رسائل بن لادن: لا تهميش للظواهري.. والهاجس الأمني يحتل الصدارة

السباعي لـ «الشرق الأوسط»: كلاهما وجهان لعملة واحدة.. وفي الأصل لم يكن بينهما اتصال مباشر

TT

بعيدا عن صورة قائد «الجهاد» العالمي الذي حلم بأن يكونه، بدا أسامة بن لادن في الوثائق التي نشرتها، مؤخرا، وزارة الدفاع الأميركية، في صورة قائد تجاوزته الأحداث يشكو في رسائل مطولة إلى معاونيه من أخطاء وتجاوزات تنظيمات تتحرك باسمه.

ومع احتمال أن يكون تم اختيار الـ17 رسالة المترجمة والمنشورة من قبل الولايات المتحدة من بين 6 آلاف تم جمعها خلال الهجوم على منزل بن لادن في أبوت آباد، لتأييد هذه الفكرة، فإنها مع ذلك تعكس حالة زعيم غاضب يخط تعليمات وأوامر نعرف أنه لم يتم العمل بها. ولقد ورد التقرير المرافق للرسائل تحت عنوان «بن لادن المهمش».

إلا أن قلة الإشارات إلى نائبه، أيمن الظواهري، الذي بات زعيما للتنظيم بعد مقتل بن لادن، أثارت كثيرا من علامات الاستفهام، وهناك إشارات قلقة إلى أبو محمد (أيمن الظواهري) بالمقارنة مع الرسائل المطولة إلى الشيخ محمود (عطية عبد الرحمن الليبي) الذي قتل بعد بن لادن بأشهر بصاروخ أميركي من طائرة من دون طيار في الشريط القبلي، وأخرى إلى الأخ عبد الحميد.

وفي رسائل قلقة يطلب (أزمراي) أسامة بن لادن عرض الأمر على أبو محمد (الظواهري) أو إرسال نسخة من الرسالة إليه. «الشرق الأوسط» توجهت إلى الدكتور هاني السباعي، الإسلامي المصري مدير مركز المقريزي في لندن، فنفى وجود محاولات تهميش للظواهري، وقال: «لقد اطلعت على الرسائل كاملة، المسألة برمتها تدخل في سياق التأمين والهاجس الأمني». ويضيف السباعي ردا على أسئلة «الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «في الأصل لم يكن الرجلان، بن لادن ونائبه الظواهري، معا أو بينهما اتصال مباشر، حتى لا يعتقلا معا أو يقتلا معا، وهذه أبجديات تأمين الشخصيات الجهادية الكبرى، وفي عرف الأصوليين فإن بن لادن هو الشخصية رقم واحد والظواهري الرقم الثاني، ولو كان الظواهري معه في أبوت آباد لقتلا معا، وخسر التنظيم الرجل الثاني أيضا، الذي تبحث عنه أميركا اليوم».

ويقول السباعي: «إن قصة تهميش الظواهري مستبعدة، والدليل أن بن لادن يقول في إحدى الرسائل (اعرضوا الأمر على أبو محمد)، والواضح أن الظواهري كان أكثر حركة من بن لادن في الاتصال بباقي فروع التنظيم في الدول الأخرى، ويبدو أن هناك اتفاقا بين الرجلين قبل أن يفترقا على معايير الهاجس الأمني في ما يتعلق بتبادل الرسائل عبر الوسطاء الشخصيين، وليس عبر أي وسيلة من وسائل التكنولوجيا، والرجلان كلاهما وجهان لعملة واحدة».

ويوضح السباعي: «خلال 10 سنوات من الحرب على الإرهاب وحتى الآن كانت هناك جيوش من العملاء تبحث عن بن لادن والظواهري وباقي قيادات التنظيم في باكستان والشريط القبلي، ومعنى سقوط أحدهما يعني فشلا كبيرا في استراتيجية التنظيم الأمنية وخرقا لها، أي أن التنظيم سينهار مثل المتواليات الهندسية».

وفي رسالة كتبت في مايو (أيار) 2010 يعرب مؤسس «القاعدة» عن الأسف خصوصا لتسبب أعمال وهجمات «المجاهدين» في سقوط ضحايا مسلمين، مما أعطى حججا قوية لأعدائهم.

وجاء في الرسالة: «بعد انتشار المجاهدين في الكثير من المناطق، انغمس البعض من إخواننا تماما في المعركة مع أعدائنا المحليين، وارتكبوا الكثير من الأخطاء بسبب سوء تقدير الإخوة مخططي العمليات».

وأضاف أن قتل مسلمين في اعتداءات عناصر «القاعدة» «قضية هامة يجب أن نوليها الاهتمام، لأن الهجمات التي تنفذ دون الانتباه، لذلك أثرت على تعاطف الجماهير مع المجاهدين. وهذا قد يجعلنا نكسب معارك، لكننا نخسر الحرب في نهاية المطاف».

