مصادر فرنسية رسمية لـ «الشرق الأوسط»: منفتحون على كل المبادرات.. ونرى بدايات التحول في الموقف الروسي

قالت إن موسكو بدأت ترى أن نظام الأسد عالة عليها أكثر مما هو ورقة رابحة بيديها

ناشطون في سراقب يعبرون في إحدى الساحات عن توحد الطوائف والقوميات السورية (أوغاريت)
TT

فيما يلتئم مجلس الأمن اليوم للاستماع إلى تقرير المندوب الدولي - العربي كوفي أنان، عما وصلت إليه خطته ذات النقاط الست، وعن عمل مجموعة المراقبين الدوليين في سوريا، قالت مصادر فرنسية رسمية إنه «من المهم جدا المحافظة على مهمة أنان وعلى المراقبين الدوليين على الرغم من العقوبات التي تحول دون تطبيق خطته، واستمرار العنف والقتل على مستوى واسع منذ وصول بعثة المراقبين في 12 أبريل (نيسان) الماضي».

وأمس شارك وزير الخارجية، لوران فابيوس، في اجتماع إسطنبول عن سوريا إلى جانب نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون، ووزير خارجية بريطانيا هيغ، ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وآخرين. واليوم يستقبل الرئيس هولاند رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وسيكون الملف السوري على رأس المواضيع التي ستثار.

وقالت هذه المصادر واسعة الاطلاع التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، إن واجب الأسرة الدولية هو «إعادة تأكيد الثقة بالمبعوث الخاص، وتوفير الوسائل التي يطلبها من أجل إنجاز مهمته، باعتبار أن أنان هو اليوم الورقة الوحيدة» الموجودة بيد الأسرة الدولية.

وشددت باريس، في موضوع التعاطي مع الملف السوري، على الحاجة للمحافظة على ثلاثة مبادئ أساسية «إذا أردنا أن نصل إلى نتيجة في سوريا»، وهي كالتالي: تأكيد الوقوف وراء أنان، إظهار وحدة الأسرة الدولية في التعاطي مع الملف والحاجة لوقف العنف والقتل، وأخيرا إظهار أنها غير عاجزة عن اتخاذ المبادرات.. الأمر الذي يعكسه تكاثر الاقتراحات الواردة إن كان من الجامعة العربية، أو من الثنائي الروسي - الصيني، أو عبر تكثيف الحوار بين واشنطن وموسكو.

وعلى الرغم من البرودة التي طبعت قمة الرئيسين الفرنسي فرنسوا هولاند والروسي فلاديمير بوتين، في باريس يوم الجمعة الماضي، واختلاف مواقف البلدين في تشخيص الوضع واقتراح الحلول، فإن باريس تعول كثيرا على حدوث «تطورات إيجابية» في موقف موسكو من النظام السوري، ليس أقلها تصريحات نائب وزير الخارجية غاتيلوف الذي أكد أول من أمس أن بقاء الأسد مع نهاية المســـــار السيــــــاسي ليس شرطا للحل.

وكشفت المصادر الفرنسية أن بوتين أبلغ الجانب الفرنسي نهاية الأسبوع الماضي بأمرين: الأول أن بلاده «راغبة» في استمرار التواصل والحوار مع فرنسا وأوروبا حول الملف السوري، والثاني أنها تريد أن تتم مسألة العقوبات الاقتصادية على سوريا في مجلس الأمن الدولي، ما يعني أن موسكو «ليست مغلقة بشكل تام» على مثل هذا التوجه.

وبحسب المصادر الفرنسية، فإن موسكو وبكين «تعيان خطورة الوضع السوري على استقرار المنطقة ككل، ولنتائج حرب أهلية وطائفية على سوريا، وعلى تشرذم بلدان أخرى أولها لبنان»، وبالتالي فإن الفرنسيين، والأوروبيين بشكل عام، راغبون في «البناء» على هذه المقاربة المشتركة مع الروس (والصينيين) «لأننا نعي أهمية الاستقرار ومعناه بالنسبة لموسكو ولاستقرار روسيا». ولذا تسعى باريس ومعها شركاؤها الأوروبيون للبحث مع الجانب الروسي عن «الوسائل» الملائمة للخروج من الأزمة.

وبينما تمضي باريس في التحضير لمؤتمر «أصدقاء الشعب السوري» الذي يفترض أن يلتئم في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، أفادت المصادر الفرنسية بأن باريس وجهت دعوة لموسكو للمشاركة في المؤتمر. غير أن فرنسا «منفتحة» على أي مبادرة أخرى؛ بما فيها تلك التي يقترحها الروس والصينيون أو تلك التي قد يقترحها الأمين العام للأمم المتحدة اليوم في نيويورك.

ومنذ شهور تعي باريس أن مفتاح الأزمة موجود في موسكو التي استخدمت حق النقض (الفيتو) مرتين لإجهاض مشروعي قرارين في مجلس الأمن يدينان النظام السوري ويدعوان لاتخاذ إجراءات بحقه، غير أنها اليوم تلمح «بدايات تحول» في المقاربة الروسية؛ «لأن موسكو تأخذ بعين الاعتبار تطور الموقف الميداني في سوريا»، ولأنها تعرف أن النظام السوري «أصبح عالة عليها أكثر مما هو ورقة رابحة» بيدها.

وبحسب المصادر الفرنسية، فإن بوتين قلل أمام الجانب الفرنسي من أهمية المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية الروسية مع سوريا. وتنبه باريس إلى كون المحافظة على مصالح موسكو «لا تمر بدعم نظام الأسد» الذي «لا يثق أحد به»، والذي تعتقد أنه «آيل إلى الانهيار». وترى باريس أن مؤشرات التحول الواردة من موسكو مردها إلى أن القادة الروس يلمسون عزلة النظام السوري وعجزه عن إحكام السيطرة مجددا على الوضع، فضلا عن أنه «أظهر هشاشة في الداخل» وعجزا عن التحرك في الخارج.

غير أن باريس تلاحظ أن ثمة «جدلا داخليا» في الأوساط القيادية الروسية حول «الخط» الواجب اتباعه إزاء سوريا، بين جناح متشدد يمثله وزير الخارجية سيرغي لافروف وآخر أكثر ميلا للتعامل بواقعية مع التطورات الحاصلة، غير أنها تعتبر أن هذا الأمر «طبيعي» ويحصل مثله في كثير من الدول وأولها الولايات المتحدة الأميركية.

وستراقب باريس عن قرب ما سيدور اليوم في مجلس الأمن الدولي، وخصوصا لجهة المواقف التي سيعبر عنها المندوب الروسي إزاء المطالب التي سيعرضها المبعوث الخاص، ولتلك الأخرى التي يمكن أن تطرح والتي طلبتها الجامعة العربية، وتحديدا وضع تطبيق خطة أنان تحت الفصل السابع.

وفي أي حال، ترى باريس أن مستقبل سوريا، مهما تمايزت المقاربات والاقتراحات «لا يمر عبر بقاء الأسد في السلطة»، لأن الأخير «لا يفهم غير لغة القوة ولم يبد يوما جديا في التعاطي بغير هذه اللغة مع مطالب المعارضة والانتفاضة». ولذا فإن باريس، عندما تقول إن رحيل الأسد «شرط مسبق» للحل السياسي فإنها تعني أن الأسد «لا يمكن أن يقود المرحلة الانتقالية ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل».