الاقتصاد السوري يتجه إلى الانهيار إثر الهبوط الشديد في الودائع والقروض

خبير اقتصادي: دخل في دوامة من التراجع والهبوط قد تستمر لفترة طويلة

TT

يتداعى الاقتصاد السوري من حول الرئيس بشار الأسد، حيث انخفضت الودائع بمعدل 35 في المائة عام 2011 في «بنك سوريا والمهجر» و«بنك عوده سوريا» و«بنك بيمو السعودي الفرنسي»، طبقا للتقارير الصادرة عن سوق دمشق للأوراق المالية في شهر أبريل (نيسان). تشير التقارير الصادرة عن المصارف الثلاثة هبوط معدل الإقراض بنسبة 22 في المائة في العام الماضي، بينما تؤكد «وحدة الاستخبارات الاقتصادية» احتمال انخفاض الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف سوريا المركزي إلى 10 مليارات دولار في العام الراهن، وهو نصف الرقم القياسي الذي وصلت إليه في عام 2010.

تتزايد آثار الثورة السورية، التي دخلت شهرها الرابع عشر وأدت إلى مقتل أكثر من 9.000 شخص، على الاقتصاد ومجتمع رجال الأعمال، الذي يتكون معظمه من السنة الذين يشكلون الغالبية العظمى من الشعب السوري. وقد يتزايد دعم رجال الأعمال للأسد، الذي ينتمي للطائفة العلوية التي تعد أقلية في المجتمع السوري، بسبب التدهور الذي يشهده الاقتصاد السوري.

وفي مقابلة أجريت معها عبر الهاتف، أكدت عائشة سابافالا، خبيرة اقتصادية في «وحدة الاستخبارات الاقتصادية» في سوريا، أنه في حال «عدم تمكن الحكومة من التوصل إلى سياسة مناسبة لوقف التدهور الاقتصادي، فقد يدرك رجال الأعمال السوريين في مرحلة معينة أن دعمهم لبشار الأسد نفسه يعد أمرا باهظ التكلفة».

انخفضت قيمة الليرة السورية بشدة، حيث وصل سعر الدولار إلى 68 ليرة تقريبا، مقارنة بـ47 ليرة قبل اندلاع الثورة في شهر مارس (آذار) 2011، طبقا للبيانات الموجودة على الموقع الإلكتروني لمصرف سوريا المركزي، بينما تقوم شركات الصرافة غير الرسمية على الجانب اللبناني من الحدود مع سوريا ببيع الدولار بـ72 ليرة سورية تقريبا.

تشير تقديرات «وحدة الاستخبارات الاقتصادية» إلى احتمال تعرض الاقتصاد السوري للانكماش بمعدل 5.9 في المائة في 2012، مقارنة بمعدل انكماش بلغ 3.4 في المائة في 2011، على خلفية الاضطرابات، بينما قد يرتفع معدل التضخم ليصل إلى 14.7 في المائة في 2012، مقارنة بـ4.8 في المائة في 2011.

صرح وزير النفط السوري، سفيان علاو، للوكالة العربية السورية للأنباء، يوم الاثنين، بأن قرار الاتحاد الأوروبي بوقف استيراد النفط السوري الخام في العام الماضي قد أدى إلى تراجع أحد أهم صادرات البلاد، وهو الأمر الذي أدى إلى خسارة سوريا لعائدات بقيمة 3 مليارات دولار. تقوم وسائل الإعلام الحكومية ببث تقارير بصورة منتظمة حول الهجمات «الإرهابية» التي تتعرض لها خطوط أنابيب النفط في البلاد، والتي كان آخرها الهجوم الذي وقع في محافظة دير الزور في الأسبوع الحالي.

ووصل إنتاج النفط في سوريا إلى 380.000 برميل يوميا، منها 150.000 برميل كان يتم تصديرها، قبل العقوبات التي تم فرضها على القطاع.

يقول جارمو كوتيلين، كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري، أكبر المصارف السعودية من حيث الأصول: «دخل الاقتصاد السوري في دوامة من التراجع والهبوط قد تستمر لفترة طويلة. وفي حال استمرار تلك الدوامة، سوف يضطر الجميع، بما فيهم الحكومة والأفراد، إلى اللجوء لطرق أكثر بساطة لممارسة الأعمال، وهو السيناريو الذي لا يعد مثاليا».

ولم تقم سوريا ببيع أي سندات منذ شهر فبراير (شباط) من العام الماضي، طبقا للبيانات الموجودة على الموقع الإلكتروني لمصرف سوريا المركزي.

ويقول عبد الحافظ عطاسي، يبلغ من العمر 31 عاما ويعيش في دمشق ويمتلك شركة لتوزيع الأغذية، إن شركته تكاد تنهار تقريبا. يضيف عطاسي، عبر مكالمة هاتفية أجريت معه من العاصمة السورية دمشق يوم الأحد: «الوضع شديد السوء، حيث يصعب الحصول على أي شكل من أشكال التمويل. ونظرا لأن كافة بطاقات الائتمان في سوريا بالدولار الأميركي، يجد الناس صعوبة في سداد ديون بطاقات الائتمان في الوقت الراهن بعدما فقدت العملة السورية 30 في المائة من قيمتها».

كما قامت المصارف في لبنان، بإيقاف كافة المعاملات مع المصارف السورية، امتثالا للعقوبات التي أقرتها الأمم المتحدة، طبقا لغيث منصور، رئيس أسواق رأس المال في مصرف «الاعتماد اللبناني».

ويقول منصور: «على الرغم من قوة العلاقات مع النظام السوري، لا يستطيع لبنان، من الناحية السياسية، تحمل تبعات مخالفة أي من قرارات مجلس الأمن».

تقول سابافالا: «تم تعليق معظم قروض التجزئة أو عمليات الإقراض، لن يستطيع السوريون تسديد ديونهم لهذه المصارف، لأن المبالغ التي يدينون بها للمصارف في الوقت الحالي ستكون أعلى بكثير من المبالغ التي كانوا يدينون بها عندما حصلوا على هذه القروض لأول مرة، نظرا لانخفاض قيمة العملة السورية، الأمر الذي يعني أن تلك المصارف على وشك المعاناة من معدل مرتفع للغاية من القروض غير العاملة».

وفي إحدى المقابلات التي أجريت معه، قال سلمان شيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة، إن تضييق الائتمان وتباطؤ الاقتصاد لهما «تأثير نفسي كبير على هؤلاء الأشخاص الذين لم يتخذوا قرارا بعد، مثل مجتمع رجال الأعمال، الذين لا يزالون يساندون النظام».

يضيف شيخ: «هل يواجه القطاع المصرفي خطر الانهيار؟ أعتقد أن هذا الأمر وارد، حيث يستخدم الأسد كل الأموال التي يستطيع تكديسها في هذه الحرب، ويستنزف موارد بعض القطاعات الأخرى مثل قطاعي التعليم والمالية. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع للأبد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»