وطلب بن لادن من القادة «الجهاديين» الذين لم يكن يتواصل معهم إلا بالبريد الشخصي، احترام سلطة القيادة المركزية لـ«القاعدة»، وهي تسمية اخترعها الغرب لكن بن لادن تبناها.

وقال في هذا الصدد: «في رأيي يمكن بلا أي مشكلة استخدام هذه العبارة لتوضيح الأمور».

بل إنه يطلب من أحد مخاطبيه «إعداد مذكرة تضم القواعد الواجب اتباعها للاتصال مع المجاهدين، وحين تكون جاهزة سنناقشها ونرسلها إلى كل المناطق، وكذلك السياسة الواجب اتباعها بشأن الأعمال العسكرية».

ويؤكد معدو التقرير المصاحب لرسائل أبوت آباد وهم أعضاء مركز مكافحة الإرهاب في مدرسة ويست بوينت العسكرية، أنه «فضلا عن كونه بعيدا عن القيادة العملانية للمجموعات الجهادية الإقليمية، فإن اللهجة المستخدمة في الكثير من الرسائل تظهر أن بن لادن كان يجد صعوبة في التأثير ولو قليلا عليهم».

وأضاف التقرير: «من البديهي أنه حتى لو لم يكن ينوي علنا أن يبتعد عن عمليات هذه المجموعات الإقليمية فإن بن لادن كان يعارض الطريقة التي يعملون بها».

وضمن الهاجس الأمني، هناك رسالة جيش الإسلام في غزة، تضمنت وقائع مجهولة، وهي في غالبها تتحاشى ذكر التواريخ والمواقيت التي كتبت فيها، لكن هذه الوثائق الـ17 هي رسائل مجملها 175 صفحة بالعربية وتوثق مرحلة تنحصر في الفترة بين سبتمبر (أيلول) 2006 وأبريل (نيسان) 2011. ورسالة أخرى تكشف عن الهوس الإعلامي لابن لادن وحبه للظهور الذي يتناقض مع الهاجس الأمني، وهي أشبه بنصيحة من أحد معاونيه يقول فيها: «لا بأس أن يظهر الشيخ بصورته الآن ثم يظهر مرة أخرى في الذكرى العاشرة لغزوات مانهاتن وواشنطن، فكل ظهور له - ما لم يكن ظهوره شبه يومي أو شبه أسبوعي - لا بد أن يكون له تأثير. وتكرار ظهوره رغم الحملة الشرسة التي تشن على (القاعدة) في كل مكان هو في نفسه لافت للانتباه، يجب أن لا ننسى أن هناك ملايين المعجبين بالشيخ في العالم الإسلامي يتطلعون إلى ظهوره والاطمئنان على صحته وأنه بخير وعافية. وهؤلاء يجب أن يكونوا مقصودين بخطاباتنا ورسائلنا قبل الأميركيين والأوروبيين الذين لا يسمعون ولا يعقلون إلا من رحم الله، كما يجب أن لا ننسى الإخوة المجاهدين في الجبهات، الذين يمرون بأوقات عصيبة ويواجهون المصيبة تلو المصيبة. هؤلاء أيضا سيفرحون برؤيته مجددا، وظهوره سيرفع من معنوياتهم إن شاء الله.

بل أرى أن من المناسب أن يقوم الشيخ بتوجيه خطاب مرئي إلى المجاهدين في كل الساحات، يواسيهم ويصبرهم ويثبتهم ويرشدهم، وكانت الرسالة التي أرسلها بعد استشهاد الشيخ سعيد (مصطفى أبو اليزيد قائد القاعدة في أفغانستان) قوية ومؤثرة فجزاه الله خيرا، ولكن الكثير من الناس لا يقرأون أو يقرأون ولكنهم يتأثرون أكثر بالصورة».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2011 درس مصدر أميركي، مأذون له، كل الوثائق المصادرة من فيلا أبوت آباد. وقال المصدر إن الوثائق (نحو 200 مفكرة وكراسة وحواسيب ومفاتيح يو إس بي) تظهر أنه «لم يعد منذ فترة طويلة منخرطا في القيادة اليومية للتنظيم».

وأضاف المصدر: «إن المخطوطات التي جمعناها هي في معظمها تعبير عن مواقف»، وبحسب المصدر فإن ثلث الوثائق يتناول أمورا خاصة مثل جهود إحدى زوجات بن لادن في العثور على زوج لإحدى بناته.

وتابع: «أيا كان الأمر، فإنه كان لأسباب أمنية لا يتلقى رسائل إلا مرة واحدة أو مرتين شهريا.. كيف يمكنه إدارة شبكة في هذه الظروف؟ وكان القائد العملاني الحقيقي الذي كان يهتم بتنشيط عمل الشبكة اليومي هو (الشيخ محمود) عطية عبد الرحمن».

وقتل الليبي عطية عبد الرحمن في 22 أغسطس (آب) 2011 في هجوم لطائرة من دون طيار في منطقة وزيرستان القبلية الباكستانية.