الولايات المتحدة تأمل في مساعدة روسيا للإطاحة بالأسد

محاولات للتوصل إلى صيغة شبيهة بـ«البديل اليمني»

سيارة تابعة لبعثة مراقبي الأمم المتحدة على طريق دمشق الزبداني أمس ( أ ف ب)
TT

في إطار جهود جديدة لإنهاء أكثر من عام من إراقة الدماء في سوريا، سوف يدعم الرئيس أوباما رحيل الرئيس بشار الأسد بموجب اقتراح يقوم على نموذج انتقال السلطة في دولة عربية أخرى مزقها النزاع، وهي اليمن.

وتدعو الخطة إلى تسوية سياسية يتم التفاوض عليها، والتي من شأنها أن ترضي جماعات المعارضة السورية، ولكنها قد تترك أذناب نظام الأسد دون أي مساس بهم.. والخطة تهدف إلى السير على نهج عملية انتقال السلطة التي جرت في اليمن، حيث وافق الرئيس علي عبد الله صالح، بعد أشهر من الاضطراب العنيف، على التنحي وتسليم السلطة إلى نائبه، عبد ربه منصور هادي، من خلال اتفاق تم ترتيبه من قبل الدول العربية المجاورة لليمن. وينظر إلى هادي، على الرغم من أنه تم انتخابه مؤخرا في تصويت بالتزكية، بوصفه قائدا لمرحلة انتقالية.

ويتوقف نجاح الخطة على روسيا، أحد أقوى حلفاء الأسد، والتي قد عارضت بشدة الإطاحة بنظامه. وفي العام الماضي، عرقلت روسيا اتخاذ أي إجراء صارم من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد الأسد، متذرعة بأن ذلك ربما يقود إلى إجباره على التنحي ويلحق به المصير المؤلم الذي لقيه العقيد الليبي، معمر القذافي، الذي تم قتله بصورة وحشية، أو الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي تم سجنه وتجرى محاكمته. لكن سوريا تواجه ضغطا دوليا شديدا من أجل استغلال تأثيرها في الإطاحة بالأسد، مع استمرار سقوط قتلى في سوريا بلا هوادة، بما في ذلك المذبحة التي راح ضحيتها أكثر من 90 شخصا في قرية تقع بالقرب من حمص، والتي أعلن عنها مسؤولون بالأمم المتحدة يوم السبت الماضي.

لقد تمت مناقشة النموذج اليمني على نطاق واسع في موسكو، وبات يشتهر باسم «البديل اليمني» حتى في الولايات المتحدة. وجزئيا، يعكس ذلك محاولة روسيا الأخيرة للبحث عن حل للأزمة في سوريا، بينما، بحسب الأمم المتحدة، قضى آلاف المدنيين منذ بداية المظاهرات في سوريا في مارس (آذار) من العام الماضي.

وقال مسؤولون بالإدارة الأميركية، إن أوباما سوف يناقش الاقتراح المقدم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر المقابل في أول اجتماع لهما منذ عودة بوتين إلى منصبه القديم في 7 مايو (أيار). يذكر أن توماس دونيلون، مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، سبق وأن بحث الخطة مع بوتين في موسكو قبل ثلاثة أسابيع.

وعندما بحث أوباما الخطة مع رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، في اجتماع مجموعة الثماني الذي عقد في كامب ديفيد نهاية الأسبوع الماضي، بدا ميدفيديف، متقبلا لها، بحسب مسؤولين أميركيين، مشيرا إلى أن روسيا ستفضل ذلك الخيار على الصور الأخرى من الفترات الانتقالية ونقل السلطة التي شهدتها الثورات العربية. وخلال الاجتماع، أثار ميدفيديف مشهد (الرئيس المصري السابق) مبارك في القفص أثناء محاكمته، بحسب مسؤول رفيع المستوى. وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية المناقشات، إن أوباما قد «دخل حينها في مواجهة مع اليمن، وكان مدلول ذلك هو أن هذا بالفعل موضوع يمكننا الحديث عنه».

في منطقة تعصف بها اضطرابات سياسية، يخشى قادة روس من أن تكون سوريا هي معقل تأثيرهم الأخير. إن سوريا هي الحليف الرئيسي لموسكو في الشرق الأوسط، والتي توجد بها قاعدة بحرية روسية وتنفذ بها استثمارات روسية ضخمة في مجالي النفط والغاز، إضافة إلى ذلك، فإنها أيضا شريك تجاري ومشتر رئيسي للأسلحة الروسية.

وقال ديمتري سيمز، الخبير الروسي ورئيس مركز المصلحة الوطنية في واشنطن: «الروسيون الآن يتعاملون مع الرئيس الأسد باعتباره عقبة». وأضاف: «لكن بوتين لا يروق له أن يسقط عملاؤه واحدا تلو الآخر على يد الولايات المتحدة، وهو يعتبر الأسد عميله الآن».

يقول مسؤولون أميركيون إنهم مستعدون لطمأنة نظرائهم الروسيين بأن موسكو سوف تستطيع الإبقاء على روابطها القوية في سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد. وقال مسؤول، تحدث مشترطا عدم ذكر اسمه: «انظر، نحن ندرك أن روسيا ترغب في أن يكون لها تأثير مستمر في سوريا». وأضاف: «اهتمامنا ينصب على استقرار الأوضاع، لا إلغاء التأثير الروسي».

