واشنطن تعلن إحباط مخطط لتفجير طائرة قامت بها «قاعدة اليمن»

تتزامن مع الذكرى الأولى لاغتيال بن لادن.. وتتشابه مع محاولة اعتداء 2009 * معلومات من السعودية لـ«سي آي إيه» كشفت عن تفاصيل المخطط الإرهابي

TT

كشفت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، وأبطلت خطة لتنظيم القاعدة في اليمن لتفجير طائرة أميركية، وحصلت على ما سمتها «قنبلة ذكية» قبل أن يحملها إرهابي إلى الطائرة. واكتفى مسؤول أميركي في مكافحة الإرهاب لم يشأ الكشف عن هويته بالقول «لم تتعرض أي طائرة مدنية أو أي أميركي أو حليف للخطر». وأضاف هذا المسؤول، أن المحققين يتفحصون عبوة متفجرة «كان سيستخدمها انتحاري على متن طائرة مدنية»، أما مكتب التحقيقات الفيدرالي فقال من جهته، إنه تبلغ بمعلومات في هذا الشأن في الخارج، لكنه لم يحدد في أي بلد. كذلك لم تتضح الظروف التي أحبطت خلالها وكالة الاستخبارات الأميركية المؤامرة. لكن مسؤولين أميركيين أوضحوا مساء الاثنين الماضي لوكالة الصحافة الفرنسية، أن مشروع الاعتداء كان يستهدف بالتأكيد طائرة مدنية متوجهة إلى الأراضي الأميركية. واعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في نيودلهي، أن إحباط هذه المؤامرة الجديدة يؤكد الطابع «الوضيع والإرهابي» لأعمال يعرب متطرفون مسلمون عن استعدادهم للقيام بها. وأضافت كلينتون «هذا يذكرنا بضرورة التيقظ في بلادنا وفي الخارج لحماية أمتنا وحماية البلدان الصديقة والشعوب، كالهند وسواها».

وحاول تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، المنتشر في اليمن، مرات عدة في السابق تفجير طائرات مدنية متوجهة إلى الولايات المتحدة.

وقالت كيتلين هادين، متحدثة باسم مجلس الأمن الوطني في البيت الأبيض، إن الرئيس باراك أوباما كان أبلغ بذلك فور حدوثه. وكشفت القنبلة قبل أن يتعرض أي مسافر لأي خطر.

وقال متحدث باسم مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) إنهم يفحصون القنبلة، وإنها على غرار «قنبلة الملابس الداخلية» التي استخدمها النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب في محاولة لإسقاط طائرة مسافرين أميركية متجهة إلى ديترويت في عيد الكريسماس في سنة 2009.

وقال مسؤول في وكالة «سي آي إيه»، وغيرها من الوكالات الاستخباراتية، كانت تتابع المؤامرة لنحو شهر قبل أن تستولي على القنبلة مؤخرا في دولة بالشرق الأوسط، غير اليمن، لكنه لم يسمها، تمهيدا لنقلها إلى اليمن لوضعها في طائرة أميركية.

وقال تلفزيون «سي إن إن» على لسان مسؤولين في الاستخبارات الأميركية طلبوا عدم نشر أسمائهم أو وظائفهم، إن بداية كشف القنبلة كانت معلومات من السعودية.

وفي مقابلة مع «سي إن إن»، قال بيتر كينغ، عضو الكونغرس، ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب: «يبدو أنهم وصلوا مرحلة جديدة من التطور التكنولوجي». وربط بين القنبلة وقتل فهد القصع، من كبار المسؤولين في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، بطائرة «درون» أميركية من دون طيار.

إلى ذلك، ذكرت قناة «إيه بي سي» أمس أن عميلا متخفيا أفشل مخططا لـ«القاعدة» لارتكاب اعتداء انتحاري ضد طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة، بعد أن تمكن من إخراج العبوة الناسفة المعدة لهذا الغرض من اليمن، وسلمها إلى عاملين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في السعودية.

