اليمن: أكثر من 100 قتيل في تفجير انتحاري استهدف قوات الجيش والأمن.. وهادي يقيل عددا من القادة الأمنيين

باسندوة لـ«الشرق الأوسط»: ننتظر نتائج التحقيق.. وسنحتفل بذكرى الوحدة في مكان آخر

TT

شهدت العاصمة اليمنية صنعاء أمس أعنف تفجير انتحاري في تاريخها، حيث قتل نحو 100 شخص في التفجير الذي استهدف قوات الجيش والأمن أثناء التحضير لعرض عسكري اليوم في ذكرى قيام الوحدة اليمنية، في حين شهدت مناطق أخرى تفجيرات وأعمالا «إرهابية»، في وقت أصدر فيه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرارات بتعيينات جديدة في عدة أجهزة أمنية، اعتبرت بمثابة الإقالة لعدد من المسؤولين المحسوبين على النظام السابق.

وأفاق سكان العاصمة اليمنية صنعاء على تفجير انتحاري ضخم استهدف المشاركين في «البروفات» الخاصة بالعرض العسكري المقرر إقامته اليوم بمناسبة حلول الذكرى الـ22 لقيام الوحدة اليمنية في 22 مايو (أيار) عام 1990، وأسفر التفجير عن مقتل ما يزيد على 100 ضابط وجندي وإصابة قرابة 300 آخرين من مختلف الألوية والوحدات العسكرية المقرر مشاركتها في العرض العسكري، وهي التي تضم قوات الجيش التي انشقت عن النظام السابق والتي كانت موالية له، لأول مرة منذ الثورة اليمنية التي أطاحت بالرئيس السابق علي عبد الله صالح. وشوهدت سيارات الإسعاف وهي تنقل القتلى والجرحى بكثافة إلى المستشفيات الحكومية؛ العسكرية والشرطية والمدنية، وسط ذهول في الشارع اليمني الذي لم يعهد مثل هذه التفجيرات الانتحارية، ولأول مرة تشهد العاصمة اليمنية صنعاء تفجيرا مماثلا.

إلى ذلك، قال محمد سالم باسندوة رئيس الوزراء اليمني في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن: «مجلس الوزراء يدين إدانة مطلقة العملية الإرهابية التي أودت بحياة العشرات من الجنود، ونعزي أسر الشهداء وذويهم في هذا المصاب العظيم، ونتمنى للجرحى الشفاء العاجل». وعلى الرغم من تبني «القاعدة» العملية، فإن باسندوة قال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لا نتهم أحدا في هذه اللحظة، وننتظر نتائج التحقيق الذي بدأ حول ملابسات هذه العملية». وحول ما إذا كان الاحتفال باليوم الوطني سيتم اليوم، قال باسندوة: «الاحتفال بذكرى الوحدة اليمنية سيتم غدا (اليوم)، ولكن نظرا لما حدث، ولمزيد من الحيطة الأمنية، فإن الحفل سيتم في مكان آخر غير المكان الذي كان مقررا أن يتم فيه». وذكر باسندوة أن «الحفل سيكون في قاعة مغلقة بدلا من ميدان السبعين».

من جانبه، أدان التجمع اليمني للإصلاح ما سماها «العملية الإرهابية» التي استهدفت أمن واستقرار الوطن من خلال استهداف الجنود في ميدان السبعين، وقال محمد قحطان عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن: «التجمع اليمني للإصلاح يدين بشدة العملية الإرهابية، والحدث الإجرامي البشع»، وقال قحطان: «نحن على ثقة بأن أهداف الإرهابيين في تعطيل العملية السياسية لن تنجح، بل ستمضي المسيرة كما هو مخطط لها» وأضاف قحطان: «على الرغم من إعلان تنظيم القاعدة المسؤولية عن هذه العملية، فإننا لا نستبعد وجود تسهيلات أدت إلى هذا الاختراق» دون الإدلاء بتفاصيل. وأكد قحطان أن «ما حدث في ميدان السبعين يحتم علينا الإسراع بإعادة هيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية، لأن انقسام هاتين المؤسستين يسّر الطريق أمام (القاعدة) لارتكاب هذه الجريمة».

وذكرت مصادر رسمية أن منفذ الهجوم ينتمي لقوات الأمن المركزي التي يقودها، فعليا، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، العميد الركن يحيى محمد عبد الله صالح، أركان حرب هذه القوات، وقد نجا وزير الدفاع اليمني اللواء الركن محمد ناصر محمد، ورئيس هيئة الأركان اللواء الركن أحمد الأشول من التفجير الانتحاري. وقالت مصادر أمنية مطلعة إن قوات الأمن، عقب التفجير، اعتقلت انتحاريين اثنين وبحوزتهما أحزمة ناسفة قبل أن يفجرا نفسيهما، وبحسب معلومات أولية، فإن الحزام الناسف الذي فجره الانتحاري كان يحمل أكثر من 13 ألف شظية.

وشكلت الحكومة اليمنية لجنة للتحقيق في ملابسات الحادث الانتحاري، وقال مصدر أمني إن محققين باشروا «التحقيقات لمعرفة من يقف وراء هذا الاعتداء الإرهابي الغادر ونوعية المواد المتفجرة التي استخدمت فيه».

