دروز السويداء ونظام الأسد: تاريخ من الصدام والتهميش

ناشطون: المدينة تنخرط أكثر في الثورة السورية

TT

قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة مدينة السويداء قبل يوم واحد من اندلاع الثورة السورية في 14 مارس (آذار) من العام الماضي، وهذا الأمر ترك انطباعا لدى كثيرين أن المدينة التي تقع في الجنوب الشرقي للعاصمة دمشق تدين بالولاء لنظام الحكم وتتردد في المشاركة بالحراك الشعبي.

إلا أن الكثير من الناشطين في المدينة يرفضون هذا الاستنتاج، ويرون أن هناك ظروفا موضوعية كثيرة تدفع أهالي السويداء إلى الانخراط ببطء في ثورة الشعب السوري، خاصة أن المدينة امتلكت خلال حقبة حكم البعث «ذاكرة سيئة مليئة بالقمع والتهميش».

وترى نور، وهي إحدى الناشطات اللاتي ساهمن في تنظيم مظاهرات في المدينة، أن «تأخر السويداء في اللحاق بركب الثورة يتعلق بالدرجة الأول بالخوف الذي زرعه نظام الأسد في عقول الدروز وبقية الأقليات بأن الأكثرية إذا ما وصلت إلى الحكم فستضطهدهم وتغبن حقوقهم»، وتضيف: «النظام كان يشتغل على هذه الرواية منذ وقت طويل، واليوم جاء الوقت ليستثمر ذلك ويضمن الدروز في صفه».

وتجزم نور، وهي تحمل إجازة في الأدب الفرنسي، بأن «نظام الأسد لم يحمِ الدروز يوما، ولم يمنحهم أي امتيازات.. على العكس، فقد حرمت المدينة من مشاريع التنمية والإعمار، مما دفع الشباب إلى الهجرة الداخلية، لا سيما إلى مدينة دمشق، فلم تعد السويداء كمدينة حاملا اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا للدروز، نتيجة هذا التشتت والتوزع لطاقاتها الشبابية». وتستغرب الناشطة المعارضة أن الثورة انطلقت من درعا وليس من السويداء، فـ«في درعا يوجد تنمية أكثر والمستوى المعيشي أفضل بكثير من السويداء».

وقد خرجت، وفقا لناشطين سوريين يناهضون نظام الرئيس بشار الأسد، مظاهرات حاشدة في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية يوم السبت الماضي، تطالب بإسقاط النظام السوري وتعلن تضامنها مع المحافظات السورية المنكوبة، لا سيما مدينة حمص. وأشارت تنسيقية السويداء لدعم الثورة السورية على صفحتها على موقع «فيس بوك»، «أنه على الرغم من الوجود الأمني الكبير لم ترد معلومات عن اعتقالات أو أعمال تشبيح خلال خروج المظاهرات المعارضة لنظام الحكم».

وتشكل الطائفة الدرزية نحو 3 في المائة من سكان سوريا، وتتمركز في منطقة السويداء المعروفة أيضا باسم جبل الدروز، وقد شهدت المنطقة في عام 2000، أي السنة التي تسلم فيها الرئيس بشار الأسد مقاليد السلطة في البلاد، أحداثا دامية.. حيث احتج أهالي السويداء على مقتل أحد أبنائهم على يد زعيم من زعماء البدو في المنطقة، فما كان من النظام إلا أن اعتبر أن هذا العمل من قبل أهالي السويداء هو أشبه بعصيان مدني.

ويشير أحد الناشطين الذين عاشوا تلك المرحلة إلى أن «النظام استخدم الآلية نفسها التي يستخدمها الآن في قمع الثورة السورية، فمنذ اللحظة الأولى دخلت الدبابات إلى المحافظة بمدنها وقراها، وانتشرت الحواجز العسكرية على كل مداخل القرى المتاخمة لقرى أو تجمعات البدو آنذاك».

ويضيف: «راح ضحية النظام من أبناء الجبل أكثر من خمسة عشر شهيدا وعشرات الجرحى في يوم واحد، والمئات من المعتقلين فيما تلا من أيام، لكن التعتيم الإعلامي الذي مارسه النظام جعل منها حادثة تروى كالحكاية، كما مجزرة حماه؛ مع فارق البعد الزمني والحجم وشدة الإجرام». ويشير الناشط إلى أنه بعد أن أنهى النظام مجزرته وأحكم القبضة الأمنية على المدينة، قام ببث شائعات أن الضابط الذي ارتكب هذا الأعمال ضد أهالي السويداء ينحدر من مدينة حماه، أي أنه «من الطائفة السنية»، لافتا إلى أن هذه «كانت محاولة لزيادة الشرخ بين أبناء البلد الواحد وتحريض بعضهم ضد بعض». ويوضح الناشط المعارض أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتصادم فيها أهالي السويداء مع نظام الأسد، «فقد حصلت موجة احتجاجات طلابية سنة 1986، سرعان ما اتسعت وشملت شرائح كبيرة من أهالي المحافظة بسبب التضييق الذي مارسته قوات الأمن آنذاك على المشاركين في ذكرى تأبين الزعيم الاستقلالي، سلطان باشا الأطرش». ويضيف: «واجهت السلطة هذه الاحتجاجات بحكمة وهدوء متجنبة العنف، لكن سرعان ما دفع أهالي المدينة ثمن احتجاجهم بالإهمال والتهميش الذي مارسه النظام ضدهم، لا سيما الاقتصادي، فضلا عن الحصار الأمني الذي تم فرضه بإحكام، فتم استدعاء الكثير إلى فروع الأمن، كما استطاع الأمن ضرب مفاصل البنية الاجتماعية شديدة الترابط عبر قيامه بتوظيف مخبرين وكتبة تقارير».

ويجد علاء، أحد الناشطين الذين فروا من المدينة بسبب ملاحقة الأمن، أن «السويداء ستنخرط أكثر في الثورة السورية عبر المحاولات الدائمة لكسر الحصار الأمني الذي يفرضه النظام، سواء باعتقال الناشطين وملاحقتهم أو بتجنيد شبيحة من أصحاب السوابق الجنائية». ويضيف علاء أن «أهالي المدينة صاروا يدركون أن النظام يقوم بتوريطهم كأقلية في معركة بقائه، وكل من يرفض إطلاق النار من الجنود الدروز تتم تصفيته. وتشهد على ذلك آثار الطلقات في الرؤوس من الخلف التي تميز جثث الجنود القتلى الذين أعيدوا إلى ذويهم؛ ما يدل على أنه تمت تصفيتهم ولم يقتلوا في مواجهات».

وكانت مدينة شهبا التابعة لمحافظة السويداء قد شهدت في 7 فبراير (شباط) من العام الحالي خروج مظاهرات حاشدة تطالب نظام الحكم بالرحيل، الأمر الذي استدعى تدخلت المئات من القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد والشبيحة بهدف تفرقة المظاهرات، وحاصرت عددا من المنازل التي لجأ إليها المتظاهرون وبينهم جرحى.

يذكر أن مدينة السويداء يحدها من الشمال العاصمة دمشق، ومن الجنوب الأردن، ومن الشرق مرتفع الرطبة، ومن الغرب سهول حوران، وتبلغ مساحتها نحو 5.5 ألف كيلومتر مربع، تتوزع على مناطق شهبا، صلخد، قنوات، سيع، شقة، عتيل. وتعد المعقل الرئيسي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا.