مساع للخروج من مأزق الدستور تراوح مكانها وجدل حول سيناريوهات «العسكري»

البرادعي اقترح انتخاب رئيس مؤقت أولا ثم انتخابات برلمانية ورئاسية

TT

في وقت ما زالت فيه المساعي للخروج من مأزق الدستور بمصر تراوح مكانها، مع وجود جدل حول مقترحات لـ«المجلس العسكري الحاكم» بهذا الشأن، اقترح الدكتور محمد البرادعي، ليلة أول من أمس، انتخاب رئيس مؤقت للجمهورية، وكتابة الدستور، ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، ليجدد بذلك طرحه سيناريو تؤيده بعض التيارات السياسية، ويقضي بـ«كتابة الدستور أولا»، على أن يعقبها إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.

وعطل الجيش الدستور الذي كان معمولا به حتى نهاية عهد الرئيس السابق حسني مبارك مطلع العام الماضي (دستور 1971)، ووضع إعلانا دستوريا (إعلان 30 مارس/ آذار 2011) يعطي للبرلمان حق تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد، إلا أن الأغلبية الإسلامية في البرلمان استحوذت على غالبية مقاعد الجمعية، مما أدى إلى صدور حكم قضائي بإلغائها. ويقوم الجيش حاليا باستطلاع توجهات القوى السياسية حول كيفية وضع دستور جديد.

واقترح البرادعي، الذي تراجع عن الترشح في الانتخابات الرئاسية المصرية الحالية، بسبب شكوك مسبقة في نزاهتها، انتخاب رئيس مؤقت لديه صلاحية تشكيل لجنة توافقية من أصحاب الفكر تمثل كل الأطياف لكتابة دستور، تعقبها انتخابات برلمانية ورئاسية. وقال البرادعي، وهو وجه دولي ومدير سابق للوكالة الدولية لطاقة الذرية، على حسابه بموقع «تويتر» أمس، إنه في غياب دستور، فإن انتخاب رئيس بصلاحيات سيحددها إعلان دستوري لم يتم استفتاء الشعب عليه وتحصين انتخابه من الطعن «قد لا يخرجنا مما نحن فيه».

من جانبه، قال المجلس العسكري إن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لوضع دستور في ظل الفترة الراهنة، مؤكدا حرصه على تشاور القوى السياسية وجميع فقهاء القانون الدستوري حول كيفية وضع الدستور المقبل في ظل الظرف السياسي الراهن.

وأوضح اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع؛ عضو المجلس العسكري، عقب اجتماع أخير مع قوى سياسية، أن السيناريوهات الثلاثة تتمحور حول: وضع الدستور قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، التي تبدأ جولتها الأولى بعد أقل من أسبوعين، أو إصدار إعلان دستوري مكمل لإعلان مارس الماضي، أو العودة للدستور المعطل.

واشتعلت أزمة وضع الدستور، عقب قرار قضائي ببطلان قرار مجلسي الشعب والشورى بتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، حيث جاء نصف أعضاء الجمعية التأسيسية من البرلمان وهيمن أنصار التوجه الإسلامي عليها، مما أثار غضب الأوساط السياسية المدنية. وجاءت تصريحات العسكري الأخيرة عقب اجتماع مع القوى السياسية اتفق خلاله على معايير جديدة لوضع الدستور، إلا أن الوضع السياسي المضطرب في البلاد وقرب موعد الانتخابات الرئاسية، كما يقول المراقبون، يضع كثيرا من علامات الاستفهام حول إمكانية وضع دستور جديد للبلاد في الأيام القليلة المقبلة.

من جانبه، قال محمود غزلان، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين لـ«الشرق الأوسط» إن «الجماعة ترى أن الدستور المقبل يجب أن يحظى بتوافق الجميع، والجماعة ترى أنه من الصعب أن يوضع دستور جديد للبلاد في الفترة القليلة المقبلة». وتابع قائلا: «إذا كان السيناريو الأوقع حاليا هو وضع إعلان دستوري مكمل، فلا بد أن يتم استفتاء الشعب عليه وألا ينفرد العسكري بوضعه».

وأوضح غزلان: «نحن لا نأمن ولا نطمئن للمجلس العسكري خاصة بعد مواقفه السياسية خلال الفترة الأخيرة.. ونعتقد أنه يطمع في أن يكون دولة فوق الدولة وفوق البرلمان والحكومة».

وكانت قيادات المجلس العسكري قد أكدت عدم سعيها لتحقيق أي وضع خاص في الدستور، معلنة التزامها بما جاء في دساتير مصر السابقة بشأن وضع القوات المسلحة. لكن الترتيبات السياسية للمرحلة المقبلة، خاصة وضع الرئيس في الدستور، لا تزال تشكل حجر عثرة في طريق التوافق.

وقال غزلان إن «المجلس العسكري يرفض النظام البرلماني ويريد نظاما رئاسيا، لكنه ليس له شأن في ذلك، والوحيد الذي يحدد هذا الأمر هو الشعب، مضيفا: «نحن نفضل أن يضع مجلس الشعب التعديل المكمل ويستفتي عليه الشعب».

من جانبه، قال الدكتور إبراهيم درويش، الفقيه القانوني والدستوري، إنه لا يمكن العودة لدستور 1971 لأنه سقط باندلاع الثورة، ولأنه دستور يمجد (منصب) الرئيس ويمنحه كل السلطات والصلاحيات دون غيره، مضيفا أنه بالنسبة للسيناريو الثاني، وهو وضع دستور قبل الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، فإنه يعد أمرا عسيرا للغاية. وتابع قائلا: «وضع الدستور من أرقى المهام والأعمال، لأنه الوثيقة التي تحدد شكل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد وتحمي الحقوق والحريات، ولذا يتعين أن يأخذ ما يتطلبه من الوقت حتى تخرج الوثيقة الدستورية كما يرضاها الشعب».

وأعرب درويش عن اعتقاده بأن سيناريو إصدار إعلان دستوري مكمل للإعلان المعمول به حاليا، والذي أصدره المجلس العسكري العام الماضي، هو السيناريو الأفضل، مشيرا إلى أن المطلوب في الإعلان المكمل هو إعادة التوازن بين السلطات.

وأيد شوقي السيد، الفقيه الدستوري، رأي درويش. وقال إن الخيار الأفضل الآن هو تعديل الإعلان الدستوري، المكون من 62 مادة، وإصدار إعلان مكمل، موضحا أن «الأفضل هو أن تسير البلاد بذلك الإعلان المكمل والمعدل لمدة أربع سنوات مقبلة التي يتعين أن يتم خلالها وضع الدستور الجديد للبلاد».

وأضاف أن إعداد دستور جديد في الفترة القليلة المقبلة يكاد يكون مستحيلا، وأن دستور 1971 يحتاج إلى كثير من التعديل والتنقية والإضافة والحذف، لكن إصدار إعلان مكمل سيكون الأفضل في ظل الفترة الصعبة التي تمر بها مصر حاليا.