مصر تواجه اختيارا صعبا في جولة الإعادة

مصرية: نحن الأغلبية الصامتة صوتنا لشفيق

شرطي مصري يمر بجوار ملصقات د. محمد مرسي مرشح «الإخوان» بوسط القاهرة أمس (واشنطن بوست)
TT

كشفت نتائج الجولة الأولى لأول انتخابات رئاسية حرة في تاريخ مصر الحديث عن اختيار صعب في جولة الإعادة التي ستجرى الشهر القادم، حيث يتنافس إسلامي محافظ ضد قائد القوات الجوية الأسبق الذي تربطه علاقات وثيقة بالرجل الذي كان إسقاطه سببا في انتخابات الأسبوع الماضي. وبعد حملة صاخبة تنافس فيها 13 مرشحا، أظهرت النتائج التي عرضتها وسائل الإعلام الرسمية سيطرة مرشحين على انتخابات الإعادة يمثلان قوى ثقيلة الوزن في السياسات المصرية: «الإخوان المسلمين» والجيش. تعهد محمد مرسي، مرشح «الإخوان المسلمين»، خلال حملته بتطبيق أوسع نطاقا للشريعة الإسلامية، فيما تعهد أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء قبل سقوط نظام حسني مبارك في ثورة عام 2011، الذي خاض الانتخابات كمرشح علماني، بالحيلولة دون نهضة الإسلاميين واستعادة الأمن.

أصاب هذا الخيار قطاعا كبيرا من المجتمع المصري بحالة من الذهول، خاصة أن أيا من مرشحي الإعادة لم يكن من بين الوجوه البارزة في الثورة المصرية. يقول هاني شكر الله، رئيس تحرير الموقع الإنجليزي لصحيفة «الأهرام» المملوكة للدولة «سيكون هناك الكثير من الأفراد ممن سيحجمون عن المشاركة في الاقتراع، وهو ما قد يشكل إخفاقا محتملا ومواجهة متوقعة». وتشير مارينا أوتاواي، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، إلى أنه رغم عدم اعتبار أي المرشحين متوافقا مع المصالح الأميركية، فإن مرشحي جولة الإعادة هم الأسوأ من أكثر من وجه. تقول أوتاواي «سيتسبب شفيق في اضطرابات، فربما تحدث ثورة أخرى. وسوف ينظر إليه الكثيرون على أنه عودة للنظام السابق، وستحدث انقسامات شديدة في البلاد. على الجانب الآخر ينظر إلى مرسي على أنه مشكلة في واشنطن، حيث يلقي فوزه بالكثير من النفوذ في يد (الإخوان المسلمين)، وستنقسم البلاد مرة أخرى».

وقد حثت جماعة الإخوان المسلمين جميع التيارات السياسية يوم الجمعة على التوحد خلف مرشحها لهزيمة شفيق، مطالبين المرشحين الرئاسيين الآخرين بدعم مرسي. فقال المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، الدكتور عصام العريان، في مؤتمر صحافي إن الثورة المصرية «في خطر». وسعى مرسي خلال حملته الانتخابية إلى الحصول على دعم جموع الناخبين الإسلاميين الذين يستفيدون من شبكة الأعمال الخيرية الواسعة للإخوان والذين يتبنون أفكارها الدينية. وعلى الرغم من كون مرسي مرشحا لا يتمتع بالكاريزمية، فإن الماكينة الانتخابية الهائلة للجماعة هي التي وضعته في المركز الأول في عدد الأصوات.

فوز مرسي في الجولة الثانية - التي انطلقت فعليا نظرا لعدم حصول أي من المرشحين على نسبة 50 في المائة - سيعطي الجماعة شبه احتكار للحكومة الديمقراطية الجديدة في أعقاب انتصارها الكاسح في الانتخابات البرلمانية العام الماضي. ويخشى الكثير من المصريين أن يؤدي تمكين «الإخوان المسلمين» إلى تحويل البلاد إلى دولة إسلامية، وعبروا عن شكوكهم بشأن التزام الجماعة بالمثل الديمقراطية.

من بين التساؤلات الأبرز التي تحاول واشنطن الإجابة عنها ماهية الطريقة التي سيتبعها «الإخوان» - الذين ظلوا في صفوف المعارضة لعقود - في حكم مصر في حال نجاح مرسي في انتخابات الإعادة.

