الشارع المصري.. في «حيص بيص»

الإحباط يسيطر على المصريين وسط رفض لكل الحلول المطروحة

TT

منذ الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة ثم أحكام «محاكمة القرن» وتصاعد الأحداث السياسية في مظاهرات مستمرة بالقاهرة وأغلب المحافظات، ووسط حلول مربكة لا تلقى توافقا من القوى والتيارات السياسية، وقع الشارع المصري في «حيص بيص»، لا يعرف في أي اتجاه ستتجه بوصلة البلاد، وهو ما انعكس بقوة في النقاشات السياسية اليومية للمصريين أو في الواقع الافتراضي أو لدى المواطن البسيط، فالجميع أصابته حالة من التخبط والتضارب في الآراء والتوجهات، أدت إلى إعلان الكثيرين مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. والتي سيتم فيها الاختيار بين الإصابة بالكوليرا أو الطاعون، بحسب وصف الكثيرين للمشهد.

فاقمت محاكمة مبارك بالحكم عليه بالمؤبد مع وزير داخليته حبيب العادلي، وتبرئة نجليه وستة من قيادات الشرطة، مشاعر الحيرة الشديدة لدى المصريين، مع مواجهتهم اختيارا لا يرتضونه للرئاسة، بين مرسي مرشح الإخوان المسلمين وأحمد شفيق المحسوب على النظام السابق.

لا يوجد إحصاء يعكس تصاعد هذه المشاعر المعقدة؛ لكن يمكن ملاحظة ما يغمر الشارع من حالة إحباط ويأس وحيرة، عند محاولة توجيه سؤال لأحد المصريين لمن سيذهب صوته في جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة بعد تسعة أيام، أو ما موقفه من الحلول المطروحة حاليا في ميدان التحرير، حيث يطالب المتظاهرون بإعادة محاكمة الرئيس السابق ونجليه أمام محاكم ثورية، وتطبيق قانون العزل السياسي، وإلغاء الانتخابات الرئاسية، وتشكيل فريق رئاسي مدني، وتطهير القضاء وإقالة النائب العام.

فعلى أحد المقاهي، يقول الخمسيني حسين أبو ريه: «الاستقرار سيعود للبلد إذا جاء حاكم عادل ونظيف اليد وشريف، فنصف الشعب ينام في الشارع ولا يجد لقمة العيش». ويتابع وهو يطالع إحدى الصحف المحلية: «من حق الشعب أن يكمل ثورته السلمية في ميدان التحرير حتى يتم تحقيق جميع مطالبها».

من خلفه، اختلف معه أحد رواد المقهى بقوله: «التظاهر الآن غير مفيد، ومطالب إعادة محاكمة مبارك أراها تتعارض مع الانتخابات، نعم نشعر بظلم الأحكام، لكننا في حاجة إلى الاستقرار لكي ننتهي من انتخابات الرئاسة، ويأتي من يسيطر على زمام الأمور المضطربة منذ عام ونصف العام منذ قيام الثورة». لكن الدعوات المتعاقبة للتظاهر وفكرة الحشود المتكررة «تؤدي إلى الفوضى وتضارب المشاعر بين المصريين»، وهو ما يراه أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور أحمد زايد، الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط»: «بالفعل وقعت أخطاء خلال المرحلة الانتقالية، لكن يجب تجاوز هذه الأخطاء والسير في الطريق نحو الديمقراطية، والحفاظ على الثورة ومكتسباتها، حتى لا تحدث تطورات انفعالية تنأى بالثورة وتنحرف بها عن هدفها الرئيسي، وحتى يتم الوصول إلى مجتمع ديمقراطي حقيقي».

ويعلل آخرون هذه المشاعر التي تسيطر على الشارع بأسباب مختلفة؛ فيقول محمود زكي، حارس أمن: «المقدمة الثورية التي قالها قاضي محاكمة القرن أحمد رفعت هي سبب حالة الإحباط التي أعاني منها، فقد دمعت عيني وقتها، لكن كل شيء تبدل عندما سمعت ببراءة نجلي مبارك». فيما يرى الطالب الجامعي وائل سعيد، أن ما يطرحه المتظاهرون من فكرة تأسيس مجلس رئاسي تدعو للإحباط، ويقول: «لا يوجد شيء اسمه مجلس رئاسي، كيف يخسر مرشحون انتخابات الرئاسة ثم ندعو إلى أن ندخلهم لمجلس رئاسي، أين الديمقراطية إذن؟، والأولى من وجهة نظري إجراء الانتخابات الرسمية».

في جانب آخر من القاهرة، ترى دينا عادل، محاسبة، أن الدعوات لمقاطعة انتخابات الرئاسة جعلتها تتخبط، فهل تشارك رغم أنها غير مؤيدة لشفيق أو مرسي، أم تذهب وتبطل صوتها، أم تقاطع الصندوق تماما. وتقول باقتضاب: «حائرة.. لا أقتنع بأي منهما، لقد فقدت بوصلة الاتجاه الصحيح، ولكن علينا ألا نلوم إلا أنفسنا، فنحن من دفعنا بهما إلى جولة الإعادة».

بينما كتب الشاب محمد السكري، تعليقا إلكترونيا يقول فيه: «رغم ما يحدث حولنا وحالة الإحباط التي تسيطر على الجميع، ففي النهاية المكسب الفعلي يصب في اتجاه الشعب المصري، الذي يكتشف كل ساعة تلاعب النظام به طيلة المرحلة الانتقالية بزرع الفتنة والشقاق بين القوى الثورية الوطنية بغض النظر عن كونها إسلامية أم ليبرالية». الدكتور أحمد البحيري، استشاري الطب النفسي، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «ما يصب مباشرة في سير الأمور في مصر بهذه الصورة القاتمة، هو عدم اتفاق المصريين على كلمة واحدة أو هدف واحد، فلا يوجد اتجاه عام يحدد هذا الاتفاق سواء في الشارع أو لدى السياسيين، حيث يختلف حماس الشارع تجاه الأحداث المحيطة مع ما يشعر به المصريون من عدم الإحساس بعدم الاستقرار وعدم تحديد الاتجاهات والأهداف المستقبلية، كما أن القوى السياسية لم تحدد هي الأخرى اتجاهات بعينها يتفقون عليها».