تختلف تماما عن سوريا، فكل شيء في هذا البلد غالٍ، ونحن ندفع رسوم الكهرباء والمياه، إضافة إلى بدل إيجار المنزل، واليوم لم يعد لدينا ما نبيعه، فإما العمل وإما النوم في الطرق». يتشارك النازحون في إظهار مأساتهم وحنينهم بالعودة إلى قراهم ومساكنهم وحتى إلى خيمهم «السابقة»، التي تشعرهم بالارتياح أكثر من وضعهم الحالي، على الرغم من ارتفاع التعاطف الأهلي في طرابلس والجوار الشمالي، وفق ما تقوله خديجة، التي تشرح وضعها البائس مع دموع تسبق كلماتها.

تقول خديجة إن نسبة التقديمات الصحية والغذائية للنازحين تراجعت، على الرغم من فورة ملموسة للجمعيات الدولية التي تعنى باللاجئين، على سبيل المثال منظمة دنماركية وأخرى «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» و«الصليب الأحمر الدولي». وتنشط في طرابلس جمعيات ومؤسسات خيرية ذات خلفيات إسلامية على ارتباطات مع دول خليجية على خط تقديم مساعدات إنسانية بشكل دوري، من خلال توفير مواد غذائية وألبسة وأغطية وفرش، فضلا عن العلاج والأدوية لبعض الحالات، في حين تتولى «الهيئة العليا للإغاثة» عمليات معالجة الجرحى في مستشفيات الشمال الخاصة والحكومية. وتكثر على جدران أحياء طرابلسية الأوراق واللوحات الداعية إلى مساعدة النازحين السوريين، ومعها تتكاثر الهموم المعيشية والاقتصادية بالنسبة إلى غالبية النازحين السوريين، إضافة إلى الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بشؤونهم، في ظل تزايد أعداد المسجلين في خانة النازحين. وتفيد معلومات بأن عدة أسر نازحة مقيمة في شقق مستأجرة في مدن طرابلس والميناء والبداوي والقلمون بدأت تواجه مشكلة تأمين بدل الإيجار (بين 200 و400 دولار أميركي). وقد فرض هذا الواقع على الجهات السورية المعنية بقضية النازحين في لبنان الوقوف أمام احتمالين: الأول تأمين بدلات الإيجار لضمان بقاء الأسر تلك في المنازل، والثاني إيجاد أماكن بديلة بتكلفة أقل لإيواء الأسر تلك. وأشارت مصادر إلى أن «مساعي تبذل لتأمين الأموال المطلوبة من جهات خارجية أو من متبرعين خليجيين أو لبنانيين، خصوصا أن عدة أسر نازحة تلقت سابقا مساعدات مشابهة مكنتها من دفع بدلات الإيجار لأشهر».