يقول ستيفن كوك، خبير شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية «كانت العلاقة الاستراتيجية للحكومة المصرية مع الولايات المتحدة تلقى معارضة صريحة من (الإخوان)». هذا التعاون شمل تبادل المعلومات الاستخبارية الاستراتيجية، وعبور قناة السويس والفضاء الجوي. وقال كوك «لم يتضح بعد مدى الصعوبة في قيام ذات العلاقة مع حكومة يرأسها مرسي، على الرغم من تصريحات (الإخوان)». لكن انتصار شفيق سيكون أكثر إشكالية بالنسبة لصناع السياسة الأميركيين. ويقول مايكل دوني، المحلل في مجلس الأطلسي «ربما يكون هناك افتراض بين الشعب المصري على نطاق واسع بأن الولايات المتحدة ترغب في احتفاظ الجيش بقدر كبير من السلطة في الحكومة الجديدة قدر الإمكان. لكن ذلك ليس واضحا هو الآخر. فإذا ما انتخب شفيق بصورة متنازع عليها وتخلق مشكلات كبرى فلن يكون ذلك في صالح الولايات المتحدة أيضا». لا يخجل شفيق في تصريحه بوصفه مبارك مثلا أعلى، ويخشى خصومه من عودة الدولة البوليسية العلمانية لرئيسه السابق، والتي قهرت فيها القبضة الأمنية الإسلاميين والمعارضين الآخرين. وقد أوضح المرشح خلال المقابلة التي أجريت معه هذا الأسبوع أنه سيعمل على «تحييد» الإسلاميين إذا ما فاز. وحاول شفيق في حملته الانتخابية استقطاب المصريين الذين تضرروا نتيجة الآثار السلبية للثورة على الاقتصاد والذين يشعرون بالقلق إزاء انعدام الأمن. وبدا واضحا أنه يحظى بدعم جنرالات المجلس العسكري إضافة إلى وسائل الإعلام المملوكة للدولة.

تقول رانيا جلال (29 عاما)، التي صوتت لصالح أحمد شفيق «هناك الكثير من المصريين الذين ظلوا في منازلهم يتابعون الأخبار ولم يشاركوا في الثورة. إنهم يطلقون علينا الأغلبية الصامتة، ونحن من صوتنا لشفيق». وكان أعضاء حملة شفيق قد دافعوا عن مرشحهم ضد الادعاءات بأنه معاد للثورة ومستبد. فيقول أحمد سرحان، المتحدث باسم حملة أحمد شفيق «إنه سيسير على مبادئ الثورة وسيعمل على تحقيق أهدافها».

ويرى الكثير من المصريين الصورة في جولة الإعادة التي ستجرى يومي 16 و17 من يونيو (حزيران) القادم قاتمة، فتقول فاطمة إمام، ناشطة نسائية «نحن عالقون بين متشدد وقاتل. أنا حزينة بالقول إن المجموعات الثورية المدنية فشلت». في الوقت ذاته، أظهرت النتائج الأولية حالة من الانقسام في أصوات الناخبين، فانقسمت أصوات الناخبين المتحمسين للثورة بين الإسلامي التقدمي عبد المنعم أبو الفتوح وصاحب التوجه القومي العربي حمدين صباحي، المرشح العلماني الوحيد الذي لم تربطه علاقات بنظام مبارك. وقد حصد الاثنان 40 في المائة من جملة عدد الأصوات بحسب توقعات موقع صحيفة «الأهرام». في الوقت ذاته حصد مرسي ربع عدد الأصوات، وهو ما يعكس انخفاضا حادا في شعبية «الإخوان المسلمين» مقارنة بالنتائج الكبيرة التي حصلوا عليها في البرلمان، فيما حصل شفيق على ما يقرب من 24 في المائة من الأصوات.

كان الأداء الأسوأ بين المرشحين الكبار من نصيب عمرو موسى، الأمين الأسبق لجامعة الدول العربية، الذي كان في وقت ما من الحملة الانتخابية للمرشح الأوفر حظا، بنسبة 10 في المائة فقط من الأصوات.

وفي حي المقطم، أحد أحياء القاهرة الذي يبعد بضعة أميال عن مقر «الإخوان المسلمين» الجديد، تلاشت حالة الفرح التي سادت عملية التصويت يومي الأربعاء والخميس، يوم الجمعة، وسادت حالة الاكتئاب عددا من الناخبين. ومعروف عن المصريين خفة الظل حتى في الأوقات العصيبة، لكن الناخبين الذين التقيناهم في شوارع حي المقطم عبروا عن تشاؤمهم. فيقول أحمد إبراهيم، صيدلاني (27 عاما) ومؤيد للدكتور أبو الفتوح «كأننا لم نقم بثورة. مخاوفي بشأن شفيق هي مخاوفي نفسها تجاه النظام القديم، من قمع وسحق المعارضة وهيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية». وقد حثه أصدقاءه على مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات، لكن إبراهيم أكد على أنه سيدعم مرسي، وقال «أنا لا أؤيد (الإخوان المسلمين)، لكني سأصوت لأي مرشح ضد شفيق، لأن المقاطعة تعني دعم شفيق». لكن مي الشريف (38 عاما)، صاحبة متجر للملابس، هزت رأسها في نوع من الارتياب، وقالت مي «الاختيار بين شفيق ومرسي هو خيار بين أمرين أحدهما مرير والآخر مؤلم. لقد قدر لنا أن نختار بين ديكتاتورين أحدهما عسكري علماني والآخر إسلامي».

وبينما كان محمود عاشور يستمع إلى النتائج الأولية يوم الجمعة، عاد بذاكرته إلى ثورة العام الماضي، وقال «هذه ليست مصر التي كنا نحلم خلال الليالي الباردة في التحرير قبل 15 شهرا».

* شارك في إعداد التقرير المراسلون هيثم محمد وإنجي حسيب من القاهرة وويليام وان من واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»