من جانبه، وجه وزير الداخلية بتشكيل «لجنة للتحقيق من الجهات ذات العلاقة لجمع الاستدلالات ومعرفة ملابسات هذا العمل الإرهابي الغادر بغية كشف خيوط مدبريه ومن يقف وراءه»، وقال مصدر أمني إن «هذا العمل الإرهابي لن يزيد أبطال القوات المسلحة والأمن إلا إصرارا في مواجهة العناصر الإرهابية بلا هوادة حتى يتم استئصال شأفة الإرهاب وتطهير يمن الإيمان والحكمة من رجس أعمالهم الشيطانية التي تتنافى ليس مع مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف فحسب؛ وإنما مع كل قيم وأخلاقيات شعبنا الفاضلة وكل القيم الإنسانية»، مشددا على أن «من يقفون وراء هذه المجزرة البشعة لن يفلتوا من العقاب عاجلا أم آجلا».

وعقب التفجير الانتحاري، شددت قوات الأمن اليمنية من إجراءاتها الأمنية في العاصمة صنعاء وحول المستشفيات التي نقل إليها القتلى والمصابون والتي ضجت بأهالي الضحايا والمشاركين في «بروفات» العرض العسكري المزمع، والذين ينتمون لقوات الجيش والأمن والنجدة وطلاب كليات الشرطة والحربية وغيرها من المدارس العسكرية.

وقد أصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي قرارا بتعيينات جديدة في عدد من المؤسسات الأمنية، الأمر الذي اعتبر بمثابة إقالة لقادة تلك المؤسسات، حيث عين هادي، اللواء فضل القوسي قائدا جديدا لقوات الأمن المركزي، بدلا من العميد الركن عبد الملك الطيب، كما عين العميد حسين الرضي قائدا لقوات النجدة، والعميد يحيى علي عبد الله حُميد أركان حرب لقوات النجدة. وضمن القرارات الرئاسية التي صدرت أمس، قرار بتعيين محمد جميع الخضر وكيلا لجهاز الأمن القومي (المخابرات) للشؤون الخارجية.

وقد أدانت قوى محلية وإقليمية التفجير الانتحاري، حيث أدانه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني ووصفه بـ«المحاولة الفاشلة لوقف مسيرة اليمن نحو الاستقرار والتنمية»، وأعرب في اتصال هاتفي بالرئيس اليمني عن ثقته بأن «هذا العمل الإرهابي والإجرامي البشع سيزيد من إصراركم على المضي نحو إخراج اليمن من هذه الظروف الصعبة وبعزم أقوى وعلى أساس مقتضيات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة». كما أدان التفجير أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، وقال، في بيان صادر عنه، إن «هناك من يحاول عرقلة الجهود المبذولة لمساعدة اليمنيين على تجاوز تحديات المرحلة الانتقالية»، في حين أدانت فرنسا الحادث، وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنه «في هذه الظروف المأساوية، تؤكد فرنسا دعمها الكامل للجهود المبذولة من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي لمواصلة عملية الانتقال السياسي في اليمن، وفقا لتطلعات الشعب اليمني»، ولقي الحادث إدانات واسعة النطاق من قوى سياسية وشعبية على الساحة اليمنية.

وعقب التفجير أعلنت عدة جهات يمنية حكومية وتجارية عن تبرعات بملايين الريالات اليمنية للقتلى والجرحى الذين سقطوا في التفجير، ويتوقع أن تتواصل حملة التبرعات الذاتية خلال الأيام القليلة المقبلة.

في سياق متصل، تتواصل المواجهات في جنوب اليمن بين قوات الجيش واللجان الشعبية من جهة؛ وعناصر تنظيم القاعدة من جهة أخرى، وقالت مصادر في حضرموت إن انفجارا عنيفا وقع في نقطة أمنية بمدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، أمس، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بعد يومين على تفجير مماثل تبناه تنظيم القاعدة، في الوقت الذي تستمر فيه المواجهات ضد التنظيم في مدن وبلدات محافظة أبين، حيث أكدت مصادر في تنظيم «أنصار الشريعة» التابع لـ«القاعدة» مهاجمتها موقعا عسكريا بمنطقة الكود في أبين وقتلها عددا من الجنود واستيلائها على كميات من أسلحة الجيش. من جانبه، نقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن مصدر إعلامي في تنظيم القاعدة أن القاعدة تقف وراء العملية الانتحارية التي استهدفت قوات الأمن المركزي. وأكد المصدر أن العملية نفذت بواسطة جندي تم تجنيده لصالح القاعدة نفذ العملية بحزام ناسف يحوي 13 ألف شظية انتقاما لما سماها المصدر «جرائم قوات الأمن المركزي في حق القاعدة واليمنيين». فيما توعد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أمس بتكثيف جهود قوات الأمن ضد المتشددين بعد التفجير الانتحاري الذي أودى بحياة عشرات الجنود.

ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) عن الرئيس اليمني قوله لأسر الضحايا في برقية عزاء إن القوات المسلحة وقوات الأمن اليمنية ستكون أشد صلابة وأكثر إصرارا في تعقبها للإرهابيين.