بروغيير: القضاء على بن لادن وطالبان لن ينهي الإرهاب والتكفيريون مثل الانتحاري المصري عطا هم أخطر الأصوليين

القاضي الفرنسي الذي يلاحق المتطرفين منذ 1985 عزا عدم مرور منفذي تفجيرات أميركا بفرنسا إلى قوة أجهزتها الأمنية

TT

بعد 11 يوما من هجمات نيويورك وواشنطن الانتحارية كان جان لوي بروغيير، القاضي الفرنسي المكلف ملف مكافحة الارهاب، في دبي يتفاوض على تسلم اهم الناشطين في شبكة القاعدة التي يتزعمها اسامة بن لادن في اوروبا. فقد ابلغ جمال بقال المحققين في دبي عن نشاط العديد من الخلايا الاساسية في اوروبا. وطبقا لهذه المعلومات قامت دائرة مكافحة التجسس الفرنسية بمراقبة ثلاث شقق كان يقطنها المتآمرون الذين يخططون لتفجير السفارة الاميركية في باريس. لكن المتآمرين الذين انتبهوا للامر من تقارير الصحافة الفرنسية عن الاعتقالات حاولوا التخلص وبسرعة من الوثائق ومسح ملفات الكومبيوتر. وابلغ بروغيير بتخلص المشتبه فيهم من الوثائق بعد 30 دقيقة من بداية عملية التخلص هذه واصدر على الفور اوامره لعملاء الهيئة بمداهمة الشقق الثلاث، والقبض على كل من فيها، ثم مصادرة الادلة. وتمت عمليات المداهمة بعد 10 دقائق من صدور الاوامر. وتجدر الاشارة الى انه لا توجد الا مجموعة قليلة من الدول الغربية تتم فيها الامور بهذه السرعة. الا ان بروغيير البالغ من العمر 58 سنة الذي كان يحمل لفترة مسدسا من طراز «ماغنوم» ويتنقل في باريس في سيارة مضادة للرصاص مع حارسين شخصيين، ليس فقط واحدا من اهم الخبراء في شؤون مكافحة الارهاب، لكنه ايضا واحد من اقوى الشخصيات التي تعمل في مجال مكافحة الارهاب. ويملك سلطات واسعة لم يسمع بها في الولايات المتحدة وليس لها مثيل في اي دولة اوروبية اخرى. كما انه من اكثر الرموز وضوحا لنظام يؤكد الفرنسيون انه يعمل بطريقة افضل من اي نظام اخر في اوروبا لمكافحة الجماعات المتطرفة. ويلاحق بروغيير ورجاله الشبكات الاصولية من مكتب مزدحم يقع في نهاية ممر في الطابق الاعلى من مبنى قصر العدالة تحميه ابواب مؤمنة ونوافذ مصفحة. ويخضع بيته في باريس وزوجته وولداه الى الحراسة على مدار الساعة. ويقول بروغيير «بصفتي قاضي تحقيق يمكنني اصدار اوامر بالتفتيش والقبض، وتسجيل الاتصالات، وطلب استدعاء قوات الشرطة الخاصة، بالاضافة الى الاستخبارات الفرنسية». ويضيف «يمكننا القيام بالاشياء بطريقة اسرع واكثر كفاءة من اي دولة اخرى. هذه حرب. والنظام القانوني هو سلاحنا. وفي اي حرب علينا العمل بسرعة وبطريقة حاسمة. التأخير يمكن ان يكون ضارا للغاية». ويمضي في القول بان «حقيقة ان الخاطفين الـ19 لم يخاطروا بعبور الاراضي الفرنسية، بينما ذهبوا الى اسبانيا وبلجيكا والمانيا وبريطانيا، تؤكد مدى صعوبة وخطورة الامر بالنسبة لهم في فرنسا. ان على الدول الديمقراطية الموازنة بين الحريات المدنية والامن. ان تعتبر الامن هو ايضا حق مدني اساسي». وفي الوقت الذي تبذل الولايات المتحدة فيه جهدا كبيرا لمعرفة كيف ترد على التهديد الجديد، فهي تراقب عن كثب النموذج الفرنسي. وقد تم تأسيس المكتب بعد موجة القنابل التي نفذها حزب الله في باريس بين عامي 1985 و86 ويعمل فيه اربعة محققين ومثلهم من القضاة. ويمكن احتجاز المشتبه فيهم لمدة 96 ساعة للتحقيق معهم، ويمنعون من الاتصال بمحاميهم خلال اليوم الاول بعد القبض عليهم. ويدير بروغيير العمل بطريقة مسرحية. وقد اكتسب قائمة طويلة من الاعداء. فهو يتولى القبض بنفسه على طريقة ادغار هوفر مؤسس مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي ورئيسه لمدة 48 سنة. وبروغيير فرنسي المزاج تماما ولديه قناعة تمكنه من السير عبر الخطوط القضائية الى ما يراه معركة كونية. ففي عام 1992 وصل الى الاراضي الليبية على متن سفينة حربية فرنسية وطلب التحقيق مع صهر العقيد معمر القذافي عبد الله السنوسي الرئيس الفعلي للاستخبارات الليبية. وقد اتهم السنوسي مع ثلاثة من كبار الضباط الليبيين في عملية تفجير طائرة ركاب فرنسية في عام 1989 ادت الى مقتل 171 راكبا. ولم ينجح بروغيير في الحديث مع المسؤول الليبي الرفيع وعاد الى بيته بكنية «الادميرال» الى جانب «القاضي الكاوبوي» وهي الصفة التي تطلق عليه مرارا وتكرارا. وفي نهاية الامر ادان بروغيير الليبيين. واصطاد كذلك الارهابي الفنزويلي ايليتش راميريز سانشيز، المعروف بـ«كارلوس»، في السودان عام 1994 ونقل الى فرنسا للمثول امام المحكمة. وصدر حكم بالسجن المؤبد على سانشيز بعد ادانته بارتكاب 83 جريمة قتل. ان مكتب بروغيير هو الذي كشف خلية للقاعدة تعمل في اوروبا وكندا وحمل محكمة فرنسية على توجيه الاتهام الى اعضاء خلية مكونة من 17 عضوا في ابريل (نيسان) الماضي بتدبير هجمات ارهابية بما في ذلك محاولة الجزائري احمد رسام تفجير مطار لوس انجليس الدولي. وحددت وحدته، التي تحتفظ بملفات عن المتشددين الذين تدربوا في افغانستان، زكريا موساوي المعتقل في مينيسوتا على ذمة قضية تتعلق بالهجرة كمساعد لابن لادن. وبأمر من بروغيير احتجز عدد من الناشطين الفلسطينيين الى جانب اعضاء في الجيش الجمهوري الايرلندي ومتطرفين يساريين فرنسيين وصلوا قنبلة بسلك بغرض تفجير البرلمان. وركز بروغيير، الذي قدمت اسرته عشرة اجيال من القضاة، خلال القرن الماضي على القضاء على الشبكات المتطرفة مثل «الجماعة الاسلامية المسلحة» الجزائرية. وكانت المجموعة قد نفذت خلال حقبة التسعينات سلسلة من التفجيرات، الا انها تعرضت للاختراق بواسطة عملاء سريين الى ان اصبحت غير فاعلة وانتهى 300 من اعضائها في السجون الفرنسية. ويقول بروغيير ان هناك حوالي 20 لهجة في الجزائر وان الاشخاص الذين لا يتحدرون من المنطقة يجدون صعوبة كبيرة في فهم هذه اللهجات، لذا فإن السلطات الفرنسية استعانت بـ 20 مترجما، واحد لكل لهجة محلية. كما أمضى بروغيير ثلاثة ايام في الامارات لاصطحاب بقال الذي ظلت اجهزة الاستخبارات الفرنسية تبحث عنه لمدة عامين. وبما انه ممنوع بموجب القانون من التحدث عن القضية، فقد اكتفى بوصف اعتقال بقال بأنه «تطور مهم للغاية». الجدير بالذكر ان الشرطة الفرنسية اعتقلت 14 شخصا في فرنسا وبلجيكا وهولندا على اساس الاعترافات التي ادلى بها بقال وأحبط الهجوم على السفارة الاميركية. ويقول بروغيير ان انتهاء طالبان او قتل اسامة بن لادن لن يقضيا على خطر الارهاب، مشيرا الى ان شبكات الارهاب في عالم اليوم تختلف عن سابقاتها التي كانت لها بنية وتسلسل قيادي معروف. واضاف انه يشعر بالانزعاج بسبب وجود العديد من الخلايا المستقلة في اوروبا واميركا الشمالية، وهي خلايا لا تعرف السلطات او الاجهزة الامنية عنها شيئا حتى الآن. ويقول كذلك ان هذه الخلايا لا تحتاج الى تعليمات من اسامة بن لادن للشروع في الجهاد بل تمول عملياتها بنفسها من السرقات والاحتيال واستخدام البطاقات الائتمانية، لذا فإن الخطر، كما يرى بروغيير، سيظل قائما حتى في ظل عدم وجود بن لادن. ويقول بروغيير ان هذه الخلايا تتخذ ادوارا واشكالا مختلفة و«تتغير مثل فيروس الايدز» وان الطريقة التي يجرون بها الاتصالات وتنفيذ العمليات تختلف في كل مرة. ويمضي قائلا ان الكثيرين منهم، خصوصا المرتبطين بمجموعة التكفيريين، اكثر اندماجا في المجتمع الغربي ويأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ويرتدون الملابس الغربية كغطاء، اذ من المستحيل تقريبا كشف هؤلاء. ويعتقد بروغيير ان محمد عطا، المتهم بقيادة المجموعة التي شنت هجمات 11 سبتمبر (ايلول) بطائرات مخطوفة، من جماعة التكفير التي تعد الاخطر لأنها ترفض الوثوق حتى في آراء الجماعات الاسلامية الاخرى وتعتقد ان رأيها وحدها هو الصائب وهي وحدها التي تملك الحقيقة. ويحذر بروغيير من ان الهجوم المقبل ربما لا يشابه الهجمات السابقة، واضاف ان مجموعات من الارهابيين تدربوا في افغانستان على استخدام الاسلحة الكيماوية والبيولوجية رغم انهم لا يملكون اسلحة كيماوية. لقد رأينا ادلة على محاولة تسميم مصادر المياه بالسيانيد، ومثل هذه العمليات سهلة للغاية وفي نفس الوقت من الصعب منعها. الجدير بالذكر ان القاضي بروغيير يقود الطائرات الصغيرة ويتدرب في اجهزة محاكاة على قيادة الطائرات الكبيرة، وهي هواية يقول بروغيير انها مشتركة بينه والخاطفين وعلق قائلا «على العكس من الخاطفين، يمكنني الهبوط بطائرة من طراز بوينغ 747».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»