وقالت القناة إن العميل تمكن من الخروج «من دون مشكلات من اليمن» مع القنبلة، حيث سلمها لضباط مسؤولين عنه في السعودية. وأضافت: «كان يعمل سرا لحساب (سي آي إيه) ووكالات استخبارات أخرى»، لكنها لم تكشف جنسيته. ولم تعلق الاستخبارات الأميركية على هذه المعلومات ردا على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية.

من جهته، قال مسؤول باز في إدارة مكافحة الإرهاب بالبيت الأبيض، إن مسؤولي الاستخبارات الأميركيين يفحصون قنبلة اكتشفت خلال عملية لإحباط مؤامرة مزعومة لشبكة القاعدة في جزيرة العرب لمهاجمة طائرة ركاب كانت في طريقها إلى الولايات المتحدة.

وصرح جون برينان في مقابلة مع شبكة «إيه بي سي نيوز» الأميركية قائلا «القنبلة موجودة لدينا.. مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي (إف بي آي) يقوم بتحليلها. نحاول أن نفهم الجوانب المختلفة لتصميم القنبلة للتأكد من أننا قادرون على اتخاذ إجراءات وقائية في المستقبل لمنع هذا النوع من القنابل أو الأنواع الأخرى من القنابل من الوصول إلى مناطق يمكن أن تهدد المواطنين الأميركيين».

وأضاف برينان في مقابلة منفصلة مع شبكة (سي بي إس): «(القاعدة) في شبه الجزيرة العربية عاقدة العزم على مواصلة هذه المحاولات الهجومية. سوف نبذل قصارى جهدنا لمنعها قبل وصولها لأي طائرة بفترة طويلة».

وقال إن معنى هذا أن استعمال مثل هذا النوع من القنابل سوف يستمر. لكنه لم يفصل. وقال جون برينان، مستشار الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب، في تلفزيون «إيه بي سي» صباح أمس: «كنا نسيطر على الموضوع منذ البداية. الآن، نحن نريد التأكد من جهودنا لمنع تكرار مثل هذا الذي حدث».

وأكد مسؤولو إدارة مكافحة الإرهاب، أن أيا من شركات الطيران الأميركية أو ما سواها «لم تكن عرضة للخطر، في حين قال مسؤول بارز بالإدارة، إن العبوة الناسفة غير المعدنية، كانت معدة للاستخدام بواسطة انتحاري، وإنها في حوزة الولايات المتحدة، ويقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بفحصها».

ورفض المسؤول تقديم تفاصيل حول المؤامرة، بهدف حماية المصادر الاستخبارية الحساسة. وأيضا، رفض قول إذا كان المشتبه فيه اعتقل، أو أين عثر على القنبلة.

وقال المسؤول، إن تنظيم «القاعدة في اليمن» هو المسؤول. وأضاف: «نؤمن بأنهم هم الذين أنتجوا القنبلة. وأنهم كانوا يعتزمون استخدام انتحاري لها داخل طائرة مسافرين».

وأشارت مصادر إخبارية أميركية إلى تزامن المؤامرة مع تصعيد كبير للحملة الأميركية السرية العسكرية في اليمن عن طريق طائرات «درون»، (من دون طيار).

وأشارت المصادر أيضا إلى أنها تتشابه مع القنبلة التي خاطها مفجر في ملابسه الداخلية وحاول تفجيرها في طائرة متجهة إلى ديترويت يوم عيد الميلاد عام 2009، وأشارت، أيضا، إلى محاولة فاشلة عام 2010 لوضع طرود محملة بمتفجرات لترسل من اليمن إلى عناوين في شيكاغو. وأشارت، أيضا، إلى هجوم عام 2009 في السعودية استهدف مسؤولين كبارا هناك.

وعن تكنولوجيا القنبلة «الذكية»، قال مسؤول استخباراتي أميركي، إنها تهدف إلى التغلب على مشاكل تكنولوجية كانت أحبطت خطط تفجيرات سابقة، وإن القنبلة الجديدة صنعت مع صاعق أكثر تطورا من الذي استعمل خلال هجوم أعياد الميلاد الفاشل في الطائرة المتجهة إلى ديترويت، وإن الجهاز الجديد أيضا خال من مكونات معدنية، مما يعني أنه يعرقل كشف أجهزة أمن المطارات لها، مضيفا: «أعتقد أن هذا الجهاز، وغيره، من أعمال السعودي حسن إبراهيم الـعسيري، خبير متفجرات تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية».

من جهته، قالت السيناتورة ديان فينشتاين (ديمقراطية من ولاية كاليفورنيا)، ورئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ: «هذا نوع جديد بتصميم جديد، ويصعب للغاية الكشف عنه بالأجهزة المغناطيسية. إنها شبيهة بقنبلة عبد المطلب التي وضعها في ملابسه الداخلية».

ونفى ناطق باسم وزارة الأمن الداخلي بالولايات المتحدة وجود «أي معلومات موثوقة ومؤكدة بشأن مخطط إرهابي مماثل يستهدف الولايات المتحدة». ووفقا للتقارير فإنه لم يكن قد تم تحديد هدف للقنبلة أو شراء بطاقات سفر عند العثور عليها. وأشارت مصادر إخبارية أميركية إلى أن كشف المؤامرة جاء مع الذكرى السنوية لوفاة أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة. ومع جهود إدارة أوباما لتحويل قتل بن لادن، وخطط مكافحته للإرهاب لتكون قضية في حملة الانتخابات الرئاسية. ولرفع أسهمه أمام ميت رومني، مرشح الحزب الجمهوري المتوقع.

وكان عبد المطلب، عندما وقف أمام المحكمة في السنة الماضية وحوكم بالسجن المؤبد، أعلن تأييده لابن لادن. وأعلن، أيضا، تأييده لأنور العولقي، الأميركي - اليمني الذي قتلته طائرة أميركية من دون طيار في السنة الماضية.

وكان عبد المطلب أدين باستخدام سلاح الدمار الشامل، وبخمس جرائم أخرى، وكلها تهم أدت إلى الحكم عليه بالسجن مدى الحياة مرات كثيرة.

وكان عبد المطلب، الذي ساعده تنظيم القاعدة، والذي أعلن مسؤوليته عن العملية الفاشلة، وضع متفجرات في ملابسه الداخلية. وحاول تنفيذ عمليته، بينما في طائرة لتابعة لخطوط «نورثوست»، وذلك في نهاية رحلة طويلة من أمستردام إلى ديترويت. ولكن، بعد تدخل مسافرين وطاقم الطائرة، أحبطت العملية، وتمت السيطرة على الحريق. وأصيب عبد المطلب بحروق شديدة.

وفي وقت لاحق، غير رأيه، وقال المتهم للمحققين الأميركيين، إنه حصل على المتفجرات من أحد الناشطين في تنظيم القاعدة في اليمن، حيث تلقى تدريبه. وكان والد عبد المطلب وهو أحد كبار المصرفيين النيجيريين حذر السلطات الأميركية مسبقا من توجهات ابنه الإسلامية المتطرفة.

وأوضحت أوراق قضية عبد المطلب علاقاته مع العولقي عندما كان عبد المطلب في اليمن. ووضع محامو وزارة العدل هذه العلاقة في قائمة الاتهامات ضد عبد المطلب.

ومن جانبه، قال النائب الجمهوري، بيتر كينغ، رئيس لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأميركي لمحطة «سي إن إن»، إن العبوة الناسفة كانت معدة لتفجيرها بطائرة متجهة للولايات المتحدة. وذكر بأن اكتشاف المخطط ليس سوى جانب واحد من عملية مستمرة، مضيفا: «لم تنته بعد، لذلك قدم اليسير فقط من المعلومات عنها». وتزامن الكشف عن المخطط الأخير مع مقتل فهد القصع، المكني بأبي حذيفة اليمني، قيادي تنظيم «قاعدة اليمن» بصاروخ من طائرة أميركية بلا طيار، حسبما قال مسؤولون أميركيون لـ«سي إن إن». واختتم كينغ بقوله: «هذا نصر كبير لنا، لكنه تذكير بأن الحرب لن تنتهي في أفغانستان.. (القاعدة) انتشرت وستسعى دوما لإيجاد طرق جديدة للنيل منا».

يذكر أن القنبلة المكتشفة مؤخرا كانت تشتمل على مواد تفجير صناعية ولا يوجد بها معادن، مما يشير إلى أنه يمكن تمريرها في المطارات دون أن تكتشف. وقال أحد المصادر: «رغم التشابه، فإن المعاينة الأولية للعبوة الأخيرة تظهر اختلافات جوهرية عن تلك المستخدمة في هجوم عيد الميلاد.. من الواضح أن (القاعدة) تعيد تنقيح تقنيات صناعة متفجراتها لتفادي فشل محاولة عام 2009». إلى ذلك، قال مسؤولون أميركيون، إن كشف مخطط لتفجير طائرة ركاب باستخدام عبوة ناسفة متطورة أطلق عليها اسم «قنبلة الملابس الداخلية» يظهر عزم الإرهابيين على صنع قنابل يمكن أن تجتاز أجهزة الأمن في المطارات.

وقال المسؤولون الأميركيون لـ«رويترز» إنه تم ضبط العبوة خلال العشرة أيام الماضية، وإنه تم كشف المخطط في مراحله الأولى ولم يحدث أن كانت أي طائرة أميركية معرضة للخطر.

إلا أن المخطط يظهر أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ما زال عازما على مهاجمة الولايات المتحدة أو حلفاء لها وأنه يعكف على تطوير أسلحته وتكتيكاته.

وقال أحد المسؤولين، إن العبوة الناسفة بدت مشابهة لتلك التي يصنعها خبير المتفجرات السعودي الهارب إبراهيم حسن العسيري الذي تعتقد مصادر أميركية، أنه صانع قنابل يعمل مع «القاعدة» في جزيرة العرب. وذكر المسؤولون، أن تصميم القنبلة كان أكثر تطورا إلى حد ما من تصميم القنبلة التي استخدمت في محاولتي هجوم عام 2009. وفي المحاولة الأولى سعى رجل يحمل قنبلة مخبأة في ملابسه الداخلية لمهاجمة الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية. ولقي المهاجم حتفه في المحاولة، لكن الأمير محمد نجا. وفي يوم عيد الميلاد من ذلك العام حاول عمر الفاروق عبد المطلب وهو متشدد ولد في نيجيريا وقضى فترة من حياته باليمن، تفجير قنبلة حيكت في ملابسه الداخلية حين بدأت الطائرة التي تقله من هولندا إلى ديترويت في الهبوط بالمجال الجوي الأميركي. واشتعلت النار في العبوة الناسفة، لكن المادة المتفجرة لم تنفجر. وتمكن بعض الركاب من السيطرة على عبد المطلب وسجنته السلطات الأميركية. وقال مسؤول إن العبوة التي ضبطت أخيرا كانت مزودة بآلية متطورة لضمان انفجار الشحنة المتفجرة.

وأضاف: «التحليل المبدئي لهذه العبوة يظهر أن بها اختلافات واضحة عن العبوة التي استخدمت في هجوم عيد الميلاد رغم أوجه التشابه الكثيرة بينهما. من الواضح أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يطور أساليبه التفجيرية لمحاولة تجنب أسباب فشل محاولة 2009». والعبوة الأخيرة لم تكن معدنية مثلها مثل القنبلتين اللتين استخدمتا في المحاولتين السابقتين.

وقال السيناتور ديان فاينستاين، رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأميركي «أهنيء وكالة المخابرات المركزية على إحباط هذه المؤامرة التي حاكها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لتدمير طائرة ركاب متجهة للولايات المتحدة باستخدام نوع محدد من القنابل ذي تصميم جديد ويصعب جدا أن تكشفه أجهزة الرصد المغناطيسي».