وفي الوقت الذي لم يرفض فيه ميدفيديف اقتراح أوباما الأخير سعيا لتحقيق انتقال سياسي اعتمادا على نموذج اليمن، إلا أنه لم يوقع عليه بالمثل. على أي حال، من المؤكد أن بوتين سيتخذ القرار، خاصة عند وضع الانتقادات التي وجهت لميدفيديف في موسكو في الحسبان. ويشير المنتقدون هناك إلى أنه عندما كان ميدفيديف رئيسا، لم يكن ينبغي له أن يستسلم للضغط من جانب الدول الغربية في العام الماضي للعدول عن عرقلته مشروع القانون الصادر عن الأمم المتحدة والذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي في ليبيا، والذي يؤكد منتقدون أنه قد أدى إلى الهجمات الجوية لحلف الناتو التي ساهمت في الإطاحة بالعقيد القذافي.

لقد استهل بوتين بالفعل بداية محفوفة بالصعوبات مع الرئيس أوباما الذي انتظر عدة أيام للاتصال به وتهنئته على فوزه بالانتخابات بعد حملة اتهم فيها بوتين الولايات المتحدة بالمساعدة في تنسيق مظاهرات في دول أخرى، من بينها روسيا. وحتى إن لم يوافق بوتين على النموذج اليمني، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان هو وأوباما يشتركان في تعريفهما لماهية ذلك النموذج - وكيفية وضعه موضع التنفيذ - أم لا.

«بالنسبة لواشنطن، يتمثل أهم جانب من جوانب النموذج اليمني في افتراضه، من البداية، بأن القائد - في هذه الحالة، بشار الأسد، سوف يتخلى عن السلطة»، بحسب ما يقول روبرت مالي، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية. وأضاف: «بالنسبة لموسكو، تتمثل أهم مزايا هذا النموذج في تأييد عملية تدريجية تبقي على الهياكل الأساسية للنظام، والتي يتم فيها إقصاء القائد بشكل رسمي». وقال مالي، الذي كان مؤخرا في موسكو لعقد محادثات بشأن سوريا، إنه في ما تعتبر هذه فجوة يمكن تخطيها، إلا أنه لم يتم تخطيها بعد حتى الآن.

ويرى متشككون أن انفتاح روسيا على نموذج اليمن ليس مدفوعا بدرجة كبيرة بالرغبة في خلع الأسد بقدر ما هو مدفوع بالحيلولة دون تنفيذ عمل عسكري تتزعمه الولايات المتحدة. وحذر بعض الخبراء من أن أكبر خطر يهدد الاقتراح هو أن يصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا على نحو مبالغ فيه بإدارة أوباما.

وقالت كارول بوغارت، نائبة المدير التنفيذي لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، التي ناقشت بدورها أيضا الخيار اليمني مع مسؤولين روس: «ثمة شعور بمعاداة النهج الأميركي متأصل في الكرملين». وأضافت: «حينما ينظر إلى اقتراح على أنه مطلب يريده الأميركيون، يمكن أن يتحول على الفور إلى اقتراح غير جذاب بالنسبة للروس».

غير أنها ومعها نشطاء حقوقيون آخرون، ذكروا أن الخطة جديرة بالمحاولة، حتى وإن كانت الاحتمالات تشير إلى أنها لن تحظى بدعم حقيقي صادق من قبل الروس، وبالتأكيد لن تسفر عن رضوخ الأسد.

علاوة على ذلك، فإن أي اتفاق يمكن أن يساعد أوباما وبوتين على الأقل في إظهار أن علاقتهما لا تتدهور بعد عدم حضور بوتين قمة مجموعة الثماني، التي استضافها أوباما. وقد نظر إلى تلك الخطوة على نطاق واسع بوصفها صفعة موجهة إلى إدارة أوباما.

وتكمن أكبر مشكلة في ما يتعلق بالنموذج اليمني، بحسب الكثير من الخبراء، في أن اليمن وسوريا دولتان مختلفتان تماما. في اليمن، أحكم صالح قبضته على السلطة على مدار ثلاثة عقود عن طريق التوفيق بين مصالح متضاربة من خلال نظام تأييد معقد. وعندما انهارت سلطته، كان هناك نائب رئيس، وهو هادي، والذي بدا قادرا على فرض قدر كاف من السيطرة على قوات الأمن المنشقة في اليمن ليظهر كقائد موثوق به للمرحلة الانتقالية.

وفي سوريا، على النقيض، يشرف الأسد على دولة أمنية، تخشى فيها طائفته العلوية الأقلية من أنه في حالة الإطاحة بعائلته، سوف تواجه إبادة على أيدي الأغلبية السنية. وقد أبقى هذا النظام في حالة من التماسك الملحوظ وقلل الانشقاقات بين صفوف الجيش وترك الأسد في موقف أقل خطورة من صالح. لقد سلم مسؤولون أميركيون، أنه حتى إذا ترك السلطة، فلن يكون هناك مرشح واضح يمكن أن يحل محله.

قال أندرو تابلر، خبير في شؤون سوريا بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «نظام الأسد محصن ضد هذه الأنواع من الانقسامات. ويعتبر هذا أحد الأسباب وراء صعوبة إسقاط هذا النظام».

* خدمة «نيويورك